مصر و الدرس الثاني للحرية و الديموقراطية في السنة الجديدة
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 3261 - #29-01-2011# - 14:00
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
مصر و الدرس الثاني للحرية و الديموقراطية في السنة الجديدة
بعد ان نجح الشعب التونسي البطل في تحقيق نسبة معقولة من متطلباته، و لايزال مستمرا على اداء واجبه الوطني بدقة و نظام، في سبيل تحقيق الاهداف الضرورية للحياة العامة لهذا الشعب الحر التقدمي، و هو بحق اثبت للجميع مدى تحضره و حداثة فكره و تصرفاته و سلوكه العام واوضح للجميع بهذه الانتفاضة المجيدة ايضا انه يستحق الاحترام كما كان، على الرغم مما تخللت هذه الانتفاضة من الشوائب هنا و هناك الا انها لم تعكر صفو جمال النية و الهدف، و لم تعكر طبيعة هذا النضال الحضاري في درس تونس الخضراء، و المدهش انه اثبت التعددية و وحدة المصالح المشتركة و لم يدع من كان يتربص بهذه العملية من المتضررة مصالحهم ان يمنعوا الخطى الواثقة التي خطاها ، و نجحت الانتفاضة دون ان تتمكن الاضداد من افشالها او التدخل المباشر فيها، و كانت العديد من القوى الخارجية و الداخلية قد وقفت ضدها بداية الا ان الشعب التونسي و بارادته و تصميمه اجبر حتى هؤلاء المعترضين على التراجع و اعلان تاييدهم ودعمهم لمصالح الشعب التونسي العظيم، و يستحق هذه الانتفاضة المجيدة ان نعتبرها الدرس الاول للحرية و الديموقراطية الحقيقية و تحقيق امال الشعب بارادته في السنة الجيدة التي تحمل في طياتها الكثير كما يظهر منذ البداية، و لازال امام هذا الشعب الكثير و يحتاج الى الدقة و الوعي لاكمال ما ابتدءه و ما استهل به نضاله ليصل الى ما يقتنع انه وصل اليه،و تبدا المرحلة التالية من مأسسة الدولة و عدم ترك القجوات لعودة الدكتاتوريات ، و يتم ذلك بالقانون و الطرق و المباديء الحضارية الحديثة كما بين ذلك منذ البداية، و حقا انهم كسروا الحاجز امام الجميع ببراعتهم.
اليوم نرى مصر ام الدنيا بحالها هبٌت و انتفضت و هزت العرش و استهلت الخطوة الاولى، الا انها امام امتحان صعب، اما هنا فالوضع مختلف عن تونس من عدة نواحي كما يعلمه الجميع من حيث الحجم و الثقل و التاثير، فيجب الحذر من قبل الشعب كي لا يخطف جهده و تسرق مستحقاته من قبل الايديولوجيات المختلفة التي في طبيعتها و وجودها تختلف عما موجود في تونس، و بعض هذه العقائد و المرتكزات انتهت صلاحياتها ونفذت مفعولها مع عصرها و منذ امد طويل، الا ان الوضع الاجتماعي والاقتصادي المتردي ابقاها وفرض بقاءها ليتناولها المحرومين، و اصحاب المصالح يستغلون الحالة النفسية الثقافية لهم و يحاولوا بخداعهم ان يحيلوهم الى نشوة الخيال و تحقيق الامنيات و الامال عن طريق احلام اليقظة، الا ان تعدد المكونات و الخصائص الحضارية الاصيلة لهذا الشعب ربما يفرض رغبة جامعة موحدة لما يناسب الجميع، و الشعب اقدر لوضع الاستراتيجية العامة لادارة البلاد و خدمة العباد و عدم السماح لاحد ان يسرق جهود و نتاج عمل الشباب الواعي و حرصهم على العيش الهنيء في هذه الحياة على الارض.
لكون مصر ذات اهمية كبرى للمنطقة باجمعها و من كافة النواحي السياسية الاجتماعية الثقافية الاقتصادية، فان التغيير فيها سيؤثر بشكل ايجابي و فوري على الشرق الاوسط باكمله، و يشهد العالم عصرا جديدا في هذه المنطقة، و اشعاعاته ستصل الى البلدان الاخرى مهما عزل البعض نفسه و تحجب عما يحدث. و هذا هو الدرس الثاني و الاقوى و الاعظم للشعوب و سيكون اكثر تاثيرا مما سبقه في تونس، و الجميع بانتظار النتائج النهائية و الكل يترقب ما يصنعه بلد اعظم حضارة في عصر الحداثة و التمدن و التنوير، و بحق سيكون نجاحها انتصار للقوى التقدمية المتمدنة بكافة تركيباتها، و انها الخطوة الثانية للمسيرة الطويلة نحو تحقيق العدالة الاجتماعية و المساواة و تجسيد الحرية و ترسيخ الديموقراطية الحقيقية و فرض الشعب لرايه و موقفه في الامور العامة، و ستكون هذه الانتفاضة درس للوعي و الثقافة العامة للمجتمعات، و توضح هذه العملية السياسية مايعد هذه المرحلة مدى قوة الارادة و فعاليتها في الحياة للوصول الى اصعب الامنيات و تحقيق اعقد الاهداف.
ان يوم الغضب كشف للعالم مدى تحضر هذا الشعب كما هو حال الشعب التونسي، و ان شابت هذه الانتفاضة ايضا بعض السلبيات الا انها كانت بفعل طاريء و غير مخطط لها و نابعة من غضب و احتقان في لحظة نفسية طارئة، و رد فعل عاطفي لما تعرض له الشعب من الظلم و الاحتقان على ايدي من يعتبر نفسه صاحب المنشات العامة، و التي يعتبرها البعض ملك من ظلمه و غدر به في حياته، و هو يتعامل معها بضيق نفس، الا ان تعامله مع الممتلكات الخاصة يظهر مدى مدنيته و نظرته الى الحياة على الرغم من تلفيق التهم و الاكاذيب له لاغراض سياسية، و لا يستبعد ان تكون هذه الافعال بفعل من تُضرب مصالحه الخاصة بنجاح هذه الانتفاضة و هو مندس في التظاهرات و يريد تشويها لها باية طريقة عسى و لعل يقلل من شانها، و هو يستغل الغضب العارم من الجميع وكما يستغل سذاجة البعض. الا ان التعاون و التنظيم الشعبي الجيد لهذه الانتفاضة ابهر الجميع، و قمة الحضارة استوضحت من استقبال المنتفضين للجيش و فرض التحيد عليه ( و هذا ما يذكرني بالفرق الشاسع بين الجيش المصري المتحضرالبطل و الجيش الصدامي ابان حكم الدكتاتورية و الذي لم يبق سلاح و لم يستعمله ضد الشعب العراقي بكافة فئاته و انا شاهد على ذلك اثناء تظاهرات جامعة صلاح الدين، ما عدا القصف الكيمياوي و تدمير القرى) .
هذه بداية موفقة للسنة الجديدة، تونس و مصر علمونا الدرسين المهمين الجميلين ، فاين ومتى يكون الدرس الثالث، و العبرة لمن اعتبر. و هنا يجب ان يعلم الجميع و يتاكد بان تكون هناك مخاضات طويلة في امكنة اخرى و الولادات الجديدة ستكون عسيرة، الا ان تحقيق اماني شعوب المنطقة و اهدافها و نيل حريتها واضح للعيان سوى كانت اليوم ام غدا. و الشعوب ان همت و هبت الى كسر الاغلال ستكون معتمدة على ارادتها و هي تريد الحياة و اليوم حان الوقت لهم ليستجيب القدر و ان الليل انجلى في تونس و في طريقه الى الانجلاء في مصر، ولم تتوقف الشعوب الاخرى و انما تخطط في كيفية انجاز العمل الجاد و الملائد لكل والمنظم و الخاص لكل بلد لكسر تلك القيود التي طالت بقائها سنين ، و انه عصر جديد بدا مبكرا مع اشراقة السنة الجديدة.[1]