الخوف متلازمة الكرد
تامارا كمال
في إحدى الجلسات الاعتيادية التي تعقدها مجموعة الزملاء لمناقشة أهم المواضيع الساخنة والمطروحة مؤخراً على الرأي العام، أو تلك المواضيع التي تكون ذات صلة وثيقة بمجتمعنا، فضَّلتْ المجموعة طرح موضوع من النمط الثاني لنقاشه وتبادل الآراء حوله وهو “الثقافة.. معناها، تكويناتها، ارتباطها التاريخي بالوجود الهوياتي”، وكان في الجلسة ما شد الانتباه إليه ألا وهي ثقافة الخوف التي لازمت كل كردي، ففي الحالة الكردية كون ثقافة الخوف كانت جلية كوضوح النهار، وكادت تكون إرثاً وتقليداً يحمله الكرديُّ منذ التاريخ البعيد ويورثه لأجياله اللاحقة؛ هذه الفكرة دفعتني إلى القيام برحلة عبر الذاكرة لإحيائها والتعمق في تاريخنا الذي يتشابه في بعض أجزائه وأبوابه مع تاريخ الشعوب الأخرى المكافحة.
ذاكرة الكرد عادةً تكون طويلة الأمد، الكردي يتذكر تفاصيل طفولته ويصعب عليه نسيانها، لا سيما أن كل كردي وبغض النظر عن جنسه أو إلى أي جزء من وطنه المقسم أربعاً ينتمي، قد تعرضَ لتعسفٍ كبيرٍ وإنكارٍ شديدٍ على يد السلطات الحاكمة، وأحياناً من قبل أقرانه على اختلاف العرق والانتماء، وأحياناً أخرى على يده هو نفسه، أتذكر في طفولتي أن كل عائلة كردية لم يسعفها حثها ووجدانها الوطني على التخلص من تاريخها، فدفنته تحت الأرض عندما تم البحث في البيوت عن أي كتابٍ أو مخطوطةٍ أو حتى علمٍ كردي، فهذا الدفن كله كان بسبب الخوف من أن يتم إبادتهم.
وأستطيع أن أتذكر أن حارتنا الشعبية المتواضعة تناقلت خبر إحراق عدة عوائل أخرى لكتبهم الكردية، مما ساهمت في إتلاف تاريخها بنفسها وهذا لكون الخوف قد سيطر عليهم.
وأتذكر أن أحد أساتذتي روى لي قصةَ أبٍ رُزِقَ بطفلٍ ولم تسعه الدنيا وقتها لفرحه الكبير فتفاعل مع فكرة تسميه طفله باسم برزان، ومع ولادة الطفل استوجبت الحاجة تسجيله في دائرة النفوس والأحوال المدنية، وما إن وقف الأب أمام موظف الأحوال المدنية لتسجيل ابنه سأله الموظف ما الاسم الذي أخترته فرد الأب: أود تسميته (برزان)، وقد جاء رد الموظف فظاً مبطناً برسالة مفادها أن عليه تغير الاسم وإلا العواقب لن تكون حميدة، بعد سماع الأب الرسالة المبطنة وهو يزال يقف أمام الموظف اعتلى صدره شيءٌ من الخوف وتلعثم فغير الاسم إلى خيزران الذي حقق بعدما كبر نجاحاً في حياته المهنية. فأين خيزران من برزان؟ وماذا فعلت بنا الحكومات المتعاقبة على حكمنا في الأجزاء الأربعة من وطننا حتى أخافونا وجعلونا نستبعد أسماءنا الكردية التي نتوارثها واستبدالها بأسماء لا تكاد يكون لها معنى..
الخوف من تسمية أطفالنا بالأسماء الكردية أو إحراق كتبنا والنتاجات الكردية ليس أبشع أنواع القمع الممارس ضدنا، إنما هي حلقاتٌ قليلةٌ من سلسلةٍ طويلةٍ نخرت جسدنا المنهك الذي ظل محافظاً على صموده رغماً عن أنوف المحتلين والدكتاتورين.
وبالفعل طمر كرد روج آفا هذا الخوف الذي ظل يلاحقهم لسنوات طويلة، ثورتهم الشعبية المثمرة فتحت لهم آفاق الحرية واختصرت مفترقاتها إلى طريقٍ واحدٍ هو العيش، التحرر وتحقيق حياة حرة كريمة في وطنٍ يتسع للجميع.[1]