الفيليون هم السكان الأصليون لبلاد ما بين النهرين
د. مهدي كاكه يي
قبل الخوض في الموضوع، أحب أن أذكر بأن إطلاق إسم (الكورد الفيليون) على الشريحة #الفيلية#، هو إستعمال غير دقيق حيث أن ذكر كلمة (الكورد) مع (الفيليون) كأنما يُراد بها إثبات كوردية هذه الشريحة الكوردية و عليه فهي توحي الى التشكيك في كوردية الفيليين، مثلاً يُقال (سوراني و بهديناني و گەرمياني و إيزيدي) دون الحاجة الى ذكر كلمة (كورد) معها. في رأيي، أن إستعمال مصطلح (الفيليون) لوحده كتسمية لهذه المجموعة الكوردية، يكسبها مدلولاً صحيحاً و عمقاً في كورديتها. و هكذا بالنسبة الى أسماء الأحزاب التي تتبنى تمثيل هذه الشريحة مثل (الحزب الكوردي الفيلي العراقي)، الذي قد يكون الإسم المناسب له هو (الحزب الفيلي) أو (الحزب الفيلي الكوردي)، في حالة إقتصار العضوية في الحزب على الكورد فقط دون غيرهم، أو (الحزب الفيلي الكوردستاني)، إذا ما يُراد للحزب أن يكون كوردستانياً، حيث يسمح النظام الداخلي للحزب بإنتماء المواطنين الكوردستانيين من الكورد و التركمان و الآشوريين و الأرمن و الكلدانيين و العرب الى صفوف الحزب. كما ليس هناك أي سبب وجيه في التأكيد على عراقية الحزب لأن الحزب هو حزب عراقي بحت و عليه يمكن الإستغناء عن كلمة (العراقي) في إسم الحزب كما هو الحال مع أسماء الأحزاب العراقية مثل حزب الدعوة الإسلامية و الوفاق الوطني و غيرها. هناك مسألة مهمة أخرى بالنسبة للتنظيمات المهتمة بالشريحة الفيلية، وهي أن غالبية الفيليين يعيشون في الإقليم الشرقي من كوردستان و أن إهتمام هذه التنظيمات بالأقلية الفيلية التي تعيش في كل من العراق و الإقليم الجنوبي من كوردستان ، يعني إهمال هذه التنظيمات للأكثرية الفيلية.
ماذا تعني كلمة (سومر)؟
كلمة (سومر) متكونة من كلمتين كورديتين (سومريتين) هما (سور) التي تعني (أحمر) و (مر) التي تعني (إنسان أو شخص) باللغة الكوردية، و بذلك تعني كلمة (سومر) باللغة الكوردية ( الإنسان الأحمر). إختفاء حرف (الراء) من كلمة (سور) قد يكون حصل كحاجة لغوية لتسهيل تلفظ كلمة (سورمر) ، حيث أن إزالة الحروف الداخلة في تركيب الكلمات، و التي تُسبّب صعوبة في نطق هذه الكلمات، هي عملية شائعة تحصل في جميع اللغات، و عليه تكون كلمة (سورمر) قد أصبحت (سومر) بمرور الوقت و خلال الممارسة اللغوية. الحضارة السومرية (3700 - 2350 قبل الميلاد) هي إحدى أقدم الحضارات البشرية، حيث أن السومريين هم من أقاموا صرح الحضارة الإنسانية في بلاد ما بين النهرين، و منها إنتقلت الى البلدان الأخرى و أن مدينة أور هي من أقدم المراكز الحضارية. مدينة (آور - أوروك) يعود تأريخها الى سنة 3300 قبل الميلاد و ببنائها تم دشن عصر أول حضارة مدنية.
الأعمال الجبارة للسومريين
أهم عمل قام به السومريون هو إختراعهم للكتابة و الأرقام و إبتكارهم للمدن. السومريون هم أول مَن إخترعوا الكتابة و الأرقام والتي أخذتها الأقوام الأخرى منهم، حيث أننا لو تصفحنا الكتب الغربية التي تدرس تأريخ تطور اللغات و الأرقام في العالم، لنرى أنها تذكر ذلك و تؤكد عليه. السومريون بنوا حضارة متقدمة، حيث طوروا الزراعة و الري و إخترعوا المحراث و الدولاب و العربة و مخرطة الخزف والقارب الشراعي و البرمشمة و اللحام و الدهان و صياغة الذهب و الترصيع بالأحجار الكريمة و عمارة القرميد العادي و المشوي و إشادة الصروح و إستعمال الذهب و الفضة في تقويم السلع وإبتكروا العقود التجارية و نظام الإئتمان و وضعوا كتب القوانين و هم أول من إبتكروا الطابوق كوحدة معمارية مصنعة بدل الحجر. يُحدّثنا التأريخ أيضاً بأن السومريين تمسكوا بالحق و العدالة و الحرية الشخصية و كرهوا الظلم و العنف، حيث وضعوا القوانين لتنظيم حياتهم على ضوء هذه المبادئ الإنسانية. برع السومريون في علوم الموسيقى، حيث أن التنقيبات الأثرية في مدفن زوجة ملك أور، الملكة شبعاد، التي قام بها علماء الآثار البريطانيون عام 1918، قادت الى العثور على مجموعة من العازفين مع 11 قيثارة، إضافة لقيثارة كبيرة مكونة من 30 وتراً وهي القيثارة السومرية. الحضارات اللاحقة قد أخذت معظم العلوم ومنها الموسيقية من الزقورات (أماكن العبادة)، (زقورة أور وزقورة دوركاريكالزو) الواقعة غرب بغداد وكانت زقورات وادي الرافدين قبلة لأنظار الناس ومنها إستلهم المصريون أهراماتهم وهياكلهم الآولى.
مَن هُم السومريون؟
الإكتشافات الأثرية تؤكد بأن السومريين كانوا من الأقوام الآرية و لم يكونوا من الساميين. التنقيبات الأثرية أثبتت أيضاً أن السومريين قد نزحوا من كوردستان الى وسط العراق و من هناك توجهوا الى جنوب العراق فإستوطنوا فيه. الفيليون هم أحفاد السومريين، كما نرى فيما بعد في سياق هذه المقالة، لذلك ُيعتبر الفيليون السكان الأصليون لمناطق وسط و جنوب العراق قبل مجئ العرب إليه. أول نزوح عربي بدأ الى الحيرة في القرن الرابع الميلادي، حيث وافق الساسانيون على نزوح العرب و جعلهم رعية لهم لإستخدام العرب النازحين في محاربة البيزنطينيين الذين كانوا يحكمون سوريا آنذاك. البيزنطينيون أسكنوا بدورهم قبائل من العرب االغساسنة قبالة الساسانيين، مستخدمينهم كدروع بشرية ضد الهجمات الآتية من الساسانيين.
عند نزوح القبائل العربية الى العراق الحالي في القرن الرابع للميلاد، كان الفيليون يُشكّلون أكثرية سكان العراق، حيث أن الفيليين هم الذين وضعوا اللبنات الأولى في بناء صرح بغداد.
في ذلك الوقت كان الكورد يؤلفون الأكثرية المطلقة لسكان المنطقة الممتدة من قفقاسيا الى (سيسفون) أو طيسفون (المدائن) التي كان الكورد يطلقون عليها إسم ( شارستانان) و أن الأسماء الكوردية للمواقع في هذه المنطقة و التي لا زالت باقية الى الآن، تشهد على كوردية المنطقة في ذلك الوقت و على عراقة الشعب الكوردي. باحثون من أمثال صاموئيل هنري كوك و صاموئيل نوح كريمر و جورج رو و طه باقر، يذكرون بأن الموطن الأول للسومريين هو المنطقة الجبلية الكائنة شمال بلاد ميزوبوتاميا و منها نزحوا الى الجنوب و بنوا فيه صرح الحضارة السومرية.
تواصل اللغة الكوردية مع اللغة السومرية
هناك إكتشافات أثرية تتعلق باللغة السومرية التي لا تزال الكثير من الكلمات السومرية متداولة في اللغة الكوردية. كلمة (كور) تعني (الجبل) في اللغة السومرية و الكورد لا يزالون يستعملون كلمة (كو) التي تعني الجبل أيضاً. نظراً لكون جبال كوردستان الموطن الأول للسومريين، كانت لكلمة (الجبل) قدسية خاصة عندهم، حيث أن العديد من معابدهم تحمل إسم الجبل، مثل الإله (سكمان) الذي يعني (ملك الجبال) و (آناه ليل) التي تعني (الجبل العظيم) و معبد (آناليل) أي (بيت الجبل العظيم). كما أن كلمة (پير) هي كلمة مقدسة عند الكاكائيين، حيث هي اسم للمرجعية الدينية لهم، و نفس الشيئ كانت عند السومريين مثل (پير خورتسوري) السومرية و (پيرام) الكاسية و (پير مشاتي) عند الأورارتوه و(پير كشنسف) الاشكانية. الإسم المسيحي (هورمز) هو من الأسماء التي تعود للشعوب الإيرانية و أنه مقتبس من إسم الآلهة (هورميس) السومري والذي تغيّر الى (هورامزدا أو مزدا) عند الشعوب الإيرانية و التي تعني ( الإله) أيضاً.
هناك الكثير من الكلمات السومرية التي حافظت على تواصلها في اللغة الكوردية و المستعملة من قبل الأكراد الى الآن. مدينة أوروك (الوركاء السومرية) التي تقع أطلالها على بُعد ستين كيلومتراً من مدينة السماوة، يدل إسمها على كورديتها حيث أن إسمها السومري هو (آورگا)، التي تعني بالكوردية (الموقد)، حيث أن الإسم مؤلف من كلمتين كورديتين هما (آور) التي تعني (نار) و (گا) تعني (محل) وبجمع الكلمتين في كلمة واحدة يصبح معناها (الموقد) في اللغة الكوردية. كلمة (شمس) التي يستعملها العرب، مأخوذة من الكلمة السومرية (شمش). لازالت هذه الكلمة مستعملة في اللغة الكوردية، مثلاً، الكلمة الكوردية (شَمشَمَكويره) و التي تعني (الخفاش)، متكونة من الكلمتين الكورديتين (شَمش) التي تعني (الشمس) و (كويره) التي تعني (أعمى)، أي (أعمى الشمس)، مع وجود رابط (أمَ) بين الكلمتين كضرورة لغوية لتسهيل تلفظ الكلمة المركبة. كما هو معروف أن الخفاش يتواجد أثناء الليل و لا يتحمل أشعة الشمس. كما أن أسماء أيام الأسبوع الكوردية لها علاقة بالشمس، مثل (شَمَ) و (يَكشَمَ) و هكذا. هناك أيضاً مثل كوردي يقول (ده تواني ئهم كارە بكه ی ئهگه ر شه مه له مانگ ببرێ)، أي ما معناه أنك تستطيع عمل هذا الشئ لو إختفت الشمس عن القمر و الذي يؤكد على إستحالة إداء مثل هذا العمل. تُستعمل كلمة (شَمَ) في هذا المذل التي تعني (الشمس) و حيث تم تحول (شمش) السومرية الى (شَمَ) في الكوردية. يقول الدكتور طه باقر بأن كلمة ال(شِعر) هي مأخوذة من الكلمة السومرية (شرو) أو (سرو). أقترح هنا على اللغويين و الأدباء الكورد بالرجوع الى الكلمة الكوردية الأصيلة (شرو) و إستعمالها بدلاً من كلمة ال(شعر)، و بذلك يمكن التخلص من مشكلة كتابة حرف العين (ع) الداخل في كلمة ال(شعر) عند الكتابة الكوردية بالحروف اللاتينية التي تفتقد الى الحرف المذكور. كما أن الكورد لا يستطيعون نطق حرف العين (ع) الذي يدخل في تركيبة الكلمة (شعر)، خاصة في الإقليمين الشمالي و الشرقي من كوردستان، و بإستعمال كلمة (شرو) يتم حل هذه المشكلة أيضا.ً يقول الدكتور هاشم العقابي، في برنامجه (شدة ورد) في قناة الفيحاء، أن كلمة (هوسه) هي كلمة سومرية منبعها من مدينة العمارة. (هوسة) مُركّبة من كلمتين كورديتين، هما (هو) و التي هي أداة نداء و (سه)، التي تعني (ثلاثة) و عليه فأن كلمة (هوسة) تعني ثلاثية شعرية. قارئ المقامات العراقي السيد حسين الأعظمي، في مقابلة مع فضائية ( كوردسات)، يذكر بأن غناء المقام هو في الأصل غناء كوردي، أخذه العرب من الكورد، على سبيل المثال، إسم (مقام زير) مأخوذ من الإسم الكوردي (مقام ژێر) و الذي يعني بالكوردية ( مقام الأسفل) و إسم مقام (سێگا) مأخوذ من الكلمة الكوردية (سێجا) أي مقام (ثلاثي الإيقاع)، حيث يتكرر المقام ثلاث مرات. إسم مدينة (الأهواز) مأخوذ من الكلمة الكوردية (هوز) و التي تعني العشيرة، حيث كانت تسكن فيها سبع عشائر كوردية. العرب قاموا بجمع هذه الكلمة الكوردية فأصبحت (الأهواز) و بعض الأحيان يحوّرونها الى (الأحواز) ليجعلوا منها كلمة عربية صرفة و يقطعوا صلتها بالكوردية.
الفيليون هم جزء من اللور
يتألف اللور من اللور الكبير الذين يسكنون في لورستان الكبرى التي تُشكّل القسم الشرقي من لورستان، و اللور الصغير الذين يعيشون في لورستان الصغرى التي تتألف من القسم الغربي من لورستان. يُشكّل نهر ديزفول الذي ينبع من شمال مدينة ديزفول حدوداً جغرافية للورستان الكبرى و الصغرى. تتألف لورستان الكبرى من مناطق جبلية تمتد حتى فارس، بينما تقع لورستان الصغرى بين نهري كيرخ و ديزفول و يحدّها من الشمال منطقة كرمنشاه و من الجنوب خوزستان. كما أن هناك تواجداً لللور في خوزستان أيضاً. تنقسم لورستان الصغرى الى قسمين، الأول يُسمّى ب(بيشكوه) والتي تعني (أمام الجبل) وهي المنطقة الواقعة أمام جبال كرمنشاه و القسم الثاني يُسمّى ب(بشتكوه) و التي تعني (خلف الجبل)، حيث تقع المنطقة خلف جبال كرمنشاه. .يتشكّل اللور الصغير من أعداد كبيرة من العشائرالتي إشتهرت بإسم (فيلي). تتكون العشائر المؤلفة للفيليين من العشائر التالية: جنكروي و أوتري و كرسكي و ليتكي و روزهايتي و ساكي و شادلوي و داودعيني و محمد كماري و كروه جنكروي و أز سعب و شلبوري و كارانه و زر جنكري و فضلي و ستوند و آلاني و كاه كاهي و رخواكي و درهي و برارند و مانكره دار و أناركي و أبو العباسي و علي مماسي و كجاسي و سلكي و خودكي و ندروي و سامي و آسيان و سعي و إركي و روستاي. يترأس كل عشيرة شخص يُسمّى ( توشمال) الذي لا يعترف بأية سلطة غير سلطة الحكومة.
تسمية (الفيليين)
في العهد الأشكاني (250 ق.م.- 226 م) كان إسم( پهله) يُطلق على الإقليم الذي عُرف بإقليم الجبل في بداية العصر الإسلامي، للدلالة على قسم من بلاد الميديا القديمة، و الذي عُرف جزء منه لاحقاً بإسم (كوردستان). حافظت الكلمة (پهله) على وجودها في زمن الساسانيين (224-652 م)، حيث أخذ بعض الأسر النبيلة تحمل لقب (پهلو) كلقب متميز و رفيع المستوى، كأسرة قارون پهلو التي كانت تسكن في مدينة نهاوند و أسرة سورين پهلو في مدينة سيستان و أسرة سباهبند پهلو في دهستان، حتى أن عائلة رضا شاه في إيران إستخدمت هذا اللقب للدلالة على نبالة و أصالة العائلة، حيث تبنوا اللقب پهلوي)، مثل الشاه رضا پهلوي و إبنه الشاه محمد رضا پهلوي.)
في القرن العاشر الميلادي، أثناء فترة الحكم الإسلامي، تمت الإشارة الى (پهله - پهلو) لأول مرة من قبل ابن فقيه الهمداني الذي حدّد جغرافية منطقة (پهله) بالرقعة التي كانت تضم مدن همدان و ماسبذان (إيلام) و سمرة (دره شهر) و ماه البصرة (نهاوند) و ماه الكوفة (دينور) و كرمنشاهان. يضيف أيضاً بأن مدناً أخرى مثل الري و إصفهان و كومش كانت تُعتبر جزء من منطقة (پهلە). الشاعر الإيراني ، الفردوسي، الذي عاش خلال القرن العاشر الميلادي، يُميّز في شاهنامته، بين قوم ال(پهلە أو پهلي) و الأعراق الأخرى التي كانت تعيش في إيران القديمة كالفرس و البلوش. كلمة(پهلە - پهلو) تعني تأريخياً (الجبل أو الإقليم الجبلي)، حيث أن الفردوسي يستخدم هذه الكلمة في شاهنامته بمعنى (الجبل) لأكثر من مرة.
نتيجة إشتهار السكان القاطنين في المناطق الجبلية بالشجاعة و الإقدام، مع مرور الزمن، أصبحت كلمة (پهلە) تعني (الشجاع). يبدو أن كلمة (پهلوان) التي تعني (البطل) في اللغات الكوردية و الفارسية و الأوردية، مأخوذة من كلمة (پهلە). بسسب إفتقار اللغة العربية الى حرف(پ)، فأن كلمة (پهلە - پهلوي) تحولت الى فهلة - فهلوي. إبن النديم، الذي عاش في القرن العاشر الميلادي، يذكر بأن (فهلة) هي المنطقة التي تضم مدن همدان و ماه نهاوند و إصفهان و الري و أذربيجان. الطبري الذي عاش أيضاً في القرن العاشر الميلادي، يقول بأن الفهلو - هم أهل كورة الجبال. الجغرافي (إبن حوقل) يُحدّد إقليم الجبل بمدن شهرزور وشهرورد (سهرورد) و سيروان و همدان و ماهين (مادين - ماه) و مدينة لور و دينور و حلوان و نهاوند و مدينة كوردان و قرميسين (كرمنشاه). الغزاة السلاجقة قاموا بتقسيم بلاد الكورد في القرن الثاني عشر الى قسمين، أطلقوا على أحدهما إسم (كوردستان و على الآخر إسم (عراق العجم). يذكر مينورسكي بأن منطقة اللور الصغرى غالباً ما أخذت تُعرف بلورستان الفيلي إبتداءً من القرن الرابع عشر الميلادي. من هنا يمكن القول بأن كلمة (بيلي) السومرية تحولت الى (فيلي) التي تعني المقاتل و الشجاع والتي ترجع الى زمن الميديين (884 ق.م - 550 ق.م.)، حيث يذكر الدكتور محمد معين في معجمه الفارسي، بأن الشعب الميدي كان يُعرف تأريخياً ب(پهلة - پهلو) أيضاً، فكان يُطلق عليه (پهلوي ماد). بمرور الوقت، تحول (ماد) الى (ماه) ، كما في (ماهي دشت) أي السهل الميدي و (ماهي نهاوند) وهي إسم مدينة نهاوند الميدية و جبل (ماه نشست) أي موطن الماديين أو الميديين، ثم أصبح مصطلح پهله - پهلو يطلق حصراً على أرض الميديين.
إن كلمة فهلو - پهلو لا تزال تدخل في تركيب المواقع الموجودة في بلاد الكورد التأريخية مثل جبل (هفتاه پهلو) الذي يقع في جنوب مدينة (خرم آباد) و مدينة (فهلويان - فهليان) الغنية بالآثار الساسانية والتي تسكنها قبائل (مامسني) الكوردية و رافد (فهلويان - فهليان) الذي ،يُكوّن مع رافدي خير آباد و شولتان نهر (تاب) الذي يصب في الخليج. هكذا نرى أن كلمة (فيلي) منحدرة من الكلمتين (فهلي - فهلوي).
الفيليون هم السكان الأصليون لبلاد ميسوبوتاميا
نستنتج بأن الفيليين هم السكان الأصليون لبلاد الرافدين (ميسوبوتاميا) و أن السكان الحاليين في جنوب و وسط العراق هم أحفاد الفيليين و لا ينتمون الى العرب بأية صلة تُذكر. لو نتفحص الأسماء الشخصية للمواطنين الشيعة في وسط و جنوب العراق، لَنكتشف أن أسماء الكثير من أجدادهم و جداتهم هي أسماء كوردية خالصة، ربما قد تمت عليها بعض التحويرات البسيطة التي حدثت خلال الحقب التأريخية المتعاقبة التي مرت بها المنطقة. على سبيل المثال، لا الحصر، الأسماء الشيعية (سباهي) متحورة من الكلمة الكوردية (سپاه) التي تعني (جيش) و (إبريسم) المأخوذة من الكلمة الكوردية (هوريشم) التي تعني (الحرير) و (چلاب) الآتية من الكلمة الكوردية (گول آب أو آو) التي تعني (ماء الورد) و الإسم الشيعي (خنياب) المأخوذة من الكلمة الكوردية (خوين آب أو آو) والتي تعني (ماء الدم أو ماء الحياة). كلمة (شروگي) التي تُطلق بالعامية العراقية على الشيعة والتي تعني (شرقي)، هي للإستدلال على أن منبع الشيعة هو الشرق أي شرق دجلة و كوردستان. بلا شك، نحتاج الى الكثير من التنقيبات الأثرية و البحوث و الدراسات للتعمق في تأريخ المنطقة و الإهتداء الى الحقائق المتعلقة بتأريخ الأقوام القاطنة في منطقة الشرق الأوسط و كشف الحلقات التأريخية المفقودة و إلقاء الضوء على الجوانب المبهمة من تأريخ المنطقة. إن التقدم البشري الحالي و ثورة المعلومات و الإنترنيت و الكومبيوتر و سقوط النظام البعثي الفاشي في العراق، كلها يمنح فرصة ممتازة لعلماء الآثار للتنقيب و البحث عن الآثار القديمة، خاصة في كوردستان و وسط و جنوب العراق. الظروف الجديدة توفّر أيضاً مجالاً واسعاً للباحثين في مجال التأريخ القديم، للبحث في ثنايا الوثائق و المستندات و الرسائل و الكتب القديمة للكشف عن المزيد من المعلومات التأريخية عن الكورد و الشيعة و الأقوام الأخرى القاطنة في منطقة الشرق الأوسط. إن القيام بمثل هذه التنقيبات ضرورية جداً، حيث أن تأريخ المنطقة تم تزويره و تشويهه من قبل الحكام و المؤرخين العنصريين. إن تصحيح و تنقيح المعلومات التأريخية و تقديمها بشكل موضوعي و شفاف، بات مُلحّاً و ضرورياً لتبيان الحقائق التأريخية و الأدوار التي قامت بها الأقوام و الشعوب و الأمم في المنطقة و الأحداث و النشاطات و الفعاليات التي وقعت في هذه المنطقة، لإنصاف هذه المجاميع البشرية و معرفة دور كل منها في كتابة و تسجيل التأريخ الإنساني القديم و مدى مساهمتها في بناء الحضارة الإنسانية.
بناء مدينة الحلة
في العصر العباسي، كانت السكان الأصليون الذين يعيشون في منطقة الحلة، تتألف من قبائل كوردية و عربية و نبطية. أما العربُ فكان أكثرهم من بني أَسَد، و كانت تعيش فيها أيضاً طوائف من عرب خفاجة و عبادة وعقيل وغيرهم من عرب العراق. في عام 479 للهجرة، تولى إمارة بني مَزيد، الأمير سيف الدولة صَدَقة، الذي كان من أمراء بني أسد القادمين إليها من واسط، ثم من النيل. سيف الدولة كان أول من سكن في الحلة وإتخذها عاصمةً له في شهر مُحرَّم عام 495 للهجرة. أما الكورد فكانوا من قبيلة جاوان (جاوان تعني باللغة الكوردية ”شاب أو جميل“) و شاذان (ربما هذ االإسم متحور من كلمة ” شادان“ الكوردية التي تعني ”سعداء“). كان من رجالات قبيلة جاوان الفقيه محمد بن علي جاواني المولود في سنة 468 هجرية. الجاوانيون، قبل نزوحهم إلى الحلة، كانوا يسكنون الجانب الشرقي لنهر دجلة. يأتي المسعودي على ذكر ”أكراد واسط“ في أحداث عام 329 الهجري في مؤلفه الشهير ”مروج الذهب و معادن الجوهر“ (كانت ، حتى عهد غير بعيد، أكثرية غالبة من الكرد الشيعة تقطن في ضواحي ونواحي وبعض أقضية محافظة ميسان والكوت منتشرين شمالاً حتى خانقين وبعض مناطق محافظة ديالى، فمن تلك المناطق جاء كُرد الحلة مع بني مَزيد). قبيلة جاوان تحالفت مع بني مَزيد الأَسَديين، حيث كان إتصالهم بالمزيديين يمتدُّ من عهد الأمير علي بن مَزيد حينما كان في ميسان. كانت قبيلةُ جاوان شافعيةَ المذهب والمزيديون شيعةً إثني عَشَرية ولكن على مر الأيام إندمجوا ببني أَسَد فصاروا شيعةً إثني عَشَرية، كما إستعربوا ولا تزال هناك في مدينة الحلة محلة قائمة بذاتها تُسمّى محلة الكراد و قبور الأمراء الكورد، مثل (ورام جاواني)، ماثلة للعيان في هذه المدينة. في عهد أميرهم، وَرام الثاني إبن أبي فِراس، إنتقل الجاوانيون إلى أرض الجامعين ليؤسسوا الحلة مع أمير بني أَسَد، صَدَقة، وكانت القبيلة الجاوانية تتألف من مجموعتين هما البِشرية و نَرْجِس. من الأسر التي كانت تنتمي الى الجاوانيين، كانت الأسرة الورامية، نسبة الى وَرام بن محمد الجاواني الذي كان عائشاً في النصف الثاني من القرن الرابع الهجري و الذي كان قد تحالف مع الأمير أبي الحسن علي بن مَزيد الأسَدي. ومما زاد في قوّة التحالف بين المزيديين و الجاوانيين هو حصول المصاهرة بينهم، فقد كانت أم الأمير صَدَقة من الوراميين، حيث كان وَرام بن أبي فراس خال الأمير صَدَقة.
يتبين لنا أنّ قسماً من الفيليين الحاليين هم أحفاد قبيلة جاوان الكوردية التي بنت مدينة الحلة الحالية، بالمشاركة مع قبيلة بني أسد العربية، و أسست الإمارة الورامية الكوردية الى جانب الإمارة المزيدية العربية. كما يظهر لنا أنّ لا علاقة لتشيّع قسم من الفيليين بإيران، فهم إعتنقوا المذهب الشيعي قبل تأسيس الدولة الصفوية، وأصبحوا شيعة منذ زمن البويهيين، تشيّعوا بالتحالف والمصاهرة مع رؤساء قبيلة بني أسد الشيعية منذ منتصف القرن الرابع الهجري وإستعرب قسم منهم. القسم الآخر من الفيليين إعتنقوا المذهب الشيعي الإثني عشري أثناء فترة الحكم الصفوي (1721-1507 م) .
أبو الطيب المتنبي يكتب الشعر للفيليين
القائد العسكري الفيلي دلّير بن لَشكَروز الذي أتى الكوفةَ مأموراً من قبل مركز الخلافة في بغداد وأكرم وجهاء المدينة الذين تصدوا للفتنة التي حدثت عام 353 للهجرة ووضعوا حدّاً لما وقع فيها من أعمال التخريب وأنقذوها من السلب والنهب والقتل، كتب المتنبي قصيدة شعرية لدلّيْر يمتدحه فيها. إستهل المتبي قصيدته بالبيتين التاليين:
كدعواكِ كلٌّ يدّعي صِحةَ العقلِ ومن ذا الذي يدري بما فيهِ من جهلِ
تُريدين لُقيانَ المعالي رخيصةً ولا بُدَّ دون الشهدِ من إبَرِ النحلِ
” زرياب“ الموسيقار الفيلي العبقري
نشأ الموسيقار و المغني الكوردي (الفيلي) الشهير زرياب في بغداد و توفي في الأندلس في سنة 845 م. عاصر زرياب خلافة هارون الرشيد و كان تلميذاً للموسيقار الكوردي إسحق الموصلي. أضاف وتراً خامسا ً لآلة العود الموسيقية، حيث كانت لهذه الآلة أربع أوتار قبل ذلك و إستعمل الأمعاء كأوتار للعود. كما أن زرياب كان السبب في إختراع الموشح، بتعميمه طريقة الغناء على أصول النوبة، بالإضافة الى إدخاله مقامات كثيرة لم تكن معروفة من قبله و جعل مضراب العود من قوادم النسر بدلاً من الخشب. زرياب كان أول من أدخل نظام إفتتاح الغناء بالنشيد قبل البدء بالنقر كما أنه هو أول من وضع قواعد تعليم الغناء للمبتدئين. أصلح زرياب الدفوف والمزامير وأحكم صنعها وابتكر الفرق الموسيقية التي تجمع بين العازفين والمنشدين. وهو أول من أنشأ ما يسمى بالمسرح الصغير الذي تجلس عليه الفرقة الموسيقية. هاجر زرياب إلى بلاد المغرب ثم الأندلس، وفي الأندلس لم يقتصر تأثير زرياب على مجال الموسيقى والغناء بل علّم الأندلسيين كيفية ارتداء الملابس التي تتناسب فصول السنة، و عدّل من هيئات الثياب فقصّرها وضيّق الأكمام وأعطاها هيئة جميلة كانت موضة العصر. كان زرياب أيضاً عنوان الأناقة في عصره، وهو الذي علّم الأندلسيين فنون الإتيكيت وعلمهم كيف يقصون شعورهم ويقومون بتقصيره عند الجانبين وابتكر للنساء تصفيفات جديدة عُرفت باسمه. كما تفنن زرياب في تحضير أرقى أنواع العطور من الزهور مباشرة مبتعداً عن الدهانات وعطورها. كذلك أدخل زرياب تقاليد الشرق في الطعام ، حيث عمل على تحسين إعداد أطباق وأصناف جديدة عُرفت بإسمه و أدخل صناعة الحلويات، كما علمهم فرش المناضد واستخدامها في إثناء الطعام بالإضافة إلى استخدام الملاعق والشوك والسكاكين بدلاً من الأصابع. إلى جانب هذا كله، كان له أسلوبه الخاص في كيفية تقديم الطعام في الحفلات الذي قلّده فيه الأندلسيون حتى غدت أساليب زرياب نموذجاً يتبعه كبار القوم. كان زرياب أيضاً عالماً بالنجوم وقسمة الأقاليم السبعة واختلاف طبائعها وتشعب بحارها وتصنيف بلادها وسكانها.
مَن هُم الشيعة العرب؟
خلال التمعن في تأريخ الشيعة العرب في العراق، يتوصل المرء الى أنهم من أحفاد السومريين و الذي يعني أنهم ينحدرون من الأقوام الآرية. يذكر كل من هنري فيلد و عالم الآثار سيتن لويد بأن سكان الأهوار في جنوب العراق هم أحفاد السومريين. يقول هنري فرانكفورت بأن منطقة الأهوار في جنوب العراق كانت مأهولة منذ الألف الخامس أو الرابع قبل الميلاد و أن سكانها قد قدموا من الهضبة الإيرانية الواقعة في كوردستان. هذا يؤكد بأن سكان الجنوب العراقي هم من أصول كوردية. من هنا يتبين لنا بأن الشيعة العرب في العراق يتألفون من أصول كوردية (فيلية)، الذين كانوا يعيشون على الضفة الشرقية لنهر دجلة في محافظات واسط و ميسان و بغداد و ديالى الحالية ، حيث كان الكورد يُشكّلون أغلبية سكان الوسط و الجنوب العراقي آنذاك. نسبة قليلة منهم تنحدر من النبطيين و الآشوريين الذين كانوا يعيشون في جنوب و وسط العراق. نسبة قليلة من الشيعة العرب العراقيين تتألف أيضاً من بقايا الساسانيين و الصفويين الذين حكموا بلاد ما بين النهرين. بعد الإحتلال العربي الإسلامي للعراق الحالي، تم تعريب هذه الأقوام الإثنية المكونة للشيعة العرب بمرور الزمن. من هنا يمكن الإستنتاج بأن الشيعة العرب هم طائفة مستعربة و أن الكورد (الفيليين) يشكلون الأكثرية الشيعية المستعربة، حيث أن الكورد كانوا السكان االأصليين الذين عاشوا في بلاد الميسوبوتاميا (بلاد ما بين النهرين). على ضوء ااتنقيبات الأثرية الحديثة التي جرت في وسط و جنوب العراق، يتوصل المرء الى أن الكورد و الشيعة، لا يشتركون فقط في الظلم التأريخي الذي تعرضوا له عبر تأريخهم الطويل و كونهم ضحايا المقابر الجماعية و الأسلحة الكيمياوية و الإعدامات و الإبادة الجماعية، و إنما ينحدرون أيضاً من السومريين، وهم أحفاد السومريين الذين بنوا أول حضارة إنسانية متمدنة على أرض الرافدين في العالم. نستنتج أيضاً بأن أكثرية الشيعة العرب تجري في عروقهم دماء كوردية، حيث كان وسط و جنوب العراق موطناً للفيليين الذين إستعربوا مع مرور الوقت بعد إحتلال المنطقة من قبل العرب. من جهة أخرى، نرى أن قسم من السكان العرب السُنّة الذين يعيشون في غرب العراق، ينحدرون من الأقوام العربية الذين نزحوا الى المنطقة من الجزيرة العربية في القرن الرابع الميلادي أثناء حكم الساسانيين لبلاد ما بين النهرين و حكم البيزنطينيين لسوريا و من ثم بدأت الهجرات العربية الى المنطقة مع بدأ الغزو الإسلامي العربي للعراق في عهد الخليفة عمر بن الخطاب في عام 635 م. القيادات الشيعية باتوا يدركون هذه الحقيقة التأريخية، حيث أن السيد عمار الحكيم، الأمين العام لمؤسسة شهيد المحراب للتبليغ الإسلامي، في حديث له في مدينة الناصرية، صرّح بأن ( حضارة العراقيين تمتد الى أكثر من 3000 سنة قبل الميلاد و أن الطائفيين، الذين تعاقبوا على حكم العراق، علّمونا الوطنية، إلا أنهم أخذوا الوطن من عندنا).
قد يتساءل المرء لماذا تم إستعراب سكان وسط و جنوب العراق بعد إحتلال المنطقة من قبل العرب خلال العهد الإسلامي، بينما كان من المفروض عملياً أن تصبح الأقوام الغازية، التي تشكل الأقلية بين سكان المنطقة المحتلة، جزء من السكان الأصليين و تذوب فيهم! أعتقد أن هذه الحالة العكسية حصلت نتيجة أربع أسباب رئيسة. العقيدة الإسلامية و كتابة القرآن باللغة العربية ساهمت بشكل كبير على هيمنة اللغة العربية و الثقافة العربية على لغة و ثقافة السكان الأصليين في وسط و جنوب العراق. العرب المحتلون كانوا أكثر قوة من السكان الأصليين، بدليل تمكنهم من إحتلال بلاد الرافدين، و شدة بطش و عنف المحتلين العرب، كانت عاملاً آخراً في تعريب شيعة العراق. منطقة وسط و جنوب العراق هي محاذية و قريبة للجزيرة العربية، التي منها إنطلق العرب المسلمون للإستيلاء على المنطقة، سهلت من عملية إستعراب الشيعة، حيث نظراً لجوار المنطقة و قربها من موطن المحتلين، ساهمت في إحكام قبضة المحتلين للسيطرة على المنطقة و التحكم بحياة السكان الأصليين و إرسال قوات كبيرة الى الوسط و الجنوب العراقي لتعزيز حكمهم و سيطرتهم على المنطقة و التي أدت الى زيادة هيمنتهم و نفوذهم فيها. كون جنوب و وسط العراق منطقة سهلية مبسوطة و مفتوحة، تفتقد الى تضاريس أرضية دفاعية، ساهم في تسهيل عملية تعريب الشيعة لسببين: الأول أن تضاريس المنطقة أجبرت سكان المنطقة على الخضوع للمحتلين بسبب عدم قدرتهم على المقاومة، و السبب الثاني هو أن الطبيعة السهلية للمنطقة ساعدت على سهولة إختلاط و إحتكاك السكان الأصليين مع المحتلين العرب و التي ساعدت في سيادة اللغة العربية و الثقافة العربية في المنطقة و تعريب سكانها. لولا الطبيعة الجبلية المحصنة لكوردستان و ُبعد القسم الجبلي من كوردسان نسبياً من الجزيرة العربية، ربما كان الكورد الجبليون يواجهون نفس المصير الذي واجهه إخوانهم الكورد في وسط و جنوب العراق و كانوا يستعربون مثلهم، و هكذا بالنسبة للفرس و الباكستانيين و الأفغان و غيرهم من الشعوب التي أُجبرت على إعتناق الدين الإسلامي، بعد إحتلال بلدانهم من قبل العرب المسلمين، لولا بُعد بلدانهم عن الجزيرة العربية و الطبيعة الجبلية لبلدانهم، لَكانوا قد إستعربوا، كما حصل لسكان الوسط و الجنوب العراقي الشيعي.
عُمق العلاقات التأريخية بين الشيعة و الكورد
الشعبان الشيعي و الكوردي ينحدران كليهما من السومريين الذين أسسوا أول حضارة مدنية متقدمة في العالم. الشيعة، كإخوانهم الكورد و الفرس و البلوش و الأفغان و غيرهم في المنطقة، ينتمون الى الأقوام الآرية و ليست لهم أية صلة بالساميين. كانت بلاد السومريين تمتد من المدائن الى القفقاس و كان الفيليون آنذاك يُشكّلون أكثرية سكان بلاد ما بين النهرين. هذا يعني أن الشيعة الذين نراهم اليوم بعربهم و كوردهم هم فيليون. بعد الإحتلال العربي الإسلامي لبلاد الرافدين، تم تعريب قسم من الفيليين القاطنين في وسط و جنوب العراق، للأسباب التي مرّ ذكرها، و الذين يُشكللّون الشيعة العرب (المستعربين) العراقيين، بينما إستطاع القسم الآخر من الفيليين الإحتفاظ بقوميتهم و لغتهم الكوردية و هؤلاء هم الفيليون الكورد الذين نراهم اليوم. من هنا نرى أن الشيعة و الكورد إثنيا، ينتمون الى شعب واحد و يرتبطون برابطة الدم و القرابة، بالإضافة الى العلاقات التأريخية و رابطة الجيرة و المصالح التي تربط بين الشعبين منذ فجر التأريخ. بعد الحكم الطائفي في بلاد الرافدين الذي بدأ في أواخر عهد الخلفاء الراشدين، تحمل الشيعة و الكورد معاً الإضطهاد و القتل و الإلغاء و الفقر الذي فرضها عليهم الطائفيون الغرباء البدائيون، الى أن تكللت جهودهم و نضالهم المرير و الشاق، التي إستمرت لقرون طويلة، بالنجاح، حيث إستطاعوا إزاحة الحكم الطائفي الهمجي في العراق في سنة 2003 ليصبحوا أحراراً في بلدهم لأول مرة في تأريخهم الحديث. إذن العلاقة بين الكورد و الشيعة هي ليست وليدة اليوم، و إنما تمتد جذورها في عمق التأريخ. إنها علاقات صميمية شامخة، متأتية من تراكمات وشائجية هائلة عبر التأريخ ، و لذلك لا تستطيع أية قوة أو جهة مهما كانت من إضعاف العلاقات الشيعية-الكوردية أو الإضرار بها. للإستدلال على عمق و أصالة العلاقات التأريخية بين الشعب الشيعي و الكوردي، أسرد هنا حادثتين إثنتين. الرجل الكوردي التقي عمرو بن لهب الملقب ب(بهلول) المولود في مدينة الكوفة خلال القرن الثاني الهجري و المتوفي في سنة 219 هجرية، كان يعتنق الديانة الكاكائية و من تلامذة الإمام جعفر الصادق (ع) (119-185 هجرية). عندما تعرضت حياة الإمام علي موسى الرضا (ع) (148-203 هجرية) للخطر، حيث حاول الخليفة العباسي هارون الرشيد (-170 193هجرية) قتله، أنقذ بهلول الإمام الرضا، حيث هرّبه من بغداد الى خراسان. الإمام الرضا لم يستطع الإفلات من شرور العباسيين، حيث إستُشهد فيما بعد بدس السم له من قبل الخليفة العباسي المأمون بن هارون الرشيد. الحادثة الثانية هي الفتوى التأريخية التي أفتى بها سماحة آية الله العظمى محسن الحكيم، حرّم بها قتال الكورد و قتلهم، عندما أعلن الشوفينيون حرباً على الشعب الكوردي في الستينيات من القرن الماضي.
سايكولوجية المحتل
المحتل يفتقد الى جذور تربطه بالأرض التي يحتلها و يشعر بالغربة في البلاد التي يحتلها، لذلك لا يثق بالسكان الأصليين و لا يطمئن إليهم و يعيش بشكل دائم في هاجس من القلق و الخوف من أن يتم إرغامه على الرحيل من ذلك البلد. هذا القلق و الخوف يجعلانه أن يكون عدوانيا، يحاول إبادة السكان الأصليين و تهجيرهم للتخلص منهم و تثبيت إحتلاله و التخلص من هذا الهاجس الذي يُقلقه و يؤرقه. لو تتبعنا العرب المحتلين لأرض الرافدين و القادمين من الجزيرة العربية بعد ظهور الإسلام، لَنرى أنهم لهذا السبب، مارسوا إبادة السكان الأصليين من شيعة و كورد و آخرين و حكموهم بالنار و الحديد و إنفردوا بالحكم طيلة هذه المدة، إبتداءً من عهد الخلفاء الراشدين و مروراً بالأمويين و العباسيين و العثمانيين و الحكم الملكي الهاشمي و العهود الجمهورية و إنتهاءً بحكم البعث الهمجي، حيث تعرض الأئمة الأطهار للقتل و التشريد و عانى الشعبان الشيعي و الكوردي الأمّرين من حكم الغرباء المتخلفين و المتعطشين للدماء.
الآن آن الأوان لهذين الشعبين العريقين لكسر قيود الذل و العبودية و تحرير أنفسهم و بلدَيهم من الطغمة الدموية البدائية و يعيشوا أحراراً في بلدَيهما و يصبحا جزء من العالم المتمدن.
على الفيليين الإفتخار بتأريخهم المجيد و التواصل معه
هكذا نكتشف التأريخ العريق للفيليين، أحفاد بهلول و الحلاج وبابا طاهر الهمداني و قدم خير و حسين قُلي خان و الموسيقار زرياب و القائد دلّير لَشكَروز و غيرهم من العظماء الفيليين الذين سجلوا صفحات مضيئة في التأريخ الإنساني. كما يجب على هذه الشريحة الكوردية المناضلة أن تدرك أنها السكان الأصليون لبلاد الرافدين و أنهم شريحة كوردية أصيلة و عريقة و أن الظلم و البطش اللذين تعرضت لهما من قبل العُربان الغرباء على أرض الرافدين، هي نتيجة شعور هؤلاء البدو المحتلين بالغربة و الإنحطاط على أرض الرافدين و الحقد الأسود الذي يملأ قلوبهم و التفاهة التي يجدون أنفسهم فيها و الحسد التي تلتهب أرواحهم أمام أصالة الفيليين و عراقتهم، حيث يجدون هؤلاء أنفسهم أقزاماً بجانب السكان الأُصلاء، لذلك وجّه هؤلاء المتوحشون سهام حقدهم و شعورهم بالنقص و الإفصاح عن ثقافتهم البدوية البدائية، بالعمل على إضطهاد الفيليين و قتلهم و تهجيرهم و نهب أموالهم و الإستيلاء على ممتلكاتهم. على الفيليين الإفتخار و الإعتزاز بقوميتهم و بتأريخهم المجيد و بعراقتهم و حضارتهم العظيمة و التعرف على ماضيهم التليد المشرق و ربط أمجادهم بالحاضر و المستقبل، و ذلك بالتلاحم مع بقية الشرائح الكوردية للنهوض بالأمة الكوردية و الإرتقاء بها الى مستوى الأمم و الشعوب المتحضرة و المتقدمة.
المصادر
المسعودي (1981) . مروج الذهب ومعادن الجوهر. الجزء الرابع، الطبعة الرابعة، دار الأندلس / بيروت، الصفحة 260 .
الظاهر، عدنان (2006). المتنبي و أكراد الحلة. صحيفة الهدف الثقافي الإلكترونية، الاربعاء 17.5.2006
باجلان، إبراهيم (2002). حول العلاقة بين السومريين و الكرد الفيليين و الحقائق. جريدة الإتحاد، العدد (455) و الصادر في 11.1.2002
جواد، مصطفى (1973). جاوان القبيلة الكردية المنسية. بغداد
زاده، صديق صفي (بوركەئي) (1361 ش). بزرگان يارسان. سازمان چاپ خوشە، چاپ اول، تهران، ايران. (باللغة الفارسية).
ليرخ، ب. (ترجمة الدكتور عبدي حاجي) (1992). دراسات حول الأكراد. دمشق، الطبعة الأولى.
مزوري، عبدالرحمن (2001). مساهمة في أصل لفظة (فيلي). جريدة الإتحاد، العدد (442) و الصادر في 12.10.2001
معين، محمد (1371 ش). المعجم الفارسي، الجزء الأول، طهران. (باللغة الفارسية).
كركوش، يوسف (1965). تأريخ الحلة / القسم الأول : في الحياة السياسية. المطبعة الحيدرية، النجف الأشرف.[1]