الأحزاب الكردية ومسألة الأقليات في سوريا
#سليمان يوسف يوسف#
الحوار المتمدن-العدد: 7879 - #06-02-2024# - 10:30
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
في الأجزاء السابقة من الدراسة، أوضحنا كيف وقعت ظاهرة التنوع ( الديني ،القومي ،العرقي ،الثقافي ،اللغوي)، التي يتصف بها المجتمع السوري، ضحية السياسات العنصرية والاجندات القومية والطائفية للقوى العربية والاسلامية . كما توقفنا عند السياسات الشوفينية ل(حزب البعث العربي الاشتراكي) الحاكم، القائمة على تجاهل قضية الأقليات، البالغة الأهمية والحساسية ، واهماً بأن طمسها ونفي وجودها وفرض الحصار والمحاذير عليها ، نهج كفيل بوأدها والتخلص منها. جراء هذه (السياسات الحمقاء) تحولت ظاهرة التنوع والتعددية، من غنى ثقافي وحضاري للمجتمع السوري، إلى عامل ضعف للدولة السورية ومصدر قلق للإنسان السوري. رفض النظام للحلول الوطنية العادلة للمعضلة الأقليات ، فاقم الأزمة السورية الراهنة وصعب فرص الخروج منها ..
كان المنتظر من ( الأحزاب الكردية) ، أن ُتقَدم مقاربة واقعية وموضوعية ل(مسالة الاقليات والتعددية) في البلاد، تؤسس لحل وطني ديمقراطي حقيقي لهذه المعضلة الوطنية المزمنة، لكن للأسف هذا لم يحصل . الخطاب الكردي يتمحور بشكل أساسي حول حقوق الأكراد، يختزل قضية الأقليات ب(القضية الكردية) وحدها . (الأحزاب والمنظمات والهيئات) الكردية تتعمد تهميش قضايا وحقوق باقي المكونات .. فرغم مشاركة وفود من أحزاب سريانية آشورية في جلسات افتتاح مؤتمرات عامة لأحزاب كردية بارزة ، منها (حزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا) عقد مؤتمره في تشرين الثاني 2015- المؤتمر التأسيس الأول ل(التحالف الوطني الكردي في سوريا) في مدينة عامودا شباط 2016- (حزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا- يكيتي ) عقد مؤتمره في آذار 2016، البيانات الختامية لهذه الأحزاب الكردية خلت من الاشارة الى (حقوق وقضية) السريان الآشوريين السوريين وتجاهلت حقوق القوميات الأخرى. ليس هذا فحسب، فبهدف التشويش على قضية الآشوريين السوريين وتصوير الأكراد على أنهم وحدهم المظلومين والمضطهدين من بين جميع المكونات الغير عربية، يزعم الساسة الكرد بأن الآشوريين (سرياناً /كلداناً) والأرمن ، يتمتعون بحقوق قومية (ثقافية لغوية) ،في إشارة منهم الى تعليم اللغة السريانية والارمنية في المدارس الكنسية الخاصة. أصحاب هذه المزاعم يدركون قبل غيرهم بأن ليس للآشوريين والأرمن أية حقوق قومية (ثقافية لغوية) ينص عليها الدستور السوري. كيف يمكن للآشوريين والأرمن أن يتمتعوا بحقوق ثقافية لغوية والدستور السوري لا يعترف بهذه القوميات ولا بلغاتها كلغات وطنية إلى جانب العربية،علماً أن السريانية كانت (اللغة الوطنية) الأولى لسوريا التاريخية حتى القرن التاسع الميلادي؟؟ . تخصيص أربع حصص أسبوعية لتعليم اللغات( السريانية والارمنية)، وهي لا تعد مواد أساسية، في المدارس التابعة للكنائس إلى جانب المناهج الحكومية يندرج في إطار (هامش الحقوق والحريات الدينية) للمسيحيين باعتبار (الطقوس والشعائر الدينية) للآشوريين والأرمن هي بلغتهم الأم (السريانية - الأرمنية) . هذه (الحقوق الدينية) تعود الى ثلاثينات القرن الماضي وليست هبة او مكرمة من الحكومات السورية ولا من النظام البعثي العروبي القائم في سوريا . لو أن للكرد (طقس ديني) خاص بهم وبلغتهم الأم ، كما للآشوريين والأرمن، لكانوا تمتعوا بذات الحقوق واكثر. كما هو معلوم الأكراد مسلمون كتابهم القرآن وطقوسهم باللغة العربية. جدير بالذكر، أن جميع المدارس الكنسية الخاصة(سريانية آشورية كلدانية- ارمنية) بنيت على نفقة الاهالي وهي لا تتلقى أية مساعدات مالية أو عينية من الدولة السورية .
لا نجافي الحقيقة إذا ما قلنا : بأن (الحركة الكردية) غير معنية بقضية الديمقراطية وحقوق الإنسان السوري وحل (مشكلة الأقليات) إلا بقدر ما تخدم وتحقق تطلعاتها وأحلامها القومية. حتى الفدرالية أو اللامركزية بالصيغة التي تطرحها القوى الكردية كخيار لحل معضلة الأقليات والتعددية في سوريا ، تندرج في اطار إحقاق مشروعها القومي المتمحور حول ما تدعيه زوراً بكردستان سوريا أو الغربية . جاء في (البرنامج السياسي) ل (وثيقة التفاهم #17-06-2020# ) بين ما تعرف ب (أحزاب الوحدة الوطنية) ، المنخرطة في ما تسمى ب( الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا) و أحزاب (المجلس الوطني الكردي): سوريا دولة موحدة لكل سكانها نظامها فيدرالي يحصل الأكراد فيها على جميع حقوقهم بما فيه حق تقرير المصير . طبعاً، مطلب (حق تقرير المصير) يخفي نزعة انفصالية . حل (مسألة الأقليات القومية) ومن ضمنها حل (القضية الكردية) على قاعدة الشراكة الوطنية ، التي تطالب بها (القوى الكردية)، لا تعني أن يتساوى الأكراد السوريين بكامل حقوق وواجبات المواطنة مع بقية مكونات المجتمع السوري ، وإنما أن يكون للأكراد اقليم كردي فدرالي، ليعلنوا الانفصال عن سوريا حين تأتيهم الظروف المناسبة، على خطى أشقائهم أكراد العراق ،حيث أجروا استفتاءاً شعبياً على انفصال الإقليم الشمالي عن العراق (#25-09-2017# )، رغم رفض الحكومة الاتحادية في بغداد لهذا الاستفتاء.
القائمون على ما تسمى بالإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا ، التي أفرزتها الحرب السورية الراهنة، يقدمون إدارتهم على أنها النموذج الأمثل لحل مسألة الأقليات والتعددية والعيش المشترك في سوريا ودول المنطقة. نتمنى لو أنها كذلك ، لكن الشعارات الكبيرة أخوة الشعوب والأمة الديمقراطية والمقولات المنمقة الخاصة بالديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان والعيش المشترك، الواردة في العقد الإجتماعي لهذه الإدارة، لم تترجم إلى أفعال على أرض الواقع.. فلا مشاركة فعلية متوازنة في هذه الإدارة لباقي المكونات ولا حتى للأحزاب والكيانات السياسية والاجتماعية المنخرطة فيها. بالمحصلة هي إدارة كردية فرضت بقوة السلاح، تفتقر إلى الشرعية الوطنية والدستورية، يحكمها (حزب الاتحاد الديمقراطي) الكردي، وفق عقلية الحزب القائد، تندرج في إطار (المشروع القومي الكردي)، الذي تعمل عليه القوى الكردية في المنطقة.
يتبع… (الأحزاب السريانية الآشورية ومسالة الأقليات في سوريا ).[1]