تقرير/ هايستان أحمد –[1]
روناهي/ قامشلو: بالفن الملتزم الرصين بدأ الفنان كريم شيخو مسيرته الفنية المثمرة، وبعد غيابه عن وطنه بسبب الظروف التي واجهته، مارس الفن وغنى أجمل الأغاني الكردية، وكانت زيارة أضرحة الشهداء أول مكان يتوجه إليه بعد وصوله إلى قامشلو.
فن الغناء من أجمل الفنون وأشدها تأثيراً على الإنسان، فهو كالمرهم يداوي كل الجروح ويُنعش الإحساس فالفن وسيلة مهمة للتعبير عن مكنونات وخوالج النفس، سواء أكانت هذه الخوالج حزن أم فرح أم غزل… وبلا شك الفن الملتزم من أسمى الفنون لأنها مكانة مرموقة تساعد على ارتقاء ذوق وحس المجتمع، والفن الكردي من أٌقدم الفنون في العالم والذاكرة الكردية تحمل الكثير من الأغاني الكردية الفلكلورية عن قصص الحب والهيام والوطن والأم واللغة الكردية، ولكن في روج آفا لم يتمكن بلابل الفن الكردي بالتغريد بحرية بل وكان يَدفع الفنان الكردي الذي يغني بلغته الأم ثمناً باهظاً من العذاب والتهميش والتخويف، ولكن لم تقلل كل سياسات الطمس والتهميش من خفت صوت الكرد بل كانوا يُغنون ويُسمِعون الشعب بلغتهم الأم ما يشعرون به وكما يُقال ما يجري في النفس لا يناجيه ولا يعطيه حقه في الإظهار بالشكل الصحيح غير لغة الإنسان الأصلية، ومن هنا شق الفنان الكردي من مدينة قامشلو “كريم شيخو” طريقه في الغناء الكردي الذي كان هاجسه الوحيد وأولويات حياته الارتقاء بالغناء والفن الكردي، وهو فنان كردي ملتزم يمارس الفن الرصين الثابت دون الالتفات إلى الجانب المادي، وكان بهذا محبوب الجميع وفنان الشعب الكردي.
مسيرة حياته الفنية:
وفي لقاء مع الفنان “كريم شيخو” حدثنا عن مسيرته الفنية وما جرى معه في هذا الدرب الصعب قائلاً:(ولدتُ عام 1980م، في حيٍّ صغير في منطقة العنترية في قامشلو، لا أتذكر منذ متى أحب الغناء، فقد ترعرعت في بيئة فنية وكنت أتأثر بكل ما يدور حولي في المجتمع وكانت الطبقات الاجتماعية فيه تؤلمني ومسائل الفقر والغناء العمل بالجهد وتنعم الآخرين بالرفاهية، وكان أول موال غنيته في عمر السادسة عشرة حول هذه المسائل المنتشرة في المجتمع، وشيئاً فشيئاً بدأت ولوحدي بالغناء) وهذا ما يعبّر عن مدى رقة أحاسيسه وتأثره بكل ما يجري في حياته، ولم يساعده أي أحد في إعداد الأغاني ولكن ولحسن حظه كما عبّر لنا أنه تعرف على أحد يساعده قائلاً:(لحسن حظي تعرفت على عائلة الفنان محمد شيخو عام 2002م، وأفادوني كثيراً في معرفة أسس غناء والموسيقى الكردية وقواعدها الصائبة، وكان دورهم في حياتي جداً كبير، وقمنا بإعداد ألبومي الأول باسم(هر بهار) عام 2003م، وبسبب شح الدعم المادي اعتمدت على نفسي في كل أعمالي الفنية، وسلكت درب الفن الرصين والملتزم وما يسعدني في هذا الدرب هو محاولة الإسهام في رقي الفن الكردي).
المصاعب والمشاكل زادت هِمتهُ وعزمه:
وعن غربته والسبب الذي دفعه إلى ترك وطنه حدثنا الفنان “كريم شيخو” مشيراً إلى تلك الأسباب القوية التي كان أولها أنه لم يكن يمتلك هوية سورية كما الآخرين وكما يُطلق عليهم بالمتداول (مكتوم أو أجنبي)، وأردف بقوله:( خرجت من قامشلو لأنني لم أكن أحظى بأي فرصة بسبب كوني مكتوم وعلى الرغم من كل الفرص التي قُدمت إلي من بلدان عدة، وقد سُجنت لأكثر من مرة بسبب غنائي باللغة الكردية الأغاني الثورية، وفي عام 2004م بعد أحداث قامشلو قمت بإعداد أغنية ثورية عن قامشلو، واعتقلوني لمدة ثلاث أيام وحققوا معي عن هدفي ومعاني كلمات الأغنية ولم نتمكن من صدهم بسبب قوتهم وقدرتهم على الأذية بدون رحمة، وقد نفدت من قبضتهم عن طريق الوساطة ودفع المال، وتعرضت للكثير من المضايقات والخوف ولكن هذه الضربات كانت تقويني أكثر وتقدمت بفني كثيراً، وكان عمي أيضاً ثورياً متمسكاً بهويته الكردية شجعني على إكمال طريقي، وكانت سيرة حياة الفنان محمد شيخو إلهام حياتي لما تعرض لظلم وتهميش مستمرين).
الشهداء منابر النور لطريق المستقبل:
وعن زيارته لمزار الشهداء فور وصوله لروج آفا أشار الفنان كريم بقوله:( لقد وعدت نفسي فور وصولي إلى أرض مدينتي أن يكون مزار الشهداء وجهتي الأولى قبل توجهي إلى بيتي، فبدماء الشهداء نخطي خطواتنا وهم مشاعل نور تضيء طريقنا وهذا واجب على كل كردياً لأنهم مستقبلنا المشرق، وقد راودني إحساس عظيم ولا يعبّر عنه عندما لاقيت اهتماماً كبيراً من قبل المسؤولين على الحدود واستقبلوني استقبالاً جميلاً).
وعن التطورات الثقافية والفنية التي حدثت في روج آفا قال الفنان كريم:(لقد زرت اتحاد الفنانين في قامشلو ومركز الثقافة والفن ومراكز أخرى شعرت برغبة في البكاء لما حصل من ازدهار في ثقافتنا وفننا الكردي، فقد كانت هذه المراكز كالحلم نحلم أن يتحقق لنغني ونعزف على ألحان كردية عذبة، وأتمنى أن نؤسس قاعدة اقتصادية متمكنة لنحقق تقدماً مستمراً على كل الأصعدة، وأنا على ثقة بأن هذا التقدم والازدهار إن لم يتقدم لن يتراجع أبداً فنحن الآن نقف على عتبات النجاح المثلى، وأتمنى للجيل الجديد من مُحبي الفن والموسيقى أن يعطوا الفن أهمية وأن يعملوا بجدٍ وبالشكل الصحيح لأن العمل الصحيح ناجح وسيتألق يوماً ما)، بهذه الكلمات اختتم الفنان الكردي صاحب القضية والهوية حديثه، أنه مثال عن الفن الجميل العذب وسيدوّن التاريخ اسمه في صفحات كتاب الكرد لأنه فنان الشعب المتواضع والمتألق.