الكُلُّ مع الاستفتاء … ولكن
دلبرين فارس
مشروع الاستفتاء الذي تم طرحه مؤخراً والذي لم يلقَ قبولاً من قبل الجماعة الإسلامية (كوملي إسلامي) وحركة التغيير، ككتلتين سياسيتين كبيرتين في #جنوب كردستان# ، بالإضافة إلى تياراتٍ سياسية أخرى، هذا الطرح أثارَ جملةً من التساؤلات وردود أفعال مختلفة حول مدى جدية ومشروعية هذا الطرح من كافة النواحي، خاصة وإن الطرف الذي يقترح الاستفتاء ويصرّ عليه هو الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم.
لطالما تطرّق الديمقراطي الكردستاني تكراراً ومراراً لهذا المشروع، فهل الغاية منه هو حقاً متعلق بتقرير المصير، ونابعٌ من إرادةٍ حقة يعبّر فيه الشعبُ بكل مؤسساته ومنظماته السياسية والاجتماعية عن إرادته وحقه في تقرير مصيره بشكلٍ حرٍ وديمقراطي؟.
لكن كيف ستتمثل تلك الإرادةُ والبرلمان معطلٌ منذ فترة ليست بالقصيرة، ورئيس البرلمان ممنوع من مزاولة مهامه. نعلم أن هذه الأزمة أُثيرت على خلفية انتهاء ولاية رئيس الإقليم من جهة، بالإضافة إلى جملة من القضايا القانونية والسياسية والاقتصادية العالقة، والتي يبدو أن الديمقراطي سيطوي كل تلك الأزمات من خلال هذا الطرح من جهة أخرى.
المتابع للتصريحات التي يدلي بها الديمقراطي، يرى فيه الباحثَ عن مدخلٍ يمرّر من خلاله مشروعاً حزبياً ضيقاً كنتيجة أولية، وهذا ما يفسَّر من مقترح الديمقراطي على الاتحاد الوطني والذي قام بدوره بتوجيهه إلى حركة التغيير المعارضة، هذه الرسالة كانت على الشكل التالي:
“إعادة تفعيل البرلمان يكون أول جلسة برئاسة يوسف محمد، ثم يتم اختيار هيئة رئاسية أخرى للبرلمان”.
بالطبع هذه المحاولة رُفضت من قبل التغيير، الذي أكد على ضرورة تفعيل البرلمان بهيئته الرئاسية الحالية، حلاً لكافة المشاكل والقضايا القانونية والسياسية في #إقليم كردستان# وحلاً للأزمة المالية، وإن البرلمان كأعلى مرجع قانوني وشرعي واجبهُ مناقشة جميع القضايا التي تتعلّق بمصير الشعب ومستقبله”.
إذاً هذا الردّ من حركة التغيير بمثابة عدم قبول أيّ تفاوضٍ أو مقترحٍ حول تفعيل البرلمان بشروطٍ يفرضها الديمقراطي من طرفه أو عبر وساطة الاتحاد الوطني، ويبدو أن هذا الموقفَ يشارك فيه إلى جانب التغيير أطرافٌ سياسة أخرى كالجماعة الإسلامية (كوملي إسلامي) وغيرها من التيارات الكردستانية التي ترى أن عملية الاستفتاء يجب ألا تكون لمصالح حزبية شخصية، ولا يحدّده طرفٌ بحدّ ذاته، بل يجب أن تكون عملية وطنية جامعة وشاملة واستراتيجية، وليست ورقة يستخدمها طرفٌ ويتم توظيفه بين الحين والآخر لأهدافٍ سياسية وأجنداتٍ آنية.
من جانبه يرى الحزبُ الديمقراطي الكردستاني أنّ مشروعَ الاستفتاء يتجاوزُ السلطةَ التشريعية والأزماتِ السياسية والاقتصادية التي يعاني منها الإقليمُ.
يتبين ذلك خلالَ حديثٍ لعضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني، والناطق باسم المكتب محمود محمد: يقول فيه “هناك قراراً بإجراء استفتاء، وإن الاستفتاءَ لا يحتاج لقانون، فقد تم تشكيل لجنة ستتولى وضعَ الخطوات والآليات اللازمة”.
وفي تتمة لحديثه يقول محمد: “أما بالنسبة لإقناع الأطراف الإقليمية وفي مقدمتهم إيران وتركيا،… يمكن إرضاء إيران بالطريقة ذاتها، التي أرضينا بها تركيا، لأنَّ لدينا مصالح وعلاقات مشتركة مع كل من إيران وتركيا”.
السيد محمد أنهى المشروعَ وحسمهُ من طرفه وبتَّ فيه داخلياً ولا يهمّه بكلّ بساطةٍ محاولة جرّ التغيير إلى الموافقة عليه عبرَ الاتحاد الوطني.
الاستفتاءُ والاستقلالُ ونظامُ الحكم وحقّ تقرير المصير، حقٌ طبيعي ومشروع لأيّ شعبٍ يعيشُ على أرضه، والكل متفقٌ على ذلك بما فيها المؤسساتُ والمنظمات الدولية، طالما الأمر يُعبّر عن رغبةٍ وآمالٍ شعبية، فالكلّ يدعو إلى أن يتمّ تفعيل المؤسسات التشريعية والقانونية والمجتمعية الديمقراطية في جنوب كردستان، والكل يأمل في أن لا يكون هذا الاستفتاءُ بوابةً لتمرير أجنداتٍ فردية وحالةٍ لاستنزاف الآخر ومحاولة للتهرّب من عدم المسؤولية تجاه الأزمات الداخلية، ومحطةٍ لتأزيم التناقضات الملتهبة أصلاً على الصعيد الداخلي.
ومن هنا فإن مشروعَ الاستفتاء كعملية مؤسساتية مجتمعية ديمقراطية بحاجة إلى ظروفٍ وشروطٍ مناسبة، وأعتقد بأن الأوضاعَ السياسية والاجتماعية والاقتصادية، لم تصل إلى مرحلة النضوج بعد، ومن هذا المنطلق ومن خلال ما وردناه، يمكن أن نستشفَّ أن عملية الاستفتاء لن تكون سوى مناورةً سياسية، وتشريعاً لما هو موجودٌ على أرض الواقع في هولير والسليمانية، وستُستخدم كما جرت العادة كورقة ضغط على الأطراف السياسية الأخرى الخارجة عن محور السلطة في الإقليم، كما يمكن التعويلُ عليه لفرض نوعٍ من الضغط السياسي.
كذلك لا يمكن المراهنة على الدول الأوروبية والإقليمية خاصةً، لدعم استفتاءٍ يقرر فيه مصير #الشعب الكردي# يرى فيه الجوار الإقليمي الخطر الأكبر على سلطتها وسلطة حلفائها.
ومن هنا فإن الالتفافَ حولَ الدعوة التي دعا إليها المؤتمر الوطني الكردستاني KNK)) والمتعلقة بتوحيد الصفّ الوطني ولملمة الشتات سيسهم بشكلٍ إيجابي ومباشر على كل تلك القضايا بما فيها قضية الاستفتاء، لتحوّلَ بذلك هذه القضية من مشروعٍ حزبي إلى مشروعٍ وطني يلبّي حقيقةَ الواقع الكردستاني.[1]