الثقافة الكردية و متغيرات المرحلة
#مصطفى عبدو#
يتسع اليوم هامش المسموح به لدى الكتاب والمثقفين الكرد لدرجة تتخطى أحلامهم، ولعل الحالة التي شهدتها أوضاع الثقافة الكردية في السابق هي التي ستخطر ببال من يقرأ هذا الكلام. ذلك أن الكُتاب والمثقفين منذ سنوات قلائل كانوا يعيشون حالة تهميش وعدم توازن وأوضاع لا تسمح بإنتاج أعمال إبداعية، وكان تُفرض عليهم ضوابط وقيود في وقت ازدادت فيه محاولات طمس الثقافة الكردية وسماتها.
وبالرغم من محاولات الكتاب المستمرة لاختراق هذه القيود، لكنّ البعض منهم وجدوا أنفسهم يعيشون في حالة اغتراب، وبالتالي اختيار الارتماء في ثقافة الآخرين.
راهناً، بدأ المشهدان الأدبي والثقافي يضجّان بالحيوية، وبدأت تنتشر الأساليب الكلاسيكية والحداثية و تزدهر الترجمة، وبدأت كتابة القصة والشعر بالانتشار، وكثُرت الفِرق المسرحية إلى جانب التوجه نحو إنتاج الأفلام، وانتشر أعداد كبيرة من القنوات الفضائية الكردية ودُور النشر والجامعات والمعاهد والمدارس، ودوماً كان للمرأة نصيب لا بأس به في كل ذلك.
هذا التنوع في الإنتاج الفكري والثقافي وما يصاحبه من حريات وقيم متفاوتة مكّن الأدباء والمثقفين من فتح أفق أكثر رحابة على المواضيع السياسية والتاريخية والإنسانية وغيرها، لكنها لا تخلو من تحديات أخرى وهموم مرحلة مختلفة، حيث إن لهذه المرحلة أيضاً صعوباتها ومشكلاتها منها التشظي الاجتماعي وتشتت العلاقات الأسرية والحروب والأزمات الاقتصادية إلى جانب ضغوط العولمة التي تدفع ببعض الكتاب إلى مسايرتها، وتبني عادات وأنماط سلوكية مختلفة بإيجابياتها وسلبياتها. يضاف إلى ذلك وجود مشكلات اجتماعية وسياسية وثقافية بين شعوب المنطقة نحن بأمس الحاجة إلى تلافيها بالعمل الجاد وبناء نموذج جديد للعلاقات الثقافية.
بالمحصلة، رغم أن الثقافة الكردية تحمل في طياتها أوصال المناعة والحصانة وثمة كنوز كثيرة فيها وهي لم تسع يوماً إلى الهيمنة على ثقافات الآخرين بالرغم من محاولات الآخرين الهيمنة عليها ووصفها بأنها لا تواكب الثقافات المتقدمة فأن الواقع الثقافي الكردي يفرض بذل المزيد من الجهود للمحافظة على هذه الثقافة, ذلك أن الأمم تفنى بتحللها ثقافيا واندماجها في ثقافات أخرى.
وعلى الكُتّاب والمثقفين الكرد جعل هذه الثقافة رصيداً حاضراً يضيء لهم آفاق المستقبل، وللتناغم والاحترام المتبادل مع ثقافات الأمم والشعوب الأخرى وبناء شراكة إنسانية متكافئة.[1]