الوحدة الوطنيّة، ومفهوم المواطنة
_سليمان محمود
قالَ الباحثُ القوميّ العربيّ ” غسّان سلامة “: إنّ العربَ إذا لم يهتمّوا بالقوميات الأخرى اهتمّ بها غيرهم، وإن لم يحسبِ العربُ حسابها حلّت مشكلةُ الإثنيات والقوميات على حسابهم.(1)، وبرأي الدكتور سالم زرنوقة فإنّ العلاقةَ بين الكُرد والعرب لم تشهد نوعاً من التضاد بالمعنى القوميّ(2)، وذهبَ الدكتور جمال الأتاسي إلى أبعد من ذلك، فكتبَ يقولُ: إنّ المسألةَ الوطنيةَ الكرديّةَ واحدةٌ من المسائل الوطنيّة الأساسية لهذه المنطقة، وفتحُ ملفّها ودعوةُ السياسة العربيّة إلى الحوار من حولها وتحديد الموقف منها، إنما يتناولُ بالضرورة قضيّتنا القومية العربيّة ذاتَها، ومُقوّماتها ومبادئها، كما يتناول وحدتنا العربيّة وسُبل تحقيقها(3).
وقال الدكتور جمال الأتاسي إنّ جمال عبد الناصر كانَ في طليعة القادة العرب القوميين الذين أكّدوا على حقّ الشّعب الكرديّ في الحصول على حقوقه(4)، وقيلَ على لسان عبد الناصر” إنّ القوميّةَ العربيةَ قد تتقوّى بضمان مُساندة الكرد ووقوفهم ضدّ أعداء العرب”(5). وكتبَ منذر الموصلّي مؤلّف كتاب( عربٌ وأكراد) إنّ كلَّ قوميّ عربيّ مُنفتح الفكر ومُحبّ لأُمته العربية ومُستوعبٌ لرسالتها التحرريّة، لا بدّ أن يكونَ مع جميع الشعوب في طموحها للحصول على حقوقها الوطنيّة، وبالخاصّة الشّعب الكرديّ الصديق، بل الشقيق.(6)
وإذا ما تمّ التغلّبُ على العوامل الطبيعيّة التي وقفتْ حجرَ عثرةٍ في طريق الاندماج، فإنّ بالإمكان تحقيقُ إقامة المُساواة التامة أمام القانون ما بين المواطنين، بصرف النظر عن انتماءاتهم العرقيّة ولغاتهم وألوانهم وأديانهم ومذاهبهم. وهذا ما حصلَ في فترة القرنين الماضيين في بلدان أوروبا الغربية وأمريكا الشماليّة، تلبيةً لحاجاتٍ أملتها عواملُ اقتصاديّة أساسيّة.
ويسيرُ القطارُ في الطريقِ المُعاكسة إذا عمدَ الحُكّامُ إلى إقامة السدود والحواجز، بمُباركةٍ مُعلَنةٍ أو مُستترة من الدوائر الاستعماريّة، إنْ كانَ في تجاهُل مطالب بعض الناس بسبب انتماءاتهم العرقيّة، أو في فرض التمييز ضدّهم، أو في محاولات دمجهم بالقوّة، وحينئذٍ لا يعودُ الأتراكُ المُهجّرون إلى كردستانَ الشماليّة أتراكاً بكلّ معنى الكلمة، وكذلكَ العربُ المهجّرون إلى كردستانَ الجنوب وغيرها.
وقد كتبتِ السيّدةُ ” دانييل متيران” إن قُلتم يوماً بأنني، باعتباري فرنسيّة، لا يحقّ لي أن أكونَ بورغونيّة، وإنّ بورغونيا لا وجودَ لها، فإنني مباشرةً سأتعلّمُ لغةَ منطقتي، وأنمّي تُراثَها وسأطالبُ ببقاء بورغويّتي(7). وبالتالي فإنّ حلَّ المسألة الكرديّة أو حلّ أية مسألة تواجهها بلداننا، بحاجةٍ ماسّةٍ أولاً إلى ممارسة الديمقراطيّة داخلَ الأحزاب والتنظيمات والحركات السياسية الكرديّة والعربية وغيرها، وثانياً إفساحُ المجال رحباً أمامَ النقد والتفاعل تفاعُلاً إيجابياً، والارتقاء به إلى مستوى نقد الذات علناً وعلى رؤوس الأشهاد، ودعوةُ الأعضاء العاديين إلى المشاركة في الكفاح ضدّ الأخطاء المُقترَفة، والتخلّص من نتائجها الوخيمة. وإذا ما تمّ السيرُ في هذا السبيل، ينفتحُ أمامَ الأحزاب والتنظيمات والحركات السياسيّة العربية والكردية والتركية والفارسية المجالَ رحباً للحوار والتفاهم والتعاون والتحالف والوحدة. وفي مثل هذه الأجواء يمكنُ إيجاد الحلول المبدئيّة للمسائل المُعقّدة على اختلافها. ويجبُ أن لا يُضعِفَ كفاحُ الكرد من أجل حقوقهم المشروعة مركزيّةَ الدولة التي يعيشونَ ضمنها. كما لا يمكنُ لأيّ كيانٍ كرديّ، صغيرٍ أو كبير، أن يتنفّسَ بصورةٍ صحيحةٍ، ويتمتّعَ بصحّةٍ جيّدة ويدومَ، إلاّ إذا كانت أوسعُ الشعوب العربية والتركيّة والفارسيّة تؤيّدهم وتدعمُ كفاحَهم المشروعَ.
ولن يكونَ ذنبَ هذه الشعوب، إذا فعلتْ غيرَ ذلكَ، بل ذنب القادة الكرد الذين لم يُحسنوا صياغةَ خطابهم الذي يجبُ أن يكونَ حريصاً أيضاً على مصالح هذه الشعوب. وهكذا فإنني أنطلقُ من وحدة كفاح الكرد مع الشعوب التي يعيشون معها في هذه الدولة أو تلكَ، ضدَّ العدوّ الأوّل المُتمثّل بالجهل والأميّة والتخلّف بمختلف أشكاله وألوانه، وضدّ العدو الثاني المتمثل بكلّ مَن يقفُ حجرَ عثرةٍ في طريق تحرّر الشعوب من جهلها وأمّيتها وتخلّفها(8).
الهوامش:
1- كاميران قره داغي، جريدة الحياة اللندنية، 1992
2- صلاح سالم زونوقة، (الكرد والعلاقة مع القوميات المجاورة)
3- منذر الموصللي( عرب وأكراد- رؤية عربية للقضية الكردية)،دار الغصون،1991
4- المصدر نفسه
5- القذافي والقضية الكردية، دار الملتقى 1992.
6- منذر الموصللي، من مصدر سابق،
7- دانييل متيران، بكل الحريات، ترجمة ميشال خوري، دار عطية،1997
8- الباحث نذير جزماتي.[1]