د. تارا إبراهيم
في عام 1930، كانت اجاثا كريستي في الاربعينات من عمرها ومطلقة منذ زمن ليس ببعيد،غادرت حينها بريطانيا العزيزة على قلبها وكذلك مهنتها في مجال الادب هناك، ورحلت الى العراق الى موقع (اور) بالذات في محافظة ذي قار. وهي تسير على خطى عالم الآثارماكس مالوان البالغ من العمر 25 عاما والذي تزوجته بعد شهر من رحلتها بصحبته . لذا فبعد مرور خمسة فصول من التنقيبات المستمرة الى العام 1939، بدأت تروي بمزيج من الحنين والفكاهة وبفن بارع من السخرية الذاتية مغامراتها في تلك المنطقة. هذه المغامرات التي الهمتها كتابة ثلاثة من اعمالها المشهورة جريمة في قطار الشرق السريع و جريمة في بلاد الرافدين وموت على ضفاف النيل .
برفقة زوجها،عالم الآثارماكس مالوان ، قامت الروائية أجاثا كريستي بعدة رحلات بين ىسوريا والعراق، وكانت تروي بكثيرمن الفكاهة تفاصيل اقامتها المستمرة في المخيمات بين الحسكة والقامشلي مع فريق من العمال العرب والأرمن والايزيديين الكورد. ومن خلال شخصيتها القوية والمستقلة وملاحظاتها الدقيقة ، استطاعت ان تتعرف على النساء الكورديات اللواتي وصفتهن بالفخورات بأنفسهن وذوات ارواح مرحة مقارنة بالنساء العربيات الخجولات ، لقد سردت في احد كتبها الروائية وعالم الآثار مشاهداتها من خلال احد النصوص :
لمحت من بعيد مجموعة من النساء القادمات نحوي، من خلال الوان ملابسهن البهيجة استنتجت انهن كورديات، كن مشغولات بجمع النباتات واوراقها ، تقدمن مباشرة الى المكان الذي كنت استريح فيه ومن ثم جلسن حولي.
هؤلاء النساء جميلات بقدر ماهن سعيدات، يرتدين ملابس زاهية الالوان، وأغطية رأس برتقالية، وفساتينهن ذات الوان خضر وصفر وبنفسجية، نساء ممشوقات القوام، عاليات الرأس ذوات نظرات بعيدة، يمنحن انطباع الفخورات من خلال منظرهن. لهن وجوه برونزية وملامح جميلة وخدود حمر وبصورة عامة كانت عيونهن زرقا. أما الرجال الكورد فهم يشبهون - اللورد كتشنر- من خلال مشاهدتي لصورته التي كانت معلقة في الحضانة التي وضعوني فيهاعندما كنت طفلة. رجال ذوو وجوه حمر قرميدية وشوارب بنية كثة وعيون زرق لهم ملامح المقاتلين الفخورين بأنفسهم .
في هذا الجزء من العالم، نجد العديد من القرى الكوردية والعربية القريبة من بعضها. فكلا الشعبين له نمط الحياة نفسه، والدين نفسه، ولكن في جميع الاوقات والظروف يمكن ان نميزالنساء الكورديات عن العربيات. فالاخيرات خجولات لدرجة تلفت الانظار، وعندما يتكلمن معي يشحن بانظارهن بعيدا ولكن عندما يبتعدن فهن ينظرن الي ويراقبنني. فهن يبتسمن بخجل و يخفين نظراتهن، وفي معظم الاوقات يلبسن ملابس سودا اوغامقة اللون. والمرأة العربية لاتتحدث مع الرجال على عكس المراة الكوردية التي لها قيمها الخاصة فالكورديات متساويات مع الرجال واكثر.عندما يخرجن من منازلهن، فهن يمزحن مع المارة، ويقضين يومهن الى آخره بمرح تام. لايترددن في مناقشة ازواجهن بجرأة، لذا فالعمال العرب القادمين من جرابلس و الذين يتعاملون مع النساء الكورديات يشعرون بالصدمة إزاء ذلك.
هذا الصباح، نسائي الكورديات ينظرن الي بنظرات ثاقبة وبإهتمام دون رياء، ويتبادلن التعليقات. فهن ودودات جدا، يتكلمن معي بالاشارات، ويسألنني أسئلة عديدة ، ومن ثم يتنفسن الصعداء وبعدها يحركن رؤوسهن ويبرمن شفاههن ويقلنا لي بوضوح: كم هو مؤسف الا نستطيع ان نتفاهم.
يمسكن بذيل تنورتي ويفحصنها بعناية، ومن ثم يلمسن يدي ، ويخيل إلي انهن يتساءلن في انفسهن فيما اذا كنت زوجة خواجة ؟ ومن ثم يطرحن اسئلة كثيرة وعندما لايفهمن اجاباتي عنها، يبدأن بالضحك..ربما وددن معرفة كل شي عن اطفالي واجهاضي ...
ومن ثم يحاولن ان يفسرن لي عن استخدام الاعشاب والاوراق التي يجمعنها، ولكن دون جدوى، فينفجرن في الضحك من جديد..لذا يرحلن بإماءة وابتسامة ، أو يذهبن ضاحكات. هؤلاء النساء يذكرنني بباقة من الزهورالمشرقة ذات الوان نابضة بالحياة...وهن يعشن في أكواخ من الطين وليس لديهن سوى القليل من القدوروالمقالي، ولكن الاجمل هو فرحهن وضحكهن العفوي. وجودهن وجانبهن الثوري ساحر جدا..فهن فاتنات وقويات ومشعات.[1]