معاً لتدوين تاريخ المرأة الحرة
فالنتينا عبدو: لنصعد نضالنا من أجل تحقيق آمال الشهداء وحماية ميراثهم
فالنتينا عبدو
المرأة أدّت دورًا فعالاً وريادياً في المجتمع من حيث ازدهاره وتطوره؛ لكونها جزءاً أساسياً لا يمكن الاستغناء عنه ضمن المجتمع، لذلك لا بد من الرجوع إلى التاريخ ودراسته بتعمق، وفهم التاريخ لمعرفة جذور المشكلات العالقة إلى يومنا الراهن وخاصة قضية المرأة التي تُعدُّ من أهم القضايا التي لم تُحل بعد بشكل جذري، حيث يقول القائد عبد الله أوجلان بهذا الصدد (حتى الآن لم يتم كتابة تاريخ عبودية المرأة، ولكن تاريخ حرية المرأة ينتظر التدوين).
عند بحثنا في التاريخ نجد أن علم الآثار وعلم الأساطير أثبتا أنه قبل أحدى عشر ألف عام كان هناك نظام اجتماعي متمركز حول الآلهة الأم، حيث استطاعت وبجدارة أن تدير المجتمع، وتقوده في جميع نواحي الحياة وُفْقَ مبدأ (الكل أو اللا شيء) في جو من التعايش السلمي والحب والمساواة والعدالة بين جميع أفراد “الكلان” دون تمييز، ولأن ذكاءها العاطفي والتحليلي كانا متوازنين في ذلك الوقت، فقد اكتشفت الكثير من الوسائل والحاجات الجديدة من أجل إدامة الحياة، لأنها كانت مسؤولة عن تربية الأطفال، وكانت مجبرة للتفكير دائماً لابتكار وسائل لحياة مستقرة، فاكتشفت البذور وكيفية زراعتها، واخترعت الأدوات الأولية التي طورت الحياة الإنسانية، وتمت زيادة الإنتاج، وتأمين التغذية اللازمة للإنسان، ففي العصر الحجري عاشت البشرية أعظم ثورة، كما استطاعت المرأة عبر التاريخ أن تضع بصمتها الخاصة بها، وأن تشارك بشتى مجالات الحياة، وبالرغم من مقاومتها ونضالها للحفاظ على مجتمعها الطبيعي وعدم ضياعه فأن الرجل استطاع بدهائه ومكره أن يسلبها ألوهيتها ومكانتها المقدسة تدريجياً، واستطاع أن يفرض عليها قيوداً كثيرة، وبدأ باللجوء إلى أساليب العنف في التعامل مع المرأة .
هناك أسباب عديدة للعنف ضد المرأة؛ منها الأسباب الثقافية والأسباب التربوية والعادات والتقاليد الخاطئة إضافة إلى الأسباب الاقتصادية.
وأيضاً أشكال العنف ضد المرأة لا تقتصر فقط على الأذى الجسدي، بل تتعدّى إلى كلّ فِعلٍ أو قَولٍ أو إيماءٍ قد يُسيء لها، وقد صُنفّت أشكال العنف إلى مجموعات رئيسيّة، وهي كالآتي: الإساءة الجسديّة، الإساءة العاطفيّة، الاعتداء الجنسي، التعنيف النفسي، الاعتداء الاقتصادي، العنف الروحي، الإساءة الثقافيّة، العنف اللفظي، الإهمال، العنف الصحي. وكل هذه تؤثر على المرأة نفسياً واجتماعياً وصحياً.
إن حادثة الأخوات “ميرابال” لفتت أنظار العالم لجعل يوم الخامس والعشرين من شهر تشرين الثاني من كل عام، يوماً عالمياً لمناهضة العنف ضد المرأة تعود لعام 1960؛عندما قُتلت الشقيقات “ميرابال” على يد رجال الديكتاتور “تروخيلو”، كانت الأخوات الثلاث يعشن مع والدهن في “الدومينيكان” وهم معارضين سياسيين لنظام الديكتاتور “تروخيلو”، وفي إحدى المناسبات العامة التي تواجدت بها (مينيريفا) إحدى الشقيقات وكانت تسعى لأن تصبح محامية وُجِدَ في هذه المناسبة الدكتاتور “تروخيلوو” وعندما حاول الدكتاتور التحرش الجنسي ب”مينيريفا” واجهته بشكل رافض وأهانته وغادرت المناسبة مع عائلتها، وشكلت لاحقاً حركة ضمت مجموعة من المعارضين لنظام “تروخيلو” عُرِفتْ باسم حركة الرابع عشر من يونيو، إلا أن الدكتاتور سرعان ما أمر باعتقالهن وذويهن وجرى سجنهن والتنكيل بهن، ولاحقاً وبعد الإفراج عنهن تم اغتيال الشقيقات الثلاث على يد مجهولين بطريقة وحشية، وكُشف لاحقاً بأن الدكتاتور كان وراء الاغتيال.
اغتيال الأخوات “ميرابال” كانت الضربة القاضية لنظام تروخيلو، والذي اغتيل بعد ستة أشهر من حادثة اغتياله للشقيقات، فبعد انهيار نظام الدكتاتور تروخيلو باغتياله، كُرِّمَتْ ذكرى الأخوات ميرابال، وقامت أختهن المتبقية على قيد الحياة لاحقاً بتحويل المنزل الذي وُلدن فيه إلى متحف للراحلات يضم مقتنياتهن، ويجمع العديد من الكتب والأفلام الوثائقية والسينمائية التي خلدت ذكرى الأخوات ميرابال.
في السابع عشر من كانون الأول عام 1999 أعلنت الأمم المتحدة عبر الجمعية العامة اعتبار الخامس والعشرين من تشرين الثاني (ذكرى اغتيال الأخوات ميرابال) موعداً سنوياً لليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة تقديراً للأخوات ميرابا.
فالعنف ضد المرأة ظاهرة اجتماعية عالمية تعاني منها كل المجتمعات وتمارسها الأنظمة الحاكمة في ضوء سياقات العادات والتقاليد المفروضة على المرأة حيث تزايدت وتيرتها في ظل السنوات السابقة جرَّاء النزاعات القائمة والتي بدورها عزَّزت ممارسة العنف بحق النساء. فالعنف بحق المرأة يشكل انتهاكاً خطيراً لحقوق الإنسان والقوانين الدولية مما يؤثر على حياتها في كافة الميادين. فهذا النظام يتلاعب ويتحايل على نظام الحياة العادلة والمشتركة للمرأة في المجتمع الطبيعي منذ خمسة آلاف عام، ولذلك نرى معظم الصراعات والقضايا المجتمعية تأتي ضمن إطار التناقضات الدائرة بين الرجل والمرأة حيث تم التلاعب بالقيم المجتمعية وحولتها إلى النقيض من ذلك وخاصة بعد انكسار المرأة في عهد السومرية حيث عملت أنظمة الدول الحاكمة على تحويل المرأة إلى ملكية عائدة للرجل وبذلك استطاع الرجل إنهاء دور المرأة وما زالت هذه التناقضات مستمرة، وبلغت ذروتها من خلال أنظمة الحداثة الرأسمالية. ونرى اليوم أن ثورة روج آفا عُرِفَتْ بثورة المرأة حيث تمكنت المرأة من خلالها وضع بصمتها الخاصة بها، وحققت العديد من الإنجازات، فكانت السبَّاقة على كافة المستويات والريادة في الميادين السياسية والدبلوماسية والعسكرية والقانونية والمجتمعية، كما أن في مناطق شمال وشرق سوريا تُعتبر المرأة صانعة القرار وعملت على رسم السياسات ومراجعة وصياغة القوانين والتشريعات لتنسجم مع مبادئ حرية وتحرر المرأة، والمرأة في روج آفا مستمرة في نضالها ومقاومتها من خلال اقتباسها لثلاثية الأوجلانيزم (المرأة، الحياة، الحرية) وترسيخها على أرض الواقع لتكون طوق النجاة لكل النساء التواقات للحرية، حيث أثبتت أنها قادرة على حماية النساء من كل أشكال العنف والحد من آثارها والدفاع عن حقوقهن المسلوبة سعياً لبناء مجتمع تسوده العدالة والمساواة.
كُنَّا وما زلنا نُدوِّن تاريخنا بنضال المرأة الحرة وبفضل شهيدات الحرية، ففي شخص الشهيدة “بيريتان، زيلان، سارا، روكن، روجهات وأردال” وأيضاً في شخص “آسيا” ورفيقنا “روجكر” والإصرار على الروح الأبوجية وكريلاتية العصر، هي الإرادة الحرة ضد هجمات الإبادة الجماعية والفاشية والتقسيم والتدمير، وتحقق ولادة الشعب الحر والمرأة الحرة والرجل الحر والمجتمع الحر.
إن فهم الرفيقة آسيا والرفيق روجكر وجميع شهدائنا، هو فهم وإدراك للروح الرفاقية الصحيحة مع القائد آبو، ولقد ضمنوا تحقيق حملة “الحرية للقائد أوجلان، الحل للقضية الكردية”، وعلى هذا الأساس ندعو كافة نساء العالم والتنظيمات النسوية وشرائح المجتمع للتكاتف والتضامن للحد من هذه الظاهرة، وبإرادة المرأة الحرة وقوتها سنتخلص من الظلم والعبودية وسنصل إلى الحرية والنصر.[1]