النفاق الانتخابي: ظاهرة اجتماعية تزداد تعقيداً مع اقتراب موعد الانتخابات
خالد علي سليفاني
شاعر وكاتب ومترجم
(Khaled Ali Silevani)
الحوار المتمدن-العدد: 8127
المحور: المجتمع المدني
مع اقتراب موعد الانتخابات، تتحرك عجلة الحملات الانتخابية على قدم وساق. يجوب المرشحون المدن والقرى حتى القصبات النائية، يتنقلون بين البيوت والعائلات، يسعون لكسب تأييد الناخبين ودعمهم. ولكون مجتمعنا مبني على أسس عشائرية، حيث يحتل الولاء للعشيرة والمكانة الاجتماعية موقعاً متقدماً على حساب الكفاءة، تبرز تحديات من نوع خاص.
في هذا المجتمع، ومع كثرة المرشحين من العشيرة نفسها، يبدأ المواطنون بالتخبط في كيفية التعامل مع هؤلاء المرشحين، حيث لا يريدون أن يُظهروا تفضيل أحدهم على الآخر، مما يجعلهم يعيشون حالة من الحرج الاجتماع،. فمن جانب، يشعر الفرد البسيط بضرورة التزامه العشائري لتقديم الولاء والدعم، ومن جانب آخر، قد يكون له رأي شخصي في من يراه الأفضل لتمثيله. ولكن بسبب طبيعة المجتمع الذي يقوم على العلاقات الشخصية والمعايير الاجتماعية الدقيقة، يصعب على الأفراد التعبير عن مواقفهم الحقيقية، من هنا يبدأ النفاق الانتخابي بالظهور، حيث يُظهر البعض دعماً لجميع المرشحين الذين يلتقون به، بينما يحتفظون بآرائهم الحقيقية لما وراء الستار.
إنّ هذا النفاق ليس مجرد مسألة اجتماعية، بل له تأثير مباشر على المرشحين أنفسهم؛ فقد ينخدع المرشح بتصريحات الدعم التي يحصل عليها من زيارته للبيوت، معتقداً أن الأصوات مضمونة في جيبه، ولكن الحقيقة تصدمه عند ظهور النتائج، حين يكتشف أن الدعم الذي تلقاه لم يتحول إلى أصوات حقيقية، إنه صِدام بين الظاهر والباطن، وبين ما يُقال في العلن وما يتم فعله في الواقع.
في النهاية، تؤدي هذه الحالة إلى نتائج سلبية مزدوجة؛ فمن جانب، يعيش المجتمع حالة من الازدواجية والنفاق الاجتماعي، ومن جانب آخر، يصاب المرشحون بخيبة أمل حادة نتيجة التوقعات التي بُنيت على أساس خاطئ. إنّ هذه المعادلة المعقدة تتطلب إعادة نظر في كيفية فهم العملية الانتخابية داخل المجتمع، وأهمية تعزيز ثقافة الوعي السياسي التي تركز على اختيار الأنسب والأصلح بعيداً عن الاعتبارات العشائرية أو المجاملات الاجتماعية.
إن السبيل الوحيد لكسر هذه المعادلة المعقدة يكمن في البساطة والصراحة. يجب على الناخب أن يتعلم كيفية التعبير عن رأيه بوضوح ودون مجاملة، حتى لو تتطلب مواجهة المرشح باحترام ورفض واضح، عوضًا عن التظاهر بالدعم وإعطاء وعود غير حقيقية، يمكن ببساطة عدم إعطاء وعد لا يستطيع الفرد الوفاء به. فالصدق هنا لا يحمي فقط النزاهة الشخصية، بل يساهم أيضاً في تحقيق توقعات واقعية للمرشحين، ويمنع وقوعهم في صدمة النتائج غير المتوقعة.
وفي النهاية، يجب على الأفراد أن يدركوا أن الصوت الانتخابي ليس مجرد ورقة تُسقط في صندوق الاقتراع، بل هو قرار يمس مستقبل المجتمع بأسره، ولا ينبغي أن يخضع لمجرد ضغوط عشائرية أو اجتماعية.[1]