قضية كوردستان خلف الكواليس
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 6764 - #18-12-2020# - 09:15
المحور: القضية الكردية
(الخطة السرية لتدمير كوردستان) عنوان المقالة التي كتبناها قبل ست سنوات، عرضنا حينها، بناء على مصادر موثوقة، مجريات المؤامرة التي خططت لها القوى الإقليمية المحتلة لكوردستان، وتحركاتهم على المستويات السياسية والدبلوماسية العالمية، لضرب المكتسبات الكوردية التي كانت ترعبهم.
المؤامرة لا تزال جارية، بنفس طويل وعلى وتيرة تجاري المرحلة، لكنهم يعملون على تغيير المعادلة، لأنهم بعد نجاحاتهم الأولى على المستويين الدبلوماسي مع روسيا وأمريكا، والعسكري على ساحة جغرافية غرب وجنوب كوردستان، تعرضت إلى تحفظ من قبل نفس الدول التي فتحت لهم المجال.
تمكنوا في البداية وبعد سنوات من العمل والتحركات الدبلوماسية والاتفاقيات التي تمت في مؤتمرات سوتشي وأستانه وغيرها، تقويض المشروع الروسي المتفق عليه أثناء احتضانها للإدارة الذاتية، والتي كان من المفروض وضع عفرين حتى غرب الفرات مع الباب والمنبج تحت سلطة ال ب ي د، وشرق الفرات تحت وصاية القوى المدعومة من حكومة الإقليم، وكانت حينها روسيا مع النظام الفيدرالي للمنطقة الكوردية، وتوسعت المكتسبات بعد دخول أمريكا على الخط، قبل أن يتم تغيير المخطط من قبل إدارة ترمب مجاراة لمصالحها مع إدارة أردوغان، ونتائج التغيير كانت شبهة كارثية، وذلك بناء على اتفاقيات، عسكرية أكثر منها سياسية، خلف الكواليس بين روسيا وتركيا من جهة، وأمريكا وتركيا من جهة أخرى، وتم توزيع المصالح بين أمريكا وروسيا على جغرافية المنطقة الكوردية، وسوريا بشكل عام، وتركت جنوب كوردستان فريسة بين إيران وتركيا والموالين لهم ضمن العراق. والملامة هي أحزابنا الكوردية وقسم واسع من الحراك الثقافي، إلى جانب متاجرة روسيا وأمريكا بمقدراتنا، فالخلافات الداخلية أنستنا ما يخططه الأعداء لنا، وجهالتنا أو قلة درايتنا سخرها أعداؤنا لمصالحه بكل أبعادها.
خلفت تلك المؤامرة خسارات مرعبة لمسار الحراك الكوردستاني، في الواقع الجيوسياسي والعسكري والاقتصادي، بدأت من عفرين إلى كركوك مرورا بشنكال، وهي معروفة لجميعنا، وما يجري الأن على الساحة، في جنوب وغرب كوردستان، من الشغب المختفي وراء المظاهرات الشعبية، إلى عمليات حرق مكاتب أحزاب المجلس الوطني الكوردي في درباسيه وعاموده وقامشلو وغيرها، ستفتح أبواب أخرى للإعداء لتمرير مخططات تلك المؤامرة، وستقوي جانبهم (من المعروف أن الأنظمة الشمولية الدكتاتورية تتهم انتفاضات شعوبها على أنها مؤامرة خارجية، لكن في الواقع الكوردستاني التهمة حقيقة، لأن القوى المتربصة والمحتلة لكردستان لم تنفي يوما عداوتها، وتصريحاتها معروفة للجميع، على أنها تعمل المستحيل لئلا تتحرر كوردستان، وبالتالي فالمؤامرة الخارجية هنا ليست تهمة بل حقيقة، وما يتم الأن في جنوب وغرب كوردستان تدرج ضمن مخططات إنجاح تلك المؤامرة الإقليمية بشكل أو أخر، لذلك يمكن القول أن ما يجري هي مؤامرة خارجية).
فالمفاوضات الجارية حتى اللحظة بين بغداد وهولير لبلوغ اتفاق ما على الميزانية إلى جانب غيرها من الخلافات، من جهة، والتي بين أحزاب المجلس الوطني الكوردي والتجمع الديمقراطي الكوردي بقيادة ال ب ي د، تحت الرعاية الأمريكية، كانت ستحد من احتماليات نجاح المؤامرة، لذلك رأت القوى المحتلة لكردستان أنه لا بد من خلق فوضى ما، وهذا ما يجري حاليا.
فالقوى المتربصة بإقليم كردستان الفيدرالي، تحاول تسخير امتعاض الشارع الكوردي من الحالة المعيشية وعدم دفع الرواتب، ومطالب الشعب الأخرى؛ إلى جانب الفساد الإداري، وغيرها من المشاكل، لصالحها بخباثة، وتعمل على توسيع بوابة تأزيم الواقع السياسي الداخلي، لإضعاف موقف هولير أمام بغداد، وهو ما أدى إلى قدرتهم على إزالة المادة 140 من العمل. وفي غرب كوردستان ساعدت مهاجمة مجموعات ساذجة من الأطراف المهيمنة على الإدارة الذاتية على المكاتب المنوهة إليها سابقا، من قدرة القوى المتربصة ذاتها، على أنجاز مرحلة أخرى من مخطط المؤامرة المنوهة إليها، وهي هدم مسيرة المفاوضات، وجميعنا نعلم كيف أنهم استفادوا من خلافاتنا لاحتلال عفرين وما بين سري كانيه وكري سبي وثلث جغرافية الإقليم.
والمتهم هنا من قبل أغلبية المراقبين والمحللين، إلى جانب القوى الإقليمية، هو حزب العمال الكوردستاني وأطراف أخرى داخل الإقليم، وشريحة من القوى العسكرية التابعة للإدارة الذاتية، كجوانين شورشكير، ومجموعات من القوات التابعة لقسد، ولا يهم الشارع الكوردي التبريرات المعروضة، لأننا بلغنا مرحلة بالإمكان حل كل الإشكاليات والخلافات بالحوارات الداخلية.
وهنا يظهر السؤال: ما هي مصلحة الأحزاب المعارضة داخل الإقليم وال ب ك ك والقوات التابعة للإدارة الذاتية في تخريب مصالحها؟ لأنهم سيخسرون الأكثر. فلا شك الأجوبة متنوعة ومتضاربة، لكن ما يطفوا على السطح هي أن القوة الكوردستانية المتصاعدة أصبحت لها ثقلها في المحافل الدولية، وبدأت مصالح الدول الكبرى ترتبط بالحضور الكوردي، ولهذا فما كان يتمكن منه المتربصين بأمتنا في مرحلة زمنية قصيرة أصبحوا يحتاجون إلى سنوات من التخطيط وتحركات دبلوماسية على مستويات عليا، كما ولم تعد تجدي نفعا استخدام القوة المباشرة، لذلك بدأوا يستخدمون أساليب أكثر حنكة، وخباثة، بحيث تتلاءم والواقع الجاري في كوردستان، فبدأوا يركزون على التشتت، والصراع الداخلي على السلطة والإدارة، والتي هي في الأصل تابعة للأنظمة المركزية، أو للقوى الإقليمية هيمنة عليها، وجميعنا نعلم أن معظم الأطراف الكوردية الحزبية مصالحها مرتبطة بشكل أو أخر مع مصالح الدول الإقليمية، أو بشكل أوضح تحت رحمتها.
فما يجري اليوم على الساحة الكوردستانية، إن كانت في جنوب أو غربه، الجزأين الأكثر حضورا على الساحة الدولية، يوضح مصيرهما ومستقبلهما كإقليم فيدرالي وإدارة ذاتية، اللتين تتحاور عليهما روسيا وإدارة ترمب من خلال مصالحها مع الدول الإقليمية، وبالتالي يتاجرون بالقضية الكوردية، بطرق دبلوماسية خلف الكواليس، ورغم تصاعد أهميتهما في المنطقة، إلا أن للدولتين الكبريين لا يعيرانهما الأهمية المناسبة، أولا للإتجار بهما مع القوى المحتلة لكوردستان، وثانيا لكثرة صراعاتنا الداخلية.
وعلى هذا الأساس للحراك الكوردستاني سقف محدد في علاقاتها الدبلوماسية والسياسة الخارجية، وهي تتناسب وثقل حراكنا الذي يمثل الأحزاب وليس الشعب، ولا يسمحون لهم تجاوزه، وهو ما يؤثر على محاولاتنا توسيع القوة العسكرية، وعليه نتحرك ضمن جغرافية القوة الأداة الضعيفة القابلة للاستخدام حسب الطلب.
فاليوم وما يجري في جنوب وغرب كوردستان، تمس قادم الأمة، والمخطط بالنسبة للإقليم الفيدرالي، هو إضعافه وتقزيمه إلى سوية المحافظات التابعة للمركز، مع الاحتفاظ بالاسم الفيدرالي. ومخططهم للثانية ليس فقط القضاء على الإدارة الذاتية، بل جعلها منطقة تابعة للمركز مع حقوق المواطنة.
المؤلم في المسألة، ليس ما يخطط له أعداءنا، فهي من حقهم كأعداء، والنبيه لا يلوم العدو لاستخدامه الخباثة والنفاق أو حتى الإجرام، بل يلام الذات لعدم الدراية، وتكرار منطق المظلومية بدل المواجهة، ومن سذاجة بعض الأطراف الكوردية، أنها تسقط في مستنقع التآمر معهم على ما تم أنجازه، أو ما حصل عليه الشعب الكوردي من مكتسبات، والأغرب أن بعض الأطراف تتعامل مع القوى الإقليمية بدراية، للتفرد بالسلطة ودون شراكة القوى الكوردية الأخرى، علما أن ابسط فرد كوردي يدرك أن قوة الحراك الكوردي بكليتها دون قوة الأعداء، فما بالنا بواقع التشرذم والتشتت، والخلافات الداخلية.
يكاد المخطط المرعب أن ينجح وللمرة الثانية، في عزلنا عن مصالح الإدارة الأمريكية القادمة في المنطقة، والتي نوه إليها العديد من المحللين السياسيين، على أنها ترجح الاعتماد على الكورد كحليف قريب وموثوق به لمصالحها في المنطقة، إلى احتمالية إعادة مكانة الإقليم السابقة أمام بغداد، ونقل الإدارة الذاتية إلى منطقة فيدرالية، وهو ما أدت إلى أن يكثف العدو من نشاطاته لتقويض المفاوضات الكوردية -الكوردية، وتصعيد الاحتجاجات في الإقليم، وتوسيع الخلاف بينها وبين بغداد من جهة، وتأليب ال ب ك ك والأطراف السياسية الأخرى في محور قنديل السليمانية على حكومة الإقليم، والمؤشرات تؤدي إلى أن لإيران وتركيا الدور الرئيس هنا، إن كانت في تشديد موقف الإقليم لمحاربة القوى المذكورة، أو تأليب هذه على هولير، وفي الحالتين الخاسر الأول والأخير هو الشعب الكوردي لقضيته.[1]