=KTML_Bold=#لوزان# .. قرن من المواجع=KTML_End=
عبد الرحمن ربوع (كاتب)
مائة عام مضت على إمضاء معاهدة لوزان بين الأوروبيين والأتراك، فعلوا خلالها كل ما استطاعوا لترسيخ واقع جيوسياسي في المنطقة يُعطي حقوقًا غير مشروعة لبعض الأطراف وتجاهل حقوق مشروعة لأطراف أخرى؛ ما أرسى لصفيح ساخن ومناخ مشحون وواقع قلق لا يمكن التعايش معه ما لم تعد الأمور لِنصابها ويأخذ كل ذي حق حقه.
لا يبدو الكرد قانعين أو راضين بأقدار السياسة التي رسمت حدود المنطقة قبل مائة سنة، ولم تسلبهم فقط حصة عادلة من الجغرافيا؛ بل حرمتهم من حق عادل بالاعتراف بوجود فاعل ومؤثر قومي وثقافي، بل تجاوزت كل حدود الجور والحيف بإنكار وجودهم.
إنها مواجع لا تنفك تتقلب كلما بدا أنها سكنت، تتقلب مع كل يوم يُعيد ذكرى توقيع فرنسا وبريطانيا وإيطاليا واليابان واليونان ورومانيا ويوغوسلافيا وتركيا لمعاهدة لوزان. حسرة تهز الكيان كلما حلت ذكرى تلك البلطجة السياسية التي مارسها حكّام تلك الدول على حق أصحاب الأرض الذين مُنعوا حتى من حضورهم لذلك التوقيع المشؤوم في ذلك اليوم الأسود (02-07-1923) الذي تعاهدت فيه الضباع على سلب الحقوق وإنكارها وتقاسم غنائم غزواتهم الآثمة وحروبهم الحرام.
وحتى بعد مائة سنة على جريمة لوزان ممنوع على الكرد أن ينبسوا ببنت شفة بزفرة (آه) أو تنهيدة حسرة وأسف. لتنطلق خفخفة الضباع محاولة التشويش على الأصوات المطالبة بالحق المسلوب والداعية إلى الكفاح المطلوب لاسترجاع ما سُلب بالاغتصاب والغدر.
انشغال السوريين بأزمتهم المستعصية منذ اثنتي عشرة سنة لم يسمح لهم بتذكّر لوزان، وما أصابهم بسببها من لعنات السياسة والجغرافيا والتاريخ.. لعنات أفقدتهم التوازن وراكمت عليهم الشجون، وأدخلتهم في دوامات التيه فلا يكادون يهتدون إلى سُبل الرشاد، ولم يعودوا قادرين على تحديد طريق نجاة.
ليس هذا وحسب؛ بل وصلت الفاجعة بهم أن اعتبر بعضُهم أعداءَ الأمس حلفاءَ اليوم. مع أن الراسخ في الوجدان أن (عدو جدّك ما يودّك). لكن؛ ولأن التيه وصل إلى درجة أعطب (القشرة المدارية الجبهية أو قشرة الفص الجبهي الأمامي)، التي يفترض أنها تقوم بأي عملية صنع قرار، فلم يعودوا يميزون العدو من الصديق. بل تجاوزوا هذه المرحلة إلى اعتبار الحليف عدوًا والعدو حليفًا. فتعمقت الجراح ووصلت حد الإنتان وانعطبت البلاد واستعصى المخرج ولا يبدو لها من دواء إلا الكي.
على الرغم من حساسية معاهدة لوزان في وجدان السوريين إلا أننا لم نكد نسمع للنظام أو المعارضة رِكْزًا حول نكبة هذه المعاهدة. فالمعارضة المُرْتَمِيَة في أحضان الضباع الموقّعين عليها آثرت السكوت. كذلك فعل النظام الذي يخطب وِدَّهم ويتحاشى التصادم معهم. فقط الكرد هم الذين لم ولن ينسوا نكبة لوزان، ويواصلون قرع طبول الحرب على المعتدين الغاصبين، والنفخ في صور القضية وإطلاق النفير. سواء في ذكرى لوزان أو كل ذكريات التاريخ الأسود المُترع بالدماء والدموع، والمشحون بكل مسوغات الغضب والكراهية.[1]