عادل حبه
شذرات من التجربة القومية الكردية في العراق
بالطبع لا يهدف هذا المقال إلى تسليط الضوء على الجوانب الإيجابية للقضية القومية الكردية في العراق وتأثيرها على التطورات السياسية والوعي السياسي فيه. فقد جرى تناولها بشكل واسع في العديد من الدراسات والمقالات. كما إننا لسنا بصدد تقديم دراسة عن تطور النضال القومي للأكراد في العراق، بقدر ما نهدف قدر المستطاع إلى تسليط الضوء بشكل موضوعي على الإخفاقات والأخطاء التي أرتكبت، والتي عادت بأفدح الأضرار على مصير العراق ومصير الديمقراطية فيه، وعلى مصير القضية القومية الكردية نفسها. فالمقال يهدف، ومن منطلق الحرص وليس المشاكسة والوقوع في هوس التجاذب القومي والعداء للقضية القومية الكردية، إلى أخذ العبر والدروس من التجربة كي تجري قراءة متأنية وحكيمة للواقع الراهن الذي تبلور بعد انهيار الطغيان في09-04- 2003.
إننا من النادر أن نجد دراسة موضوعية تلقي الضوء وبشكل أكاديمي وبعيد عن الحماس والعواطف أو الإدانات والمضاربات السياسية وتجاهل أخطاء فادحة أرتكبت. ومن النادر أن يشار في هذه الدراسات إلى الموقف المتناقض والمتذبذب للقيادة القومية الكردية من سلطة 14 تموز. فعندما أعاد الزعيم عبد الكريم قاسم خريطة تحالفاته في منتصف عام 1959، وأبتعد عن نهج التحالف مع القوى الديمقراطية العراقية، سلكت القيادة القومية نهج الوقوف إلى جانب الموقف الخاطىء لعبد الكريم قاسم في خصومته مع القوى الديمقراطية العراقية، والحزب الشيوعي العراقي تحديداً، وهو الحزب الذي يكاد أن يكون الوحيد آنذاك من بين الأحزاب التي تبنت بوقت مبكر موقف التضامن مع القضية القومية الكردية ورفع شعار حق تقرير المصير منذ عقد الثلاثينيات. ويشير الرفيق جاسم حلوائي في كتابه محطات مهمة في تاريخ الحزب الشيوعي العراقي إلى ما يلي: وحين بدأ قاسم سياسته في التضييق على الحزب الشيوعي، وقفت بعض العناصر المتنفذة في (اﻠﭙﺍرتي) ذات الموقف الذي اتخذته بعض العناصر البرجوازية الديمقراطية العربية، لاسيما بعد أن نال (اﻠﭙﺍرتي) إجازته في العمل القانوني. فناصرت جريدتهم (خه بات) قاسم ضد الشيوعيين، ولم تنتبه إلى أن الديمقراطية لا يمكن أن تتجزأ، وأن القضية القومية الكردية هي جزء لا يتجزأ من النضال من أجل الديمقراطية في كل أنحاء العراق. وبعد أن فشل قاسم في تحويل (اﻠﭙﺍرتي) إلى مجرد أداة لمساندته، شرع قاسم في التضييق على الحركة القومية الكردية. فبدأت الحكومة في مضايقة جريدة (خه بات). وأحيل إبراهيم أحمد، رئيس تحرير الجريدة، وسكرتير الحزب، إلى المحاكمة مرتين .
كما أشار أكثر من قائد كردي، على سبيل المثال، إلى الموقف الخاطئ للقيادة القومية الكردية في إدارة ملف الخلافات مع سلطة ثورة تموز عام 1958، وفي مقدمتهم السيد مسعود البارزاني الرئيس الحالي لإقليم كردستان الذي ذكر في الفصل المكرس لثورة 14 -07- 1958 من كتاب البارزاني والحركة التحررية الكردية ما يلي: كان خطأً كبيراً السماح للسلبيات بالتغلب على الإيجابيات في العلاقة مع عبد الكريم قاسم، مما ساعد على تمرير مؤامرة حلف السنتو وعملائه في الداخل والشوفينيين وإحداث الفجوة الهائلة بين الحزب الديمقراطي الكردستاني وعبد الكريم قاسم. فمهما يقال عن هذا الرجل فإنه كان قائداً فذاً له فضل كبير يجب أن لا ننساه نحن الكرد أبداً... وكان التعامل معه ممكناً لو أحسن التقدير. وعلى العموم كان القرار باللجوء إلى السلاح من أسهل القرارات وأسرعها والتي أتخذتها القيادات القومية الكردية عند بروز الخلافات مع الحكومة المركزية، ولكنه كان الأخطر والأكثر تدميراَ على القضية القومية نفسها وعلى المواطن الكردي العادي وعلى عموم العراقيين، بل وعلى عموم الأوضاع السياسية في المنطقة. فلم يكن هناك مبرر جدي لرفع السلاح في عهد عبد الكريم قاسم. وتثار تساؤلات عديدة حول من ورّط القيادة القومية الكردية وفرض عليها رفع السلاح في أيلول 1961، ومن أجّج هذه المواجهة وعرقل الحل السلمي وما هو دور قوى معادية للحكم الوطني من أغوات أكراد وقوى قومية متطرفة عربية وبتأثير خارجي في تصعيد المواجهة المسلحة بين الحكومة المركزية والحركة القومية الكردية. وإلى ذلك يشير أيضاً الرفيق جاسم الحلوائي في كتابه (محطات من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي) حيث يورد ما يلي: في غمرة هذه الأوضاع المتشابكة اندلعت الاشتباكات المسلحة في كردستان. وكما يقول جرجيس فتح الله المحامي الكردي والكادر في (اﻠﭙﺍرتي)، كانت التجمعات الكردية المسلحة التي رفعت السلاح في وجه الحكومة، في الأصل، تجمعات عشائرية ساخطة يقودها مبدئياً زعماء رفعوا السلاح بوجه الحكومة لأسباب شتى لا تمت إلى أهداف قومية واضحة بصلة.
ويواصل الحلوائي قائلاً غير أن قاسم بادر إلى إرسال قواته إلى مناطق هذه التجمعات المسلحة، وأوعز إلى طيرانه بضربها في 11 -09- 1961، وشتتها بعد 7 أيام من الضرب المتواصل. وعلى أي حال، فإن كل من قاسم والملا مصطفى البارزاني، لم يكونا يريدان الحرب أو يعملان لها . ويروي (اوريل دان)، أن قوات كبيرة من عشيرة آكو، القوية، المتحالفة مع البارزانيين، اندفعت بقيادة رئيسها، عباس مامند أغا، للإيقاع بقافلة عسكرية متجهة من كركوك إلى السليمانية في كمين نصبته بالقرب من دربندي بازيان، وكبّدتها خسائر كبيرة. فردت الحكومة على ذلك بقصف عباس مامند أغا في 11 -09- 1961. ولم تكتف الحكومة بذلك، وإنما أغارت طائراتها على قرى بارزان، بعيداً عن مواقع الاصطدام في مضيق بازيان، وقصفتها. فاندفعت الأقلية التي كانت تنادي بالحرب في الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى العمل المسلح، وجرّت وراءها مجموع الحزب.
لقد كان على القيادة الكردية التأني والتدقيق في تحالفاتها وفي ملابسات المناوشات العسكرية والقصف الجوي لبعض مناطق كردستان ودوافعها والقوى الحقيقية التي كانت تقف وراء هذا القصف لمناطق بارزان التي تقع بعيداً عن موقع الهجوم الذي تعرضت له القافلة العسكرية العراقية على طريق كركوك- السليمانية. فالعناصر التي قصفت منطقة بارزان هي ذات القوى العسكرية التآمرية القومية العربية المتطرفة التي أعادها عبد الكريم قاسم إلى القوات المسلحة وأطلق سراحها والتي كانت تمهّد وتعمل للإطاحة بحكم عبد الكريم قاسم، و تسعى لدق إسفين وتعميق المواجهة بين القوى السياسية التي تجمعها الكثير من الأواصر المشتركة. بالطبع لسنا هنا بصدد إلقاء اللوم على القيادة القومية الكردية وحدها في هذه التطورات الخطيرة وتجاهل خطأ الزعيم عبد الكريم قاسم الفادح وانفراده في قرار إرجاع هذه العناصر المتآمرة إلى القوات المسلحة ثم اللجوء إلى التدابير العسكرية وليس السلمية في تسوية هذا النزاع وعدم اصغائه للمطالبات الشعبية بوقف الحرب والدعوة للسلام.
إن هذا التطور الخطير، أي المواجهة العسكرية آنذاك، قاد الحركة القومية إلى خيارين خطرين لا يؤديان إلى تحقيق الأماني القومية للأكراد ولا الديمقراطية للعراق. فعلى النطاق الإقليمي والخارجي، ومن أجل أن تستطيع الحركة القومية المسلحة الاستمرار في المواجهة المسلحة مع حكومة عبد الكريم قاسم، فلم يكن أمامها من سبيل سوى مد الجسور والتحالف مع أطراف خارجية لا تضمر للأكراد وحقوقهم أية نوايا حسنة ولا تريد لهم الخير، بل بالعكس لها أجنداتها المعادية لأمال شعوب المنطقة. وهكذا قامت علاقات غير متكافئة تثير الشكوك والريبة بين القيادة القومية الكردية وبين شاه إيران، وهما فريقان متعارضان في القيم ومتخاصمان لعهود مديدة، ولهما أهداف متباينة. فالقيادة الإيرانية وضمن منافعها الإقليمية والدولية وتحالفاتها مع القطب الغربي من أقطاب الحرب الباردة أرادت استخدام الورقة الكردية العراقية وسيلة في الحرب الباردة والثأر لما فقدوه في ثورة تموز 1958 وللضغط على الحكومة العراقية بزعامة عبد الكريم قاسم ضمن المساعي لاسقاطها. أما القيادة القومية الكردية فكان جل طموحها هو الضغط على الحكومة العراقية من أجل حملها على التراجع عن التدابير العسكرية والحصول على امتيازات وتنازلات لصالحها، دون أن ترفع في البداية حتى شعار محدد لمطاليبها. فقد تم رفع شعار الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكردستان بوقت متأخر وبعد أن صاغ هذا الشعار ورفعه الحزب الشيوعي العراقي في عام 1962 كي ينقذ البلاد من هذه الأزمة الخطيرة. وهكذا أقحمت القيادة الكردية قضيتها والعراق في هذا المواجهة المسلحة ومن دون القراءة المتأنية للصراع الدائر بين أقطاب الحرب الباردة المستعرة آنذاك. ومهّد ذلك لتدخل قوى إقليمية ودولية في الشأن العراقي لدوافع متضاربة مستغلة قضية داخلية كالقضية القومية الكردية التي كان يجب أن تحل في إطار عراقي، وكانت هناك إمكانية لحلها سلمياً.
وعلى النطاق الداخلي فإن كارثة المواجهة العسكرية بين الحكومة المركزية والحركة القومية الكردية المسلحة لم تقتصر على ذلك فحسب، بل أنها أحدثت خللاً جدياً داخلياً في التضامن المفترض بين الحركة القومية الكردية وبين القوى الديمقراطية وخاصة الحزب الشيوعي العراقي، والتي لها جميعاً مصلحة في تحقيق الديمقراطية في العراق. كما إن هذه المواجهة الخطيرة أدت بالنتيجة إلى اصطفاف هو الآخر مريب ومدمر داخلياً. فقد مدت الجسور بين التيار العروبي القومي الشوفيني المتطرف المعادي للديمقراطية وللحقوق القومية للأكراد، وبين الحركة القومية الكردية في شهر عسل يهدف إلى الإطاحة بحكومة 14 تموز، هذه الحكومة التي خطت خطوات نحو تأمين الحقوق القومية للأكراد. وكانت هذه الخطوات أحد دوافع الموقف العدائي للمتطرفين القوميين العروبيين والبعثيين ضد حكم عبد الكريم قاسم والقوى الديمقراطية العراقية. ويشير المؤرخ عقيل الناصري في كتابه خفايا انقلاب شباط: إلى ذلك بما يلي:كما شرع طلبة التيار القومي والمنضوين تحت خيمته وبمساندة اتحاد طلبة كردستان في اضرابهم وعرقلة الدراسة في المعاهد العليا... كما إنعكس هذا التناغم بين التيارين في الترحيب الذي أبدته القيادة القومية الكردية بانقلاب 8 شباط، ومد جسور الحوار معه في البداية، إلى أن كشّر الانقلابيون عن أنيابهم تجاه الحركة القومية الكردية وارتكبوا مجزرتهم المعروفة في السليمانية ثم تجديد العمليات العسكرية في كردستان العراق. وانهار الحلف الهش بين الطرفين، وإنهارت كل الآمال لتحقيق المشروع الديمقراطي الذي يحقق قدراً من الحقوق المشروعة للمكون القومي الكردي والتنمية لبلاد الرافدين بعد انقلاب 8 شباط المشؤوم.
إن فقدان القراءة الدقيقة لتناسب القوى والخريطة السياسية الداخلية والاقليمية عند القيادة القومية الكردية، وعدم التفريق بين الاصدقاء وبين الخصوم داخلياً وخارجياً، والبحث عن حلفاء لا يؤمنون بالحدود الدنيا من الحقوق القومية للأكراد، وضعها في النهاية في موقف خطير فقدت فيه القدرة على اتخاذ القرار السياسي العقلاني المستقل والمناورة المطلوبة في المتغيرات المهمة التي تخدم القضية القومية المشروعة. ولعل أبرز مثل على ذلك هو تلك العلاقة التي قامت وبشكل غير متكافيء بين القيادة القومية الكردية وحكم الشاه، ومن يقف ورائه من الادارة الأمريكية وحلفائها وبما فيها إسرائيل، منذ ستينيات القرن الماضي ولحين اتفاقية الجزائر بين الشاه وصدام حسين في عام 1975. فلقد اضطرت القيادة القومية الكردية ضمن هذا السياق إلى تنفيذ طلبات الشاه بتسليم الكثير من القيادات والكوادر القومية الكردية الإيرانية التي لجأت إلى العراق إلى حكومة الشاه، مما أدى إلى إعدام العديد منهم أو التعرض لأحكام ثقيلة في السجون الإيرانية. وهذا ما أفقد القيادة الكردية الظهير والتضامن القومي المفترض لها من قبل الحركة القومية الكردية في إيران، وعرّض ذلك البناء الفكري للتضامن القومي الذي استندت إليه الحركة القومية الكردية منذ عقود إلى الاهتزاز. وتحول ذلك البناء الفكري إلى المواجهة بدلاً من التضامن المفترض بين أبناء القومية الواحدة. هذا الارتهان الذي وقعت فيه القيادة القومية الكردية أدى إلى القبول بعلاقات براغماتية وقتية غير متكافئة مع الإدارات المتعاقبة في الولايات المتحدة وحلفائها عادت على الحركة القومية الكردية بأضرار سياسية، وسهلت على الحكومات المتطرفة في بغداد الامعان في اضطهاد أبناء القومية الكردية في العراق. وتبعاً لذلك وعندما تغيرت المصالح في المنطقة، تم التوقيع على اتفاقية الجزائر بين الشاه وصدام حسين وبمباركة من الولايات المتحدة، وحلت الكارثة على الحركة القومية الكردية وعلى العراق. وكانت هذه الاتفاقية أحد الاسباب التي مهدت لطغيان وتجبر واستبداد صدام حسين، وما جرّه على البلاد من مذابح وحروب واستخدام للأسلحة الكيمياوية ومقابر جماعية شهدها العراقيون وكان الخاسر الأول فيها المواطن الكردي، ولم تسعف الحركة القومية الكردية تلك العلاقات غير المجدية مع قوى خارجية ليس لها أي قبول بالحقوق القومية الكردية.
ويعترف العديد من القادة الأكراد بعدم التأني والقراءة الخاطئة للأحداث. ففي آذار عام 1979، وبعد انتصار الثورة الإيرانية، توجّه وفد من الحزب الشيوعي العراقي إلى العاصمة الإيرانية طهران يضم كل من كريم أحمد وعادل حبه. وكان من ضمن أهداف هذه الزيارة إعادة العلاقة مع قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني بعد قطيعة دامت بضع سنوات بسبب التعارض في الرؤى حول تطورات الأوضاع السياسية في فترة السبعينيات، وبعد أن انتقل الحزب الشيوعي العراقي إلى صف المعارضة لنظام البعث في العراق عام 1979. ومن أجل تحقيق هذه المهمة تم الاتصال بمقر الحزب الديمقراطي الكردستاني في مدينة كرج في ضواحي العاصمة الإيرانية، وتحديد موعد مع السيد مسعود البارزاني. وجرى تحديد مكان وموعد اللقاء في فندق متواضع في كوچه عربها أي زقاق العرب في ميدان طوبخانه(ميدان خميني) حالياً. واتسم اللقاء بالود والحرارة ولم يخلو من عواطف نبيلة طبيعية وانفعال مشروع لممثلي طرفين سياسيين عراقيين ربطتهما في سنوات عاصفة ومريرة رابطة الكفاح المشترك من أجل الديمقراطية في العراق والحكم الذاتي في كردستان العراق.
في أثناء الحديث عبّر السيد مسعود البارزاني عن سعادته بهذا اللقاء واعتبره من أسعد أيام حياته النضالية. فقد جرى اللقاء بعد أن توقفت مسيرة الكفاح المسلح للحركة القومية الكردية وبعد كارثة اتفاقية الجزائر. كما جرى اللقاء بعد رحيل زعيم الحركة القومية الكردية المرحوم الملا مصطفى البارزاني والخسارة التي لحقت بالحركة جراء ذلك. وفي أثناء الحديث أثارت انتباهنا مقولة كررها السيد مسعود البارزاني عدة مرات، حين أشار إلى أننا يجب أن نستخلص العبر من مسيرة حركتنا. فقد كانت الحركة القومية الكردية، حسب قوله، تحظى بدعم واسع من الحركة الديمقراطية والوطنية العراقية، إضافة إلى الدعم الواسع من قبل الحركة الديمقراطية والتقدمية في العالم، وحققت نجاحات كبيرة رغم أنها ما كانت تملك من السلاح والذخيرة والمعدات إلاّ كميات متواضعة وتتمتع بقدرات عسكرية بسيطة. وتغيرت الأحوال، والكلام للسيد مسعود البارزاني، وأصبحنا نملك اسلحة حديثة متطورة وبمقادير كبيرة، وأنهالت علينا المساعدات العسكرية وغير العسكرية من إيران ودول غربية، وخضنا معارك ضروس مع النظام، ولكننا في نفس الوقت خسرنا سياسياً حيث تراجع الدعم لنا ليس من جانب الرأي العام العراقي الديمقراطي فحسب، بل أيضاً من جانب أطراف في القوى القومية الكردية غير العراقية، ناهيك عن قوى ديمقراطية خارجية. وعلى الرغم من تنامي القدرات العسكرية لدى الحركة في ظل العلاقات التي كانت قائمة مع الشاه والغرب، إلاّ أن كل شىء قد انهار بجرة قلم عند توقيع شاه إيران اتفاقيته مع صدام حسين في الجزائر.
إن من يسمع هذا الحديث المهم للسيد مسعود البارزاني في تلك الأيام وبعد الكارثة التي حلت بالحركة القومية الكردية، لا يسعه إلاّ أن يتوصل إلى استنتاج بأن هذا الدرس الأبلغ في تاريخ الحركة لابد وأنه سيترك إثراً كبيراً على المسيرة اللاحقة للنخب السياسية الكردية وعلى خيارها السياسي وخاصة بالنسبة لقيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني، لتبتعد عن دائرة الرهان والارتهان للعامل الإقليمي والخارجي واللعب والتلويح بأوراقه. فهناك خيار أكثر سلامة، كما يبدو من جوهر الحديث، وهو خيار التمسك بشعار الديمقراطية باعتبار أن القضية القومية الكردية هي جزء من قضية الديمقراطية في العراق. وخيار البحث والحوار الجاد مع القوى العراقية السليمة المؤمنة بالديمقراطية حقاً وبحقوق المكونات القومية والدينية والطائفية للشعب العراق واللجوء إلى الشعب العراقي بكل ألوانه لإزالة المطبات التي زرعها النظام السابق في كل بقاع العراق.[1]