كوردستان دولة الثقافات
شفان ابراهيم
Shivan46@gmail.com
كوردستان؛ اسم حمل بين طياته مآسً وقصص سوداوية, وأعوام من الكبت والحرمان والقهر, وتهميش وتغييب لكل صوت منادً بالحرية والمساواة والتآخي والتعددية, هكذا كانت كوردستان في عهد حكم البعث, وقبلهم, وهكذا خُطط لها أن تكون, وعلى العكس من كل ذلك أضحت كوردستان, كحوردستان دولة المؤسسات والتعددية والتنوع العرقي والسياسي والثقافي.
كوردستان مصدر التنوع الثقافي والقومي.
إن استمرار أي ثقافة أو قومية خاصة متمسكة بخصوصيتها وتحاول جاهدة الخروج من مأزق الصراعات محافظة على نفسها وخصوصيتها لدى غيرها من الجماعات المختلفة بغض النظر عن إذ ما كانت هذه الخصوصيات لغوية أو ثقافية أو قومية فهي تشكل بذلك القانون الأول في أي اجتماع ثقافي قومي وتحظى باحترام وقبول الجميع.
القانون الثاني هو الإقرار باستحالة وجود ثقاة مستقلة كلياً عن الثقافات الأخرى بكون أن جميع هذه الثقافات توجد متفاعلة مع بعضها البعض, تؤلف مجتمع تماسكي تشاركي متنوع, قوامه العدل والأنصاف وزرع ثقافة التآخي وتقبل الأخر المغاير والمختلف واللامتشابه.
القانون الثالث: توصل القائمين على الحقل الثقافي الكوردستاني إلى نتيجة مهمة تتعلق بعالم الثقافات والقوميات المختلفة والمتفاوتة تتمثل في الفكرة السائدة: أن موضوع الثقافة أو القومية المسيطرة على باقي الثقافات والقوميات, فإنها لا تأتي من خلال تفوقها الثقافي أو الأخلاقي أو العلمي بل بكون ثقافة الدولة الاستبدادية المهيمنة على جميع مقادير الحياة بشكل متفرد وملغي للأخر, وهي بذلك تكون نتيجة للسيطرة المادية الفعالة على كافة المستويات, لذا فإن هذه الهيمنة الثقافية على كافة الثقافات وإلغائها لا تحمل أي معنى أنطولوجي أو أخلاقي خاص وفريد, وهذه السلطة تضمن لثقافتها التسلطية والاستعلائية البقاء والديمومة, لأنها تحظى بموارد بشرية واستثمارية ومادية متنوعة, وفي نفس اللحظات فإنها تمنع أي لحظات حضارية وتطورية وإنمائية وإزدهارية عن سواها من الثقافات وستكون بالمرصاد لأي نخب ثقافية فكرية تنويرية, وتحاربها لإضعافها قدر الإمكان وإزالتها من الخارطة الثقافية للدولة, وهذا ما كان حاصل للثقافة والقومية الكوردية في ظل النظم الحاكمة للأجزاء الاربعة, وأنطلاقاً من ضرورة بناء صرح ثقافي متنوع وكبير, فإن التعددية الثقافية والفكرية والاعلامية والحزبية, المتواجدة في الاقليم تضمن وبدرجة كبيرى جداً التنوع الثقافي والفكر. فللتركمان, كما للأشوريين, والسريان, وجميع المكونات, ما يميزهم عن غيرهم من وسائل أعلام متنوعة ومختلفة من مقروئة ومسموعة ومكتوبة, ولهم ما يمثلهم في المحفل النيابي الكوردستاني, كل ذالك يجعل من التعددية الثقافية واحة لاستقاطاب أنظمة بأكملها للتعلم من الواقع الكوردي
العدالة الاجتماعية أولاً.
لابد من شرط العدل في قيام أي سلطة؛ بكون أن العلاقة متبادلة ومتعدية بين الطرفين, وفي نفس السياق لابد من التفرقة بين السلطة والسيطرة بكون هذه الأخيرة تقوم على نفي الأخر وسحق حقوقه, لذا لابد من اشتراط العدل كرافعة وأساساً للسلطة وحينها فإن وجود السلطة سيكون ضروري لإشاعة العدل مع ضمان عدم تحول السلطة إلى إلغاء قيمة الأخر أو إخضاعه وأهماله إلى مرتبة التابع, والأخطر هو العمل على التصفية الجسدية أو المعنوية, فنكون أمام حالة تمرد السلطة ضد العدالة الاجتماعية وعنفها ضد القانون والإنسانية والوطن, وفي السعي نحو نسف هذه الجدلية المقيتة القائمة على التمييز لابد من التدليل على أن الأخر هو المساوي للأخر, هذا الأخر الذي هو رجل وامرأة-ذكر وأنثى- وهذا الآخر لابد أن يكون بنفس الدرجة من التساوي مع أي آخر بغض النظر عن الطائفة أو القومية أو اللغة أو الدين. وهي من الحالات الأكثر دفعاً ودعماً لكوردستان اليوم, لما تمتاز به من نشر مبادئ الديمقراطية وحقوق الأنسان, والمساواة, وحرية التعبير.
في الصور الوطنية للتاريخ الكوردستاني
إن الحالة الوطنية هي حالة التداخل والتشابك السريع المتسارع في العلاقات بين فئات الشعب والمؤسسات الوطنية المختلفة وعلى مختلف المستويات الوطنية, وهذا التداخل السريع والمتسارع يأخذ أبعاداً وأشكالا مختلفة, يبدأ من التشابك الثوري ضد آفة الاستعمار, وهذا ما كان قد حصل ضد الاحتلال الفرنسي, والانكليزي, والعثماني, وفي التشابك الثوري للخلاص الشعبي ضد النظم المختلفة التي دأبت على استغلال كوردستان وحكمها بالحديد والنار, إضافة إلى التفاعل الثقافي والتمازج الحاصل من جانب المثقف الكوردي ورغبته المستمرة في التواصل مع قرينه العربي, والتركماني, والاشوري, والسرياني, وغيرهم, في لوحة واقعية تعبر عن فسيفساء كوردستان, لرسم ثقافة متسارعة متمازجة جمعية, تحمل بكوردستان نحو الغد الذي يستحق تسمية كوردستان الحرية, لذا لا يمكن القول أبداً أن الحالة الوطنية للكورد هي حالة طارئة أو ذو منشأ حديث, وإن كانت ظاهرياً بدت ذلك, فمرد هذا إلى سياسات الأنظمة المتعاقبة ورسمه لثقافة الخوف من الكورد, والخوف المتبادل تجاه الشريك العربي في هذه البلاد, إلا أن الوطنية الكوردية ترجع بجذورها لتضرب موغلة في قدم التاريخ البشري, فهي ذو علاقة وثيقة بعصر الثورات الشعبية ضد الأنظمة العراقية والتركية والفارسية والسورية ضد جميع الطغم الفاسدة التي حكمت كوردستان, مروراً بوقوفها دوماً إلى جانب الشعوب ضد مآسيها المتكررة من ممارسات أنظمتها
ثورة الميديا والتجارب الديمقراطية.
إن قيام دولة كوردستان, دولة اللاتمايز العنصري والعرقي, سبقه قيام عادات وتقاليد وطنية متنوعة, بحيث لم يعد حرمان أي مكون في أي منقطة أو بقعة من كوردستان, من حقوقه أو من حرياته الديمقراطية, لم يعد يعني حرمانه من أمر مجرد ومبهم لم يجربه ولم يتعرف عليه بعد, إنما يعني انتهاكا لتقاليد وقوة كوردستان, وحين إذ فإن أي انتهاك ضد أي مكون كوردستاني, أصبح شأناً كوردستانياً وطنياً, حتى الخطاب الإنساني السياسي التداولي والتعددي, لم يعد يتوقف بإذلال أمام الحدود الوهمية المصطنعة المرسومة لها, كما لم يعد بالإمكان مصادرته أو منعه من الدخول إلى أي منزل أو قناعات شخصية أو اطلاع ثقافي على تجارب الدول الفتية والمتحضرة, فثورة المحمول وصفحة الإنترنيت ومواقع التواصل الاجتماعي, والتكنولوجيا الإعلامية ألغت الأزمنة والمسافات.[1]