الحكومات المحلية ومعطيات ما بعد الانتخابات العراقية !
مقالات / عادل الجبوري
في الحادي والعشرين من شهر كانون الثاني-يناير الجاري، صادقت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق، على نتائج انتخابات مجالس المحافظات التي جرت في الثامن عشر من الشهر الماضي، في كل محافظات البلاد ما عدا محافظات اقليم كردستان الثلاث، اربيل ودهوك والسليمانية.
وتشكل مصادقة المفوضية على نتائج الانتخابات خطوة اخرى في الطريق نحو تشكيل الحكومات المحلية الجديدة على ضوء مخرجات صناديق الاقتراع، بعد استكمال كل الاجراءات الفنية وحسم القضايا الاشكالية المرتبطة بالاعتراضات والطعون.
بيد ان الجانب الاكثر تعقيدا وصعوبة، يتمثل بالشق السياسي في ملف تشكيل الحكومات المحلية، لانه وان خضع للغة الارقام التي تمخضت عن الاجراءات الفنية البحتة بكل مراحلها، الا انه يخضع للكثير من الحسابات السياسية، التي تندرج تحت عناوين ومسميات المفاوضات والتنازلات والترضيات والصفقات والمساومات والاشتراطات بين الفرقاء من داخل المكون الواحد، وفيما بين الفرقاء من هذا المكون وذاك في المساحات المتداخلة.
ففيما يتعلق بالاطار التنسيقي الشيعي، فان القوى المكونة له، خاضت الانتخابات المحلية الاخيرة، اما منفردة او عبر تحالفات وائتلافات ثنائية او محدودة، لذلك فأن كل طرف يفترض ان يتحدث ويطالب ويفاوض وفقا لحجمه الانتخابي، وبما يعني ان الحكومات المحلية في معظم محافظات الجنوب والفرات الاوسط، سيكون محور تشكيلها وادارتها من قبل المتصدرين، وهما كل من تحالف نبني (هادي العامري والشيخ قيس الخزعلي وفالح الفياض)، وائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، وبدرجة اقل تحالف قوى الدولة الوطنية(السيد عمار الحكيم وحيدر العبادي)، اي ان منصب المحافظ ورئيس مجلس المحافظة سينحصر بين اصحاب المركزين الاول والثاني، في حين ستؤول مواقع نواب المحافظين ونواب رؤساء مجالس المحافظات، ورئاسات اللجان الى القوى الاخرى. وهذا الامر يتطلب مفاوضات ماراثونية مرهقة بين الكبار والصغار، وهي بدأت بالفعل منذ وقت مبكر، لكن حسم نتائج الانتخابات والمصادقة عليها يفترض ان يسرع وتيرة تلك المفاوضات، علما ان كل الترتيبات والتفاهمات لابد ان تجري بين الزعامات في بغداد اولا واخيرا.
وبخصوص المحافظات التي حازت القوائم التي يترأسها المحافظون، على اعلى الاصوات والمقاعد، مثل البصرة وواسط وكربلاء، فانه وفق مخرجات العملية الانتخابية، فأنهم سيحتفظون بمناصبهم التنفيذية العليا في محافظاتها، بيد ان ذلك يحتم عليهم التفاوض مع الكتل الكبيرة المنافسة، او بتعبير ادق واوضح، مع الاطار التنسيقي، علما ان الاخير اعلن في وقت سابق، ان التوجه العام يتمثل في تغيير كل المحافظين، وهي اشارة ضمنية الى انه يرفض الابقاء على اي محافظ حالي. وهذا يقتضي ان تكون هناك مساحة تفاوضية اخرى، غير المساحة الداخلية للاطار نفسه. لابد ان تحسم امر المحافظات الثلاث المشار اليها-البصرة وواسط وكربلاء- واذا لم يتمكن الاطار من فرض رؤيته بالكامل، وكذلك المحافظين الفائزين، فانه من الطبيعي جدا ان يقبل ويذعن الطرفان- او اطراف القضية-للحلول الوسط بنسبة معينة. وفي كل الاحوال، وبصرف النظر عن لمن سيئول المنصب التنفيذي الاول، فان من يشغله سيكون مقيدا ومكبلا الى حد كبير.
ولايختلف الامر كثيرا بالنسبة للعاصمة بغداد، والاختلاف هنا يكمن في ان المساحة التفاوضية سيكون طرفاها الاطار التنسيقي الشيعي، وحزب تقدم السني بزعامة رئيس البرلمان المخلوع قضائيا محمد الحلبوسي، اذ ان مجمل المؤشرات تذهب الى ان منصب محافظ بغداد سيذهب الى الاطار، وتحديدا الى ائتلاف دولة القانون، وهو ما يستدعي تلقائيا ذهاب منصب رئيس مجلس المحافظة الى حزب تقدم بأعتباره احد المتصدرين انتخابيا في العاصمة، في حين ستتوزع المواقع الاخرى بين قوى الاطار وبعض القوى السنية الاخرى.
ولن تبتعد اجواء المفاوضات حول حكومة بغداد المحلية، عن اجواء المفاوضات لحسم الامور في محافظة ديالى، والى حد ما محافظة صلاح الدين، ارتباطا بالتداخل المكوناتي فيها من جانب، وتعدد الفرقاء المتنافسين من المكون السني، من جانب اخر.
اما في محافظة الانبار، فان التنافس والمساحة التفاوضية ستنحصر بين قوى المكون السني، علما ان حزب الحلبوسي نجح في الاحتفاظ بموقع الصدارة فيها، لكنه لم يفلح في تحقيق نتائج جيدة بمحافظات صلاح الدين ونينوى وكركوك، في ظل وجود قوائم وكتل منافسة له بقوة، مثل قائمة محافظ نينوى السابق نجم الجبوري، وقائمة حزب الجماهير الوطنية برئاسة احمد الجبوري في صلاح الدين، وقائمة الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الشيوعي العراقي في كركوك.
وبما انه لم يتمكن اي طرف سياسي من حصد اكثر من نصف المقاعد في اي محافظة من المحافظات المشار اليها، وبما ان هناك تقاربا في نتائج بعض الفرقاء، فأن عملية حسم الامور قد تتطلب وقتا طويلا، واغلب الظن انها ستنتهي الى توافقات هشة وتفاهمات فضفاضة، تكون مخرجاتها عبارة عن ادارات محلية ضعيفة تحكمها المساومات والاملاءات اكثر من اي شيء اخر، لاسيما في محافظة كركوك التي تمتاز بنسيجها الاجتماعي والسياسي المتنوع قوميا وطائفيا ودينيا، بوجود المكونات العربية والكردية والتركمانية، وكذلك المسيحية.
ولعل اعتماد ذات المعايير السابقة في تشكيل الحكومات المحلية والمواقع العليا المختلفة في المحافظات، سوف يفضي الى اعادة انتاج نفس المشاكل والازمات السياسية والاقتصادية والامنية، بما حفلت به من فساد اداري ومالي، وسوء ادارة وتخطيط، وتخبط وفوضى.
فضلا عن ذلك، فان الحكومات المحلية الجديدة، اذا لم تتحرك بنفس مسارات الحكومة الاتحادية في برامجها ومشاريعها وخططها الخدمية والتنموية، وبدلا من ذلك، تستغرق في الصراع والتنافس الحزبي الضيق على المصالح والمكاسب والامتيازات الخاصة، فانها تكون قد حكمت على نفسها مبكرا بالفشل والاخفاق مرة اخرى.[1]