مواقف المثقفين و مسار تقدم الشعب العراقي في الوقت الراهن
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 2503 - #22-12-2008# - 08:27
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
ليس بمقدورنا ان نعمم ما يصدر من احد على افعال كافة شرائح الشعب ، لانه اي الشعب يحوي مجموعة من الفئات المتنوعة التي تختلف من حيث التكوين و التركيب و الشكل و الجوهر عن بعضها البعض . و تختلف درجات صلتهم بالواقع و مدى تاثيراتهم على مسار الحياة .
الفئة التي لا يمكن تصنيفها استنادا على مهنتها او افعالها ، و هي تعي ذاتها و ذات شعبها بشكل كامل وفقا لما لها من صلة مباشرة بواقعها و بمواريث امتها الفكرية و الحضارية ، و بمقدورها ادراك ما يمت بواقع مجتمعها الثقافي السياسي الاجتماعي الاقتصادي ، و بناءا على مدى تفسيرها و تحاليلها هي تاخذ موقفا ذو تاثير مباشر على مسار تقدم امتها ، و اتباعها لخطوات عملية ان امكن لتغيير ما هو العائق امام آفاق تصوراتها العقلية و نظرتها لمستقبل شعبها، هي الفئة المثقفة .
تتوقف مساحة عمل اي مثقف على العلاقات المتبادلة المتاثرة و المؤثرة بينه و بين المؤسسات المدنية و الثقافية و السلطة بشكل عام .
المثقف الذي يبدر منه ما يفيد المجتمع مستقبلا ، اما باتباع مواقف ايجابية في المسائل اليومية المطروحة او سلبية لرفضه اياها و لاسبابه او اعتقاداته الفكرية المبدئية الذاتية استنادا الى خلفيته الفكرية العقيدية .
ان الواقع الاجتماعي السياسي لهذه المنطقة يفرض على المثقف اما ان يكون مواليا للسلطة القائمة و يعيش رغيدا، و يتوقف هذا على مدى ادراكه لما عليه الوضع و صفاته و اخلاقياته و ايمانه بالقضايا، او معارضا يعتقد ان الوضع ليس بمستوى طموحه و له افكار و اعتقادات اخرى و يطرح البديل بما يفيد امته في الوقت المناسب ، اما الصنف الثالث فهم اللامبالون بما يجري و لهم تحفظاتهم و مواقفهم التوفيقية ، او الذين لا يعلنون عن شيء اصلا و يكيٌفون انفسهم مع المستجدات ، و لا يكون لهم اي تاثير يذكر على الواقع و متغيراته رغم وعيهم بما هو الصح في كيفية تسيير امور الحياة ، و يقفون على بعد متساوي من كافة القضايا .
بعد ان عمت الفوضى العارمة و الارهاب ارض العراق اثناء سقوط الدكتاتورية ، اختفى دور المثقف بشكل كامل و ارتفعت اصوات السلاح و السلاسل و التنهد ، و تدخلت العديد من الاطراف في تعقيد الظروف انتقاما من ما اقترفه النظام السابق اما تشفيا للغليل او شماتة ، لان المتضررين و من تلقى الاذى كثيرون داخليا و خارجيا ، و لم تكن هناك اجندة و مخططات داخلية لتنظيم الاوضاع التي آلت اليها ، فاولى الفئات و الشرائح التي تضررت هم الطبقة المثقفة الملتزمة بالمباديء و الاخلاقيات الانسانية التقدمية و حاملة للثقافات العلمية و الادبية و المؤمنة بتاريخ الشعب العراقي و مستقبله و حضارته و تراثه الغني . و توارى عن الانظار لمدة طويلة المثقفون قاطبة ، و استقر بعض منهم في وراء الحدود او هاجروا و تهجروا داخليا و انسدت الطريق امام بيان ننتاجاتهم و مواقفهم بشكل قوي و انغلقت الابواب امامهم موصدة لا يمكنهم العودة عن النكسة التي وقعوا فيها خلال فترة مابعد السقوط ، و لم يتمكنوا من ابداء اراء او نتاجاتهم الثقافية من اجل ايجاد سبل استنهاض العملية الثقافية في البلاد.
اما اليوم لقد ازيل العائق الاكبر تقريبا و هو الارهاب بجميع اشكاله و بشكل ملحوظ و عادت الامان نسبيا و تمكن البعض من مزاولة ما يجول في خاطره و ايمانه و عقله باشكال متنوعة و لكن على خجل لحد اليوم، و نشاهد مواقف و نتاجات لها صدى ولو غير قوي على مسار الحياة الاجتماعية السياسية ، و تتطلب هذه البدايات دوافع قوية اخرى للعودة الى سكتها الطبيعية الصحيحة و لتاخذ دورها الرئيسي في التغيير للواقع الراهن و قطف ثمار الاعما ل مستقبلا . لابد ان تُستغل الحرية المتاحة بعد كبتها لعقود لتقوية المواقف و الاصرار على التغيير و ازالة المعوقات السياسية الاجتماعية بخطى ثابتة ، و للمثقف دوره المعهود في كافة المجالات ، و الوضع الراهن يتطلب جهودا مضنية و استثنائية جبارة فكريا و عمليا من الجميع للحاق بالتقدم العالمي .
و عليه ان قيٌمنا الوضع و الظرف الحالي للعراق من جوانبه السياسية و الاجتماعية و الثقافية و الاقتصادية نتاكد بانه يحتاج الى اراء و مواقف علمية دقيقة مخلصة من اجل الوقوف على الركائز الصلبة ، و ليست هناك فئة اوكتلة اجود و احسن من الشريحة المثقفة لابداء ارائهم و مواقفهم المؤثرة على كافة المجالات ، و هو المطلوب في هذه اللحظات من تاريخ الشعب العراقي ، و هذا ما يحتاج الى تعاون الجميع لوضع خطة علمية دقيقة في كافة الاختصاصات وتامين المستلزمات و توفير الاليات ، و بامكان الشعب فعل ذلك لمقدرته الذاتية و احتوائه على عقول مبدعة لا تستهان بها.[1]