مسرحيّة الأستانة
انتصار جديد للديمقراطيّة عبر أزمتَي قطر وتركيا
صلاح الدين مسلم

ستظلّ الدول الرأسماليّة المهيمنة تبحث عن الحرب بالملقط عندما يكون هناك فائض في الأسلحة، وستظلّ تبحث عن السلم إذا كان هناك فائض في الإسمنت ومواد البناء، ومن هنا يكون قرار إعلان الحرب أو إعلان السلم حسب مشيئة الشركات الرأسماليّة صانعة الدول، وبالتالي تنظر الدول المهيمنة إلى المجتمعات على أنّها بيادق شطرنج، تحرّكها حسب مسرحيّتَي الحرب والسلم.
ومن هنا كان منتوج الآستانة تمهيداً لنقل ساحة الحرب إلى الراعي وأعزاز وإدلب… أي إلى تصفية الجماعات غير المؤيّدة لتركيا في مناطق الشهباء، ولكي يستعيد النظام عافيته ويستعدّ لاقتطاع الغنائم في الشمال السوريّ في معارك الرقة ودير الزور والبوكمال المستقبليّة… ولكي تجمع إيران قواها في مناطق تشيّعها، وروسيا التي تراقب الوضع بحذر، ولا تريد أن تكون صاحبة الحصّة الأقل بعد أميركا التي لم تبذل جهداً كبيراً مثلها في سوريا، ولتخفيف العبء عن مناطق نفوذها، ونقل المعركة إلى أماكن أخرى بعيداً عن مسرحها.
لقد كانت مسرحية الآستانة مسرحية هزلية، أمِنَ المعقول أن تجتمع ثلاثة دول وتقرّر مصير سوريا بعيداً عن الشعب السوريّ؟ وإن كانت سوريا فيها عرب وكرد وأرمن… فأين العربي والكرديّ والأرمنيّ… في هذه المسرحيّة؟ سوى على منصّات الإعلام بعيداً عن مركز القرار، وقد كان التهميش للكرد لدرجة الغباء والاستغباء، وعدم ذكر مناطق الشمال السوريّ، أتُراه إقرار ورضوخ لأميركا بأنّ هذا الجزء ليس من اختصاصنا؟ أم حربٌ غير معلنة على هذه التجربة التي حيّرت كلّ الأطراف الدوليّة بما فيها أميركا نفسها، وتحاول الدولة التركيّة التضحيّة بكلّ شيء حتّى بإدلب في سبيل إجهاض هذه التجربة، والصفقات مازالت جارية في هذا المضمار وتركيا تقدّم وتدفع الفاتورة بعد أن أغراها الغرب بالمال في بداية الثورة السوريّة، وجاء الآن دورها لتسدّ فاتورتها باهظة الثمن لأميركا وروسيا وإيران كعادتها.
لكن من الناحية الإيجابية نرى أنّ هناك اتّفاقاً غير معلن للفيدراليّة غير المركزيّة من خلال توزيع سوريا إلى أربعة مناطق، وعدم ذكر الشمال السوريّ المحذوف من خريطة أستانة يعني أنّ هناك رضوخاً للدولة التركيّة التي تريد أن تقضي على هذه التجربة الديمقراطيّة في الشمال السوريّ الذي بدأ يقضّ مضجعه يوماً بعد يوم، فها هو أردوغان يعبّر عن حزنه الشديد لوجود الأعلام الأميركيّة مع الأعلام الإرهابيّة التي يصفها أردوغان وأتباعه.
من المحال أن ينجح هذا المشروع بعيداً عن العمّ سام، فترامب وإن أثنى على هذا الاتّفاق لكنّه يدرك مساعي الدول الضامنة؛ (إيران، روسيا، تركيا) التي بدأت تغرّد خارج سرب النظام العالميّ المهيمن، لكنّ الخاسر الوحيد كالعادة بعد انتصار كوباني حتّى الآن هو الدولة التركيّة لا محالة، وقد أدمنت الهزيمة وصارت تمشي في عروقها، لكنّ هذه الهزيمة تجلب معها العديد من التضحيات ومعارك الاستنزاف التي لا تأبه بها هذه الدولة المنهارة.[1]