رأي في الحوار الكردي
اكرم حسين
الحوار المتمدن-العدد: 6721
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
في البداية ، لا بد من التأكيد ، وبعيداً عن الرغبوية السياسية ، على ان الحوار الذي يجري بين #المجلس الوطني الكردي# واحزاب الوحدة الوطنية بإشراف وضمان الولايات المتحدة الامريكية ، لتوحيد مكونات المنطقة في الجزيرة ، وتالياً المعارضة السورية ، هي خطوة لكسر الجمود واختبار حقيقي لتفاعل كل القوى السياسية والاجتماعية والثقافية الموجودة في سوريا ، وهذا يستدعي الابتعاد الفوري عن الخطاب الشوفيني والاتهامي ، وعدم اختراع الاكاذيب باتهام الكرد بالمشاريع الانفصالية او محاولات تقسيم سوريا ، والارتباط بأجندة خارجية ، والى ما هنالك من احاديث المظلومية والتهجير والتغيير الديمغرافي .
ينبغي ان يدفع هذا الى اجراء حوار حقيقي علني وشفاف بين الكرد وبين سائر مكونات سوريا الاخرى ، لا يجاد حل للمشكلات العميقة ، والمشاركة في مفاصل القرار، وتبديد الهواجس والمخاوف لدى الجميع ، بعيداً عن الغرق في مستنقع الاتهامات الكيدية ، وتبادلها عبر الافراد والجهات التي تعمل على تعطيل الحوار وافشاله .
لا شك بان هناك تعقيدات داخلية وخارجية مرتبطة بالخارج الاقليمي والدولي في سيرورة هذا الحوار الذي لم يكتمل بعد ، وقد شهد تباطأ ملحوظا في الآونة الاخيرة ، وصل الى درجة التوقف وانعدام السرعة ، ومن هذه التعقيدات الموقف التركي وموقف السلطة السورية وحلفائها ، اضافة الى ارتباط بعض اطراف الحوار بمراكز خارجية ، وتنفيذهم لأجندات اقليمية او دولية وهو ما أدى الى خلق بروبغندا اضافية ، وحصول بعض اللغو الذي نسمعه احياناً حول التشكيك في عدم جدية المجلس الوطني الكردي –والذي لا يعدو ان يكون منافياً للواقع- واللجوء الى المسيرات ، ورفع صور اوجلان ، وجعلها الاكثر استخداما في الدعاية المذكورة .
لا يمكن لأي عاقل ان يعتقد في أي وقت من الاوقات بان الحوار الكردي سيكون سهلاً وبسيطاً بسبب التعقيدات الموجودة في الساحة الكردية ورغبة بعض الاطراف التمسك بالسلطة ، وشدة التدخلات الاقليمية والدولية ، و موقف تركيا الجذري من أي دور كردي محتمل في سوريا .
ان تضافر موقف تركيا والائتلاف اضافة الى مواقف المجموعات الاسلامية الاخرى وبقية السوريين الجذري من ب ي د، يجعل الضغوط شديدة على الحوار وعلى المجلس الوطني الكردي بنسبة كبيرة ، ويصعّب عليه مهمة الوصول الى اتفاق يحظى بالديمومة والاستمرارية .فتحول اقسام كبيرة من المعارضة نحو التحريض والخطاب الطائفي العلني ضد ب ي د او شبه العلني او المضمر تجاه الكرد عموماً ، يعزز خطاب الكراهيّة والعداء، ويرسم خطوط التباعد والانقسام .
لا نجانب الصواب في شيء ان قلنا بان الحوار الذي يجري الان هو مُركب ، وان كان طرفاه كرديان ، لأنه يحمل في طياته الهم الوطني السوري- رغم المطالب الكردية المشروعة-
كما ان المنطقة ستؤول الى المأل الذي الت اليه الامور في كل من عفرين وسري كانيه وكري سبي والمناطق الاخرى فيما اذا تم وأد المفاوضات ، لذلك فان المنطقة امام استقرار هش ووضع حرج ينسف الوضع الحالي الذي تعيشه المناطق الكردية المتبقية والجزيرة السورية بشكل عام ، والامر مرهون بنتائج المفاوضات .
رغم الحوارات القائمة بين الطرفين منذ اكثر من ثمانية اشهر الا ان النظرة العدائيّة لا تزال سارية المفعول بشكل ظاهر لكل ذي عقل ، اضافة الى استمرار القضايا الخلافية التي معظمها يتعلق بحياة الشعب ومصالحه كالتعليم والتجنيد الاجباري وملف المختطفين والمفقودين وتعديل العقد الاجتماعي ، وعدم تدخل أي جهة خارجية في عمل الادارة المشتركة ، وفك الارتباط بين ب ي د وحزب العمال الكردستاني ، وعدم استخدام المنطقة كمنصة للصراع مع تركيا ، ومن الطريف ان ب ي د يتهم المجلس الوطني الكردي بانه الاداة الوظيفية بيد تركيا في الوقت الذي يرتبط هو مع امريكا وايران وروسيا والسلطة السورية . لكن الطريف ايضاً ان الطرفين يدَّعيان حرصهما وتمسكهما بالحوار ، وبعدم الاستغناء عنه ، ولا يكفّان عن المناشدة وتعليق الآمال عليه ، والتحذير من انهياره ، ومن تداعياته المحتملة على الكرد والمنطقة عموماً ويغرقان في كيل الاتهامات .
وهنا لا بد ان نتساءل اين تقع المصلحة القومية والوطنية لكرد سوريا ؟ هل المصلحة هي في استمرار حالة العداء والصراع بين المعارضة وتركيا ، وبين اجندات الحوار الكردي المحتملة ؟ ام ان هذا العداء هو شكلي وظاهري ، لان القضية الكردية هي قضية مركبة ببعديها الوطني السوري والقومي الكردستاني ، ولها انعكاسات حقيقية على مصالح الكرد خصوصاً والشعب السوري على وجه العموم .فالكرد هم حلفاء حقيقيون للمعارضة وللشعب السوري عموماً دون ان ننسى ولو للحظة بان الكرد انفسهم سوريون ، وليسوا قادمين من بلدان اخرى كما هو عليه حال المجاميع المسلحة التي تدربت وقاتلت الى جانب تركيا وايران وروسيا والسلطة السورية لكن تمسك الكرد بهويتهم الكردية بالشكل الذي هو عليه الان ، يعود الى عدم قدرة المعارضة على تفهم مطالبهم ، والتعامل معهم بذات عقلية السلطة المستبدة .
لقد كان الكرد الى جانب الثورة السورية في بداية الانتفاضة قبل التحولات والانزلاقات التي حصلت باتجاه الأسلمة والتطرف الديني والطائفي ، ومعاداة حقوق القوميات . لكن المأخذ الذي تمسكه المعارضة على الكرد هو اعتمادهم على طرف خارجي – امريكا- وتعتبره احد اركان المؤامرة على سوريا بتحويلها الى كيانات هشة واقامة دويلة كردية وتقسيم سوريا المتبقية .دون
أي حديث عن التدخل التركي ، والدور الذي تلعبه في اطار المعارضة السورية ؟.
ان المجموعات المسلحة والائتلاف لم يعد لديهم من هدف سوى اسقاط الكرد ، واحتلال مدنهم وقراهم سواء بقي النظام ام لم يبق ، و قد تلاشى خطاب الديمقراطية والعدالة ، والكرامة والمواطنة المتساوية ، ناهيك عن شعار حق تقرير المصير للشعب الكردي في سوريا - انَّ من شأن هذا ان حصل – وفعلا حصل - سيفقد المعارضة مصداقيتها واخلاصها وشرعيتها .
ومن المؤسف ان هذا الوضع لا زال مستمراً بشكل او باخر ، لا بل ان منسوب الكراهية الفعلي لازال يتوسع ويتعشعش بشكل يتجاوز حدود المعقول في نفوس واذهان الكثيرين ممن كانوا ينبذونه ويتعففون عن استخدام بعض المصطلحات التي باتت في التداول اليومي لأتفه الاسباب.
لا يمكن لأي ذي عقل نكران علاقة ب ي د مع حزب العمال الكردستاني ، والتي تؤكدها كل تصريحات وممارسات مسؤوليهم اليومية دون أي اكتراث بآثارها وتداعياتها على كرد سوريا والسوريين عموما ، لكن عقلنا لا يستطيع ايضاً ان يعترف بان ب ي د يمتلك هامشا من الاستقلالية والمناورة فيما يتعلق بسياساته ، وعلاقاته التكتيكية . لأننا سنخسر في هذه الحالة حالة المطالبة بقطع العلاقة بين ب ي د و ب ك ك او اخراج كوادره من كردستان سوريا ؟
ترتبط كل المجموعات المسلحة بأجندات عابرة لحدود الوطن حتى لو ادعت النبوءة ويقف معظمها في صف اعداء الشعب السوري ، لأنها تهدد وحدة الاراضي السورية ، وبذلك تكون الديمقراطية ، ومناقشة القضايا الاخرى بدلالاتها هي الخيار الحقيقي والموضوعي لأي فرد او جماعة وطنية او قومية او سياسية تؤمن بالحقوق ، وبالقيم الانسانية العليا .
الاعلان عن بعض التفاهمات الاولية (الرؤية السياسية- المرجعية- مواضيع الادارة ) رغم الصراع المحتدم في الجوهر حول بعض القضايا الخلافية ، وخاصة الفصل التام بين ب ي د وب ك ك هو امر ايجابي يمكن البناء عليه ، وتذليل العقبات المتبقية في الافق المنظور حتى لو لم يكن هناك افق قريب لاتفاق كلي وشامل - ان من شأن هذه التفاهمات – وهذا ما حصل في الواقع العملي- ان تؤدي الى خفوت حدة الصراع ، والاتهام بين الاطراف المتخالفة ، وهذه هي الحقيقة الفاعلة في الاساس لتحديد الموقف من القضايا الخلافية المتبقية ، ومن انجاز الاتفاق ككل .
توحيد موقف الكرد وانتاج خطاب وطني ديمقراطي قادر على مخاطبة كل مكونات الشعب السوري ، وتفكيك كل الخطابات الأخرى – السلطوية والمعارضة – من شأنه اسقاط الذرائع والحجج التي تدعيها تركيا والمجموعات المرتبطة بها بما فيها السلطة السورية وحلفائها واكتساب المصداقية ، والقدرة على استحضار مواقفها لصالح القضية الكردية .
لابد من بذل الجهود القصوى في الحوار سواء بين المجلس الوطني الكردي واحزاب الوحدة الوطنية او بينها وبين القوى الوطنية والديمقراطية الكردية والسورية التي تؤمن بالديمقراطية والعلمانية والحوار سبيلا لحل الخلافات والمشكلات البينية وعدم الاستسلام للصعوبات والعقبات التي تقف في طريق هذه الحوارات لان أي حوار هو مفيد في النهاية حتى وان لم يؤدي الى نتيجة .
التشظي القائم في الساحة السياسية الكردية السورية قد يعود جزء منه الى العامل الذاتي والصفات الشخصية والطبيعية للكائن البشري ، لكن الواقع الموضوعي ، والانتماء العقائدي والسياسي ، والانحياز الجهوي ، والتدخلات المحلية والاقليمية تفعل فعلها في ابطاء عجلة الحوار ، وزيادة الوضع سوءا وعدم التوصل الى نتائج حقيقية قريبة في الحوار .
اعتقد بأن الظروف الموضوعية على الارض ، وفي المجتمع هي في صالح الحوار والوحدة الكردية ، لان البشر قد تعبوا من الحرب والظروف الاقتصادية والاجتماعية السيئة التي رافقتهم طيلة السنوات الماضية ، وهم بحاجة الى ان يستعيدوا ارادتهم في الحياة الطبيعية ، والعيش الكريم ، بلا خوف او تهديد.[1]