تقع قرية “زهيرية”، في أقصى الشمال الشرقي من الخارطة السورية، على الضفة الغربية لنهر #دجلة# شمال نقطة التقاء الحدود السورية مع الحدود العراقية والتركية. تقع إلى الشرق من مدينة ديرك مسافة 17 كم تقريباً.
تتبع قرية “زهيرية” إدارياً لمنطقة ديرك “المالكية” التابعة لمحافظة الحسكة.
كانت ملكية أراضي قرية “زهيرية” التي بناها عشيرة “زهيري، أو زهيريا- –Zihêrî, Zihêrya” قبل أكثر من قرن وربع، تتبع لاقطاعات نايف باشا ومن ثم ابنه مصطفى باشا حتى عام 1958، وملكية نايف باشا مثبتة منذ العهد العثماني.
وكان الناس يعملون في تلك الأراضي كفلاحين – كما كان الحال في معظم منطقة #الجزيرة# – ولكن دون صكوك أو عقود رسمية مقابل نسبة معينة للمالك وكانت تسمى في ذلك الوقت ب (الحاصل) وتقدر نسبة الحاصل 1/ 10 (واحد بالعشرة) أي 10% من ناتج المحصول لمالك الأرض.
ولكن في عام 1958، عندما قامت الوحدة بين سوريا ومصر، أصدر الرئيس جمال عبدالناصر قانون الاصلاح الزراعي، ومن بين ما تضمنه هذا القانون هو أن يتم نزع الملكية بنسبة معينة من الملّاك، وبدلاً من أن يتم توزيع تلك النسبة المنزوعة من ملكية الاقطاعي من تلك الأراضي على سكان القرية الكرد الذين كانوا يعملون فيها، قررت السلطات السورية استغلال هذا القانون لهدف آخر، وهو البدء بعملية تعريب المنطقة الكردية كونها متاخمة لحدود كل من الجزء الجنوبي من #كردستان# في العراق، والجزء الشمالي من كردستان في تركيا، وذلك بتوزيع هذه الأراضي على السكان العرب الذين استقدمتهم من محافظات حمص وحماة وطرطوس، وكلهم من الطائفة العلوية، وتم ذلك بالفعل في صيف عام 1961م قبيل الانفصال بفترة وجيزة.
وتعتبر هذه المستوطنة هي أولى المستوطنات في المناطق الكردية.
لقد بُني للمستوطنين العرب تجمع سكني على بعد 1 كم تقريباً غرب قرية “زهيرية” الكردية الأساسية الواقعة تماماً على ضفة نهر دجلة، وتحت الاسم نفسه. ونتيجة للتغيرات السياسية في الحكم وبعد انفصال سوريا عن مصر بأربع سنوات أي في عام 1965 استأنفت الدولة سياسة التعريب واستقدمت هذه المرة من محافظة حماة، وبالأخص من منطقة السلمية من الطائفة الاسماعيلية، عوائل أخرى وبنت لهم قرية نموذجية أخرى بجانب القرية التي بنيت في عام 1961 من ناحية الشمال، أي أنها تقع شمال القرية الأولى وملاصقة لها، وقد وزعت عليهم ما تبقى من الأراضي التابعة لقرية “زهيرية”. وتوقفت السلطات بعد ذلك عن استقدام السكان من تلك المحافظات.
وصارت هناك ثلاث قرى تحت اسم واحد “الزهيرية” في السجلات الرسمية للدولة، لقد اكتفت السلطات بإضافة (ال) التعريف فقط على التسمية الكردية لتعريبها، ولكن يتم التمييز بينها شعبياً بالتسميات التالية: زهيرية النهر أو زهيرية الكرد و زهيرية السلمونيين و زهيرية العلويين، وتسمى زهيرية السلمونيين وزهيرية العلويين معاً ب (السلمية).
يبلغ عدد العائلات في القرية-المستوطنة الأولى حوالى 30 عائلة، والقرية-المستوطنة الثانية حوالي 50 عائلة، واليوم يبلغ عدد العائلات في القرية-المستوطنة الأولى حوالي 50 عائلة نصفهم عادوا الى موطنهم مع بقاء الأراضي والممتلكات بأسمائهم، أما القرية-المستوطنة الثانية “السلمونيين” نسبة إلى (السلمية موطنهم الأصلي) فقد بلغت عدد العوائل ما يقارب 100 عائلة، عاد حوالى الثلث إلى مناطقهم الأصلية التي جاؤوا منها مع بقاء الأراضي والممتلكات العقارية بأسمائهم حتى هذه اللحظة.
كما أن بعض الأسر من القريتين-المستوطنتين يقطنون حالياً في مدينة ديرك ولهم منازل مشتراة فيها.
ومساحة الأراضي التي تستملكها عائلات المستوطنتين لا تقل عن 1000 هكتار.
جدير بالذكر أن نشير إلى مستوطنة أخرى أقيمت في نهاية السبعينيات في نهاية المرحلة الثالثة من التعريب، وهي قرية “الأحمدية” وتقع شمال غرب سلمية ب 2كم، وهم من عرب منطقة ﭽل آغا (الجوادية) وعلى أغلب الظن أن معظمهم من عرب الجبور. منحتهم الدولة الأراضي القريبة من مستوطنتهم باتجاه قرية گِرزيرين ((Girzêrîn.
يبلغ عدد العائلات في “الأحمدية” حوالي 40 عائلة لم تبق منها أكثر من النصف، ومساحة الأراضي التي يستملكونها لا تقل عن 500 هكتار.
ويعتقد ان أراضيهم كانت تتبع ل “سَقَتين- Seqetên” أو “منير دياب الحوراني” أو حتى نايف باشا.
وجاءت الموجة الثالثة والكبيرة من تعريب المنطقة في منتصف السبعينيات، وهي موجة توزيع الأراضي الكردية على ما يعرف ب” المغمورين”، حوالي 4000 عائلة، بعد بناء سد الفرات على نهر الفرات، أي أولئك الذين غُمرت أراضيهم بمياه السد حسب مزاعم السلطة، مع أن هناك الكثير من العائلات جاءت من خارج منطقة الغمر، وقد استغلتها الدولة ذريعة لاستكمال طوق التعريب والذي يسميه الكرد ب ( الحزام العربي الأسود) حول باقي الأراضي الكردية في سوريا المتاخمة للجزء الشمالي من كردستان في تركيا بطول (375 ) كم، وعرض ما بين (10-15) كم.
واستمراراً لسياسة التعريب والاستيطان في المناطق الكردية فقد أقدمت السلطات السورية بتاريخ 13 / 6 / 2007 على توقيع عقود زراعية بين الرابطة الفلاحية في مدينة ديرك (المالكية) وبين ( 150 ) عائلة عربية من ريف منطقة الشدادي التابعة لمحافظة الحسكة على مساحة أكثر من خمسة آلاف دونم من الأراضي الزراعية التابعة لمزارع الدولة في قرى المنطقة. وقد جاء في متن العقد (…. وفي حال عدم كفاية هذه المساحة سيتم إتمام حصصهم من مناطق أخرى)، تمهيداً لجلبهم إليها لتطبيق المراحل المتلاحقة من الحزام العربي.
لم تحاول سلطات الإدارة الذاتية في “شمال شرق” سوريا حتى الآن المساس بأي شكل من الأشكال بالإرث البغيض الذي تركته الحكومات المتعاقبة في دمشق في المناطق الكردية.
وفي الوقت الراهن بدأت تشهد المناطق الكردية، على امتداد الحدود مع سوريا حيث الجزء الغربي من كردستان، حملة تعريب واسعة ولكن هذه المرة على يد السلطات التركية والمجموعات المسلحة التابعة لها، وذلك في سياق تغييرٍ ديمغرافي شامل طال معظم المناطق في سوريا، على أساس طائفي، المناطق ذات الأغلبية السنية، وعلى أساس عرقي، المناطق ذات الأغلبية الكردية، وبموافقة السلطات في دمشق وبالتنسيق مع طهران.[1]