إعداد/ غاندي اسكندر
الإبادة اسم يطلق على سياسة القتل الجماعي المتعمد، والممنهج ضد مجموعات معينة من البشر بقصد تدمير وجودهم كلياً باستخدام طرق شتى كالذبح بالسيوف، أو الشنق، أو الرمي بالرصاص، أو الحرق، أو التخدير بجرعات مميتة، أو الدفن أحياء أو بالمواد الكيميائية، وحين يُذكرُ مصطلح الإبادة، والمذابح الجماعية يُذكر اسم تركيا، والسلطنة العثمانية فهي من أوائل الدول التي لها سجل حافل في التدمير، والقتل على أساس الهوية كإبادة الشعوب المعتنقة للمسيحية قبل مئة وستة أعوام، ففي الرابع والعشرين من شهر نيسان من كل عام يتذكر الشعب الأرمني، والسرياني، والآشوي، والكلداني الفظائع التي مورست بحقهم على يد الجيش، والساسة الترك ففي نهاية الحرب العالمية الأولى أقدمت تركيا على ارتكاب مذبحة فظيعة سميت بمذبحة “سيفو” حيث ارتكبت ضد أبناء الكنائس السريانية، وكانت سيفو مقدمة لمذابح الأرمن في نهاية عهد الدولة العثمانية والتي تأتي قبل ثلاثة أشهر من مذابح الأرمن.
وحشية القتل، وطرق إزهاق الأرواح
عُرفت المذبحة المرتكبة بحق معتنقي المسيحية باسم مذبحة “سيفو” لأن معظم عمليات القتل تمت بالسيف، و”سيفو” لفظة سريانية تعني السيف بالعربية كما اتخذت المذبحة أسماء أخرى منها” المذابح الآشورية” و”مذابح السريان”، كما أطلق على عام 1915وهو العام الذي بدأت فيه المجازر في منطقة طور عابدين ب” شاتو دسيفو” أي “عام السيف”، استخدم الجيش العثماني العديد من الطرق الوحشية في إزهاق أرواح المدنيين وقد كان استخدام السلاح الأبيض الأكثر شيوعا لكونه غير مكلف، ومنه انحدر اسم المجازر السريانية، ويروى أنه في بداية المجازر في “آمد” اعتُقلَ حوالي الألف من أعيان البلدة من الأرمن، والسريان، والكلدان بتهمة حيازة أسلحة، وبعد إن جُمِعَ مبلغ مالي مقابل إطلاق سراحهم قرأ عليهم المفتي خبر الصفح عنهم، وبعد أن سيقوا في شوارع البلدة، وضعوا في عوامات خشبية “كلك” على نهر دجلة ليتم إيقافهم في ملتقى نهر باطمان بدجلة جنوبي المدينة حيث جردوا من ملابسهم، وذبحوا ورميت جثثهم بالنهر، وقد تكررت عمليات القتل ورمي الجثث في دجلة عدة مرات، وفي مدينتي نصيبين وجزيرة بوطان عام 1915أقتيد الرجال إلى وادي بعيد، وتم ذبحهم بعد تخييرهم بين الموت، ودخول الإسلام فقتلوا خلال يومين 800 رجلا وتعد قرية ” قرة باش” شمال شرق آمد من أولى القرى السريانية التي أبيدت بالسيوف، والسكاكين، والفؤوس، والطلقات النارية وتروى المصادر أنه لدى ترحيل قافلة من النساء والأطفال باتجاه ماردين قام رشيد باشا بإيقاف القافلة في قرية “غوليه” وجمع 800 طفلا في أحد المباني، وقام بإشعال النار فيهم شخصيا، وفي قرية ” قابية” التجأ السكان إلى كنيسة “مارقرياقوس” فتم جمع الرجال وربطهم، وحرقهم في حظائر بينما اغتصبت النسوة في الكنيسة وقتلن بالفؤوس وقد كان يرافق القتل عمليات نهب، وسلب واسعة، ومن أمثلة طرق القتل البشعة يقال “أن السلطات في ماردين طلبوا من بطريرك الأرمن توقيع وثيقة ترجئ وفاة الأعيان لأسباب طبيعية غير أنه رفض، فقاموا بقلع أسنانه، ونتف لحيته، وتم اغتصاب زوجته وقتلها ثم فقأوا عينيه ودقوا مسمارا بجبينه” وقد وصل عدد من ذبحوا حسب المصادر ما بين 500000 إلى 750000 ضحية.
أسباب الإبادة
أشار الباحثون إلى أن أسباب إبادة معتنقي المسيحية من أبناء السريان، والكلدان، والآشور والأرمن من قبل السلطات العثمانية تعود إلى محاولات تتريك الشعوب القاطنة ضمن الدولة مما أدى إلى ردود فعل معارضة لهذه السياسة إضافة إلى أن العثمانيون كانوا يخشون من انضمام السريان، والأرمن إلى الروس ولا سيما بعد فشل حملة القوقاز الأولى في شتاء 1914وترجح بعض الأسباب إلى تخوف الأتراك من مطالبة السريان باستقلالهم من السلطنة، وقد تم كل ذلك تحت ستار الدين من خلال رفع شعار الدعوة للدين الحق الذي يعتبر كل ما عداه من الأديان باطل.
الموقف من المذابح
ظلت مذابح سيفو رغم دمويتها الفائقة في الظل، وبعيدة عن الاهتمام الدولي فقد كان الاهتمام منصبا بمذبحة الأرمن، والاعتراف بحقوقهم، وقد اقتصر الاهتمام الدولي بعدة دول كالسويد التي أقر برلمانها في آذار من العام 2010 بجرائم الإبادة بحق السريان، والآشوريين، وقد تم تصنيف المذبحة السريانية، والكلدانية، والآشورية كجزء من مذابح الأرمن مع أن ما حدث في سيفو عام 1915حسب قانون الأمم المتحدة هو عبارة عن إبادة جماعية، ويعتبر يوم 24 نيسان من كل عام ذكرى لمجازر “سيفو” وهو اليوم نفسه الذي يتم فيه إحياء ذكرى مجازر الأرمن مع العلم بأن الكثير من الصحف الصادرة آنذاك كانت تؤكد على وقوع هذه المجزرة البشعة، وقد استمر مسلسل إبادة الشعوب على يد الفاشيين الترك بحق جميع شعوب باكور كردستان، ومنها الشعب الكردي في آكري، وبالو وآله قمش، ووادي زيلان ففي ديرسم وحدها ارتكب كمال أتاتورك مذبحة راح ضحيتها 40 ألف كردي، وتهجير عشرة آلاف، وتستمر تركيا بممارسة فنون الإبادة في كل من عفرين، وسري كانيه، وكري سبي باستخدام جميع أنواع الأسلحة، ومنها المحرمة دولياً، وسط صمت دولي غير مقبول.[1]