دولة حرب وعمائم
المقاتلة الكردية هي نفسها في #كوباني# وفي #عفرين#
دوست ميرخان
الانتفاضة التي شهدتها إيران مؤخراً لم تكن مجرد استياءٍ شعبي عن تردي الأوضاع الاقتصادية في بلدٍ وَضَعَ كل ثقله الاقتصادي في مشروع حربٍ يبدو أنها لن تنتهي؛ حتى قدوم المهدي المنتظر، ولا شك بأن البرنامج النووي الذي لم ترَ منه الشعوب الإيرانية سوى المزيد من العقوبات الأوروبية، وما ينجم عنه من تأثيرٍ كارثي على الطبيعة في إيران وعموم المنطقة؛ جزء من مشروع الحرب تلك، لكن المؤكد أن الشعوب الإيرانية استنفضت عن نفسها غبار سنين من الظلم والاضطهاد، قارعاً طبول حرب على الانتهازية والتهميش والاستبداد والفقر، بالطبع هذه مقدمات أوَّلية للحالة الراهنة في إيران، وعلى الرغم من التراجع النسبي من وتيرة الاحتجاجات مقارنة مع الأيام الأولى لها، لكنها كشفت عن جملة من التناقضات والخلافات داخل القمقم المتسلط في إيران، وبدأت تطفو على السطح مثيرة حالة من الجدل داخل سلطةٍ لطالما تمتعت بمتانتها وقدرتها على سد الثغرات والفجوات في قمقمها، خاصة مع كشف مصادرٍ من داخل هذه السلطة بأن المعتقلين هم بالآلاف؛ كذلك صدرت أنباء عن اعتقال أحمدي نجاد الرئيس الإيراني السابق وأحد القادة البارزين في الحرس الثوري الإيراني، وله سجل حافل بالحسنات بالنسبة لنظام القمقم، وهو أحد المتهمين بتدبير مؤامرة اغتيال رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني في إيران “عبدالرحمن قاسملو”، كذلك فهو المسؤول عن العديد من عمليات الاغتيال للعديد من السياسيين، والتي قامت بها عناصر الاستخبارات الإيرانية. أحمدي نجاد كان أحد العناصر البارزين في الحرس الثوري الإيراني إبَّان ثورة الخميني وبعد سيطرة الخمينيين على الحكم في إيران كان نجاد إلى جانب صادقي خلخالي أحد أبرز رجال الدين الخمينيين والحاكم الشرعي لشرقي كردستان، وكما يشير بعض الباحثين بأن الخلخالي كان يُصدِرُ أوامر القتل والإعدام بحق أبناء الشعب الكردي إلى جانب عمله كحاكم شرعي، وكانت غالبية عمليات الإعدام تُنفَّذُ على يدِ أحمدي نجاد، بالطبع هذا ملخصٌ أشار إليه بعض الباحثين حول أحمدي نجاد.
ولا شك بأن الأوربيين هم على دراية تامة بتلك العمليات التي كانت تقوم بها الاستخبارات الإيرانية ولازالت مستمرة، لكنهم يغضون الطرف ويتكتمون على معظم الجرائم التي يقوم بها النظام الإيراني كما الحال بالنسبة للنظام الفاشي في تركيا الذي تَصَدَّرَ لوائح الإجرام في عالمنا المعاصر.
لكن السؤال هنا؛ لماذا الصمت والتستر من قبل الأنظمة الأوروبية، وما صَدَرَ من مواقف عن بعض الجهات لم تكن حتى في إطار دعوة النظام الإيراني إلى وقف الاعتقالات بين صفوف المتظاهرين.
بالتأكيد كشفت هذه التظاهرات عن مدى التناقضات في داخل السلطة الإيرانية ” الدولة العميقة” نفسها إن صح التعبير، وحتى إن لم تكن ظاهرية حيث بدا واضحاً بأن المحافظين يحاولون وضع زمام السلطة بيدهم من جديد. وكانت هناك إشارات تشير إلى إن التظاهرات التي خرجت في مدينة (مشهد) كانت بقرارٍ من أحمدي نجاد نفسه؛ للضغط على رئيس البلاد حسن روحاني، وللتقليص من نفوذه، والذي وصل إلى سُدَّة الحكم خارج إطار سلطة ورغبة “الدولة العميقة”، لكن المتظاهرين اتجهوا نحو الطرفين وبعكس ما كان يأملها الطرفان تجاه بعضهما البعض.
روحاني وللوهلة الأولى لم يكن يرغب بزج الحرس الثوري والمجموعات العسكرية المرتبطة بالدولة العميقة في وجه المتظاهرين هذا من طرف، أما الخميني والذي يُعدُّ الآمر الناهي فقد أصبح بين نارين، فمن جهة؛ إن تدخلت هذه القوات وبشكلٍ قمعي سيكون له تبعات على ولاية الفقيه، وبالتالي سيتخذ التظاهرات منحىً عسكري، وما كان يأمله أحمدي نجاد في التخلص من روحاني عبر هذه التظاهرات في محاولة للاستثمار فيها من جهة أخرى.
ولو ثبت عملية اعتقال أحمدي نجاد وتقييد حركته، وكما يرى بعض المحللين أن الخميني نفسه لم يتدخل بهذا الأمر وكأنه راضٍ عن هذا الإجراء الذي قام به روحاني، وفي حال ثبوت هذا الأمر، فإن ذلك سيكون بمثابة قوة دفع لروحاني، والتي من خلالها يستطيع أن يمضي قُدمَاً في رسم سياساته التي لم يكن يستطيع أنجازها منذ وصوله لسدة الحكم، حقيقة لو ثبتت هذه التناقضات ورجحت كفة السلطة لروحاني، وبرغبة من الخميني حتى وإن لم يكن يرغب بذلك في محاولة للجم التيار الإصلاحي المتنامي وبذلك إطالة عمر الدولة العميقة.
من هنا فإن التقارب الجبري بين الخميني وروحاني الذي أشار إلى ذلك في كلمة له بأن على الحكومة عدم تجاهل المطاليب الشعبية، يهدف من خلاله الأول إلى ديمومة سطلته الدينية والدنيوية، بينما يذهب الآخر لتكريس حكمه وكسب مزيد من الصلاحيات، لكن السؤال الذي يجب أن يُسأل بهذا الصدد هو إلى أي حدٍ يمكن للخميني المحافظة على نظام حكمه مع توسعه كقوى اقليمية صاعدة ومنافسة في الشرق الأوسط؟ إضافة إلى مدى انغماسه في القضايا المعقدة في المنطقة والعالم، وهل سيتمكن روحاني وتياره من النهوض ومجابهة قوى التيارات الصوفية، وهل سنكون أمام ربيعٍ إيراني قريب ما أن تضع الحرب أوزارها في سوريا والعراق؟.[1]