محمود آغا سيف القاضي، آخر أبناء وزير حرب جمهورية كوردستان، الجنرال محمد حسين خان سيف القاضي، وهو حفيد الشاعر الكوردي (سيف القضاة)، تنحدر والدته من عائلة قاجارية وهي ابنة عم نصرالدين شاه القاجاري. ولد محمود آغا سنة 1946 في مدينة تبريز، أكمل دراسته في تلك المدينة وحصل على دبلوم في الهندسة. تزوج سنة 1968 من السيدة شهين قاسمزادة، وله ثلاثة أولاد. يقيم محمود آغا حالياً في أربيل...
محمود آغا سيف القاضي، آخر أبناء وزير حرب جمهورية كوردستان، الجنرال محمد حسين خان سيف القاضي، وهو حفيد الشاعر الكوردي (سيف القضاة)، تنحدر والدته من عائلة قاجارية وهي ابنة عم نصرالدين شاه القاجاري. ولد محمود آغا سنة 1946 في مدينة تبريز، أكمل دراسته في تلك المدينة وحصل على دبلوم في الهندسة. تزوج سنة 1968 من السيدة شهين قاسمزادة، وله ثلاثة أولاد. يقيم محمود آغا حالياً في أربيل، ويروي بعص الأحداث التاريخية المرتبطة بعائلته وبجمهورية كوردستان:
* أكانت النزعة الدينية غالبة في عائلتكم؟
محمود آغا: كل أفراد عائلتنا كانوا من علماء الدين والمتعلمين. وصولاً إلى والدي، بعده لم يصبح أي منا عالم دين. لكننا جميعاً متعلمون، رسامون، شعراء، خطاطون وسياسيون. كنت في بحث دائم، سألت البيشمركة الذي صاحبوا أبي والعلماء والخبراء، مثلاً السيد أيوبيان، كنت أسأله في كل الأمور. أخذت منه كل ما يعرف عن عائلتي.
* يقال إن جدك سيف القضاة كان شاعراً معروفاً، وكان يرتبط بعلاقات مع الشاه؟
محمود آغا: كان جدي سيف القضاة ثرياً جداً، كان يملك الكثير من القرى، كما كان رجل أعمال ناجحاً. كان دائماً يساعد الذين ينخرطون في الدراسة، خاصة الشعراء، وقد ذكره هيمن موكرياني وهزار موكرياني في مذكراتهما. اطلعت على رسالة من البهلوي الكبير يدعوه فيها إلى طهران لحضور حفل زواج ابنه. كما تناهى إلي أن البهلوي هو من أطلق عليه لقب سيف القضاة، كما منح لقب سيف العلماء لأحد أقارب والدتي.
* متى توفي جدك؟
محمود آغا: توفي قبل الجمهورية.
* هل ولدت قبل إعلان الجمهورية؟
محمود آغا: كنت رضيعاً ذا شهر أو اثنين عند إعلان الجمهورية.
* يقال إن والدك لم يكن يريد الانضمام إلى جمهورية كوردستان، لماذا؟
محمود آغا: لكون جدي ثرياً، كانت له قافلتان تجاريتان تنقلان البضائع من مياندواو إلى مراغة وبالعكس. الطريق من مراغة إلى مهاباد ثم إلى صاين قلا وبوكان، كان موكلاً إلى أبي، لمنع قطاع الطرق من التعرض للقوافل. كان أبي ثرياً لدرجة أنهم كانوا يلقبونه بالشاه حسين. كما كانت زوجته من العائلة القاجارية ولا تتحدث غير اللغة التركية، كان أبي مهتماً لأمرها، ولأمر أولاده منها بعد استشهاده. كما لم تكن أمي تعرف أحداً في المنطقة. لهذا لم يرغب والدي في الانخراط في السياسة. لكن جدي كان منخرطاً في العمل السياسي وكانت له علاقات مع كبار الساسة الإيرانيين وكانت أشعاره تنشر في الجرائد.
* ذكرتم أن والدكم كان له مسلحون بإمرته، هل كانوا مسلحين حكوميين؟
محمود آغا: لا، كانوا من أتباعه، لكن الحكومة تصرف رواتبهم، كانوا يحمون القوافل، فقد كان هناك لصوص وقطاع طرق خطيرون حينها. كما كان هناك عاص شهير اسمه أربابي مليكان، يقطع الطرق على الناس.
* يقولون إن القاضي القائد لم يتمكن من إقناعه بالمشاركة في الجمهورية، إذن من الذي أقنعه بالمشاركة؟
محمود آغا: سمعت أنه ذهب إليه مرتين فلم يوافق في المرة الأولى لكنه وافق في المرة الثانية، وربما أقنعه رجال الدين والشيوخ والوجهاء.
* ماذا كان دور شيوخ برهان؟
محمود آغا: كان أبي وجدي يؤمنون بشيوخ برهان، ويقال إن أبي عندما كان يمر من أمام الخانقاه كان يمشي متراجعاً لأنه لم يكن يريد أن يدير ظهره إلى الخانقاه احتراماً.
* كيف كانت أمك تصف أباك؟
محمود آغا: تقول إنه كان فريداً لا نظير له بين الكورد. كان يترك كل شيء عندما يأتي إلى البيت. تقول إنه كان تقدمياً جداً. تعلم رقص التانغو. كما كان يتحدث التركية والانكليزية والروسية والفارسية.
* كان ممثلاً في تبريز لفترة، كان يمثل من فيها؟
محمود آغا: كان يمثل جمهورية كوردستان، وكانت كلمته مسموعة جداً هناك. حتى أنه منع بيشوري (رئيس جمهورية أذربيجان الشعبية) من الإقدام على إعدام كثير من الأشخاص.
* كان والدك وزير الحرب في جمهورية كوردستان، ما الأساس الذي اعتمد لإسناد هذا المنصب إليه؟
محمود آغا: كان والدي فائق الشجاعة، وكان يتبعه عدد من خيرة الفرسان. كان قائد مهاباد فترة وقائد بوكان فترة، ولأنه كانت له تلك الإنجازات عين وزيراً للحرب.
* هل كانت له سابقة في المجال العسكري؟
محمود آغا: حصلت على رسالة مكتوبة بالروسية أحتفظ بصورة منها، فيها صورة أبي وهو شاب صغير عندما كان يتلقى التدريب العسكري في مكان ما من روسيا.
* هل ترك أي كتابات؟
محمود آغا: نعم، خلف وراءه كتابات ووثائق كثيرة، ينوي ابني، وهو مؤلف، أن يؤلف كتاباً عن رجالات الكورد، وكان كل شيء عنده، قصائد كتبها أبي وهو يتغزل بفتاة تركية، ومخطوطات جدي كلها كانت عند ابني. لكن لصوصاً دخلوا بيته وسرقوا كل المخطوطات والوثائق.
* كانت علاقات والدك مع الأتراك وثيقة وقد تزوج منهم، ما سبب ذلك؟
محمود آغا: كانت أذربيجان متطورة، وكان فيها عدد من القنصليات. كان أبي في أذربيجان في أغلب الأوقات، كان يحب الاطلاع على كل شيء فيها. كانت زوجته الأولى من أثرى عوائل مراغة. كما تزوج جدي اثنتين إحداهما هي وجيهة خانم، كانت تركية من أورمية. لم تكن ثم فنادق في تلك الأيام. فأسكن جدي إحدى زوجتيه في تبريز، يقيم عندها عندما يكون هناك. فتعلم والدي منه مخالطة الآذريين.
* يقال إن شخصاً كان يعد الشاي اقترح كلمة (بيشمركة) على القاضي محمد، لكن لديك قصة أخرى، هلا تخبرنا بها؟
محمود آغا: أعداؤنا كثيرون، وكثيرون هم الذين يعادون أبي ويستصغرون إنجازاته. كيف لمن يعد الشاي أن يتدخل في مجلسنا واجتماعنا ويقول أنا أسميهم (بيشمركة)، هل يصدق عاقل هذا؟ هذه هي القصة التي سمعتها من السيد أيوبيان: كان والدك والقاضي محمد وبيشوري قد وقعوا اتفاقية لتدريس التركية في مهاباد والكوردية في تبريز، وأن تكون المناطق حتى مشارف مراغة تابعة للكورد ومن هناك لحكومة بيشوري. فنظم بيشوري جيشاً وقاتل إيران، وسيطر على عدة مناطق. في تلك الأثناء قرر الجانبان مساعدة بعضهما البعض حيثما وقعت معارك. فأرسل أبوك البيشمركة، وفي يوم عندما كان في زيارة للبيشمركة، جاءه المقاتلون الكورد وعاتبوه وقالوا: حيثما ذهبنا ورغم كونهم يفوقوننا عددياً، فإنهم لا يقاتلون بل يتركوننا نقاتل ونسيطر على المنطقة أو القرية ثم يأتون هم. فقال أبوك، ماذا بإمكاني أن أقول، إنهم يتخذون منكم درعاً في مواجهة الموت (بيشمركة) لهم. ثم قال سأسميكم بال(بيشمركة) من الآن فصاعداً.
* كان والدك وزير الحرب، فهل شارك في أي معركة أو أشرف على القوات المسلحة في قتالها؟
محمود آغا: كان يشارك دائماً في المعارك. شارك في معركة في سقز وكان المرحوم ملا مصطفى مشاركاً فيها، فقد كان أحد جنرالات أبي. قدمت قوات ملا مصطفى شهيدين أو ثلاثة. كما قدمت قوات أبي شهيداً أو اثنين. حاصروا معسكر سقز ومنعوا وصول الإمدادات إليه حتى استسلم المعسكر.
* يقولون إن علاقاته مع ملا مصطفى لم تكن كما يرام!
محمود آغا: لا، ليس هناك شيء من هذا. كان أبي يصاحب ملا مصطفى باستمرار، وقد التقطا صوراً كثيرة معاً. كما كان أبي يتولى الإنفاق على كل البيشمركة ومن بينهم بيشمركة ملا مصطفى، فلم تكن جمهورية كوردستان تملك المال. لم تقدم أي دولة مساعدات لهم، كان أبي الوحيد الذي ساعدهم. عندي خطابات كثيرة من القادة العسكريين يخاطبون فيها أبي طالبين منه السلاح والمال.
* يقولون إن بعض عشائر المناطق المحيطة بمهاباد كانوا يتعاملون مع الجمهورية ومع الحكومة الإيرانية، ما مدى صحة ذلك؟
محمود آغا: هذا صحيح. لولا خيانة العشائر لما تمكنت إيران من الوصول إلى مهاباد. كانت عائلة ديموكري البوكانية متواطئة مع البهلوي سراً وعلانية.
* هل كانت جمهورية مهاباد مطلعة على هذا؟
محمود آغا: لا.
* زار القاضي، ومعه والدك على ما أظن، طهران. ما سبب تلك الزيارة؟
محمود آغا: اجتمعوا مع الشاه وقدموا له مجموعة مطالب، وافق الشاه على بعضها، ومن بينها ارتداء الزي الكوردي أثناء العمل الرسمي، وخصص داراً لوالدي في طهران أقام فيها.
* هل كانت المطالب التي لم تنل القبول كبيرة؟ لماذا وقعت الحرب؟
محمود آغا: تم قبول بعضها. أما بخصوص الحرب، فقد قال الشاه إن أطلقوا رصاصة واحدة فلا تشنقوهم. الضابط الذي أشرف على إعدامهم، وقد نسيت اسمه، قال إن الشاه ندم على قتلهم، وأنه سلم هذا الضابط رسالة إلى (رزمارا) يطلب فيها أن لا يقدم على قتلهم. فيسلم الضابط الرسالة إلى رزمارا، الذي قرأها وقال للضابط لا تعد للمعسكر بل اذهب إلى فندق هذه الليلة وعد في الصباح. لكن عندما عاد الضابط في الصباح وجد أن عملية الإعدام قد نفذت. لم تصدر أصلاً اوامر باعتقالهم، كان الشاه قد أعلن أن ضعوا أسلحتكم والزموا بيوتكم. ثم اجتمعوا في الجامع الأحمر، ولم ترد مهاباد القتال. أما إعدامهم فقد كان بسبب مشاجرة في طهران بين صدر القاضي ورزمارا. كان صدر القاضي حينها نائباً عن مهاباد في البرلمان الإيراني. هناك وقعت مشادة بينه وبين رزمارا الذي هدده بالقول سأشنقك إن قدر لي أن أعيش.
* لماذا لم يذهب القاضي ووالدك إلى الاتحاد السوفييتي مع ملا مصطفى؟
محمود آغا: كانا حينها يريدان إلقاء السلاح، وكانوا يطلبون ملا مصطفى في طهران. تقول أمي إن ملا مصطفى جاء إلى أبي وقال له سيقتلونك مهما فعلت، تعال لنذهب إلى الاتحاد السوفييتي، هؤلاء كذابون، لا إيمان لهم. لكن أبي قال إنه لا يستطيع أن يترك القاضي، وأنه أقسم أن يقف وراء القاضي مادام حياً ولا يستطيع الحنث بيمينه، وإن كان القاضي محمد سيذهب، فسأذهب معه.
* هل كان ملا مصطفى قد تحدث إلى القاضي أيضاً بهذا الخصوص؟
محمود آغا: نعم، هو أيضاً أجاب بأنه أقسم أن لا يترك شعبه.
* ما هي التهمة التي وجهت إليهم؟
محمود آغا: يقول الضابط الذي حقق معهم: لم أنتبه إلا وسيف القاضي يحاكمنا ويقول من أنتم ومن أين؟ وما عملكم؟ إنكم مختلفون عنا لغة وصورة وثياباً. ما الذي جاء بكم إلى هنا؟ لماذا تسائلوننا؟ التهمة الكبرى التي وجهت لأبي هي أنه زود ملا مصطفى بكل ما عنده من سلاح وعتاد ليقاتل بهما إيران والعراق حتى وصل إلى الاتحاد السوفييتي.
* هل أوصى والدك قبل إعدامه؟
محمود آغا: نعم. كتب وصية لأمي. أن تسدد ديونه وتدفع لكل من يطلب المال وتأخذ أبناءه إلى أوروبا. كما كانت له وصية سياسية.
* هل كانت لوالدك مطالب قبل إعدامه؟
محمود آغا: نعم. سألوه عما يطلب قبل إعدامه. فطلب أن لا يعصبوا عينيه عندما يشنقونه. فسأله الضابط الذي نفذ عملية الإعدام: لماذا؟ فأجاب هذا ما أريد، أريد أن أرى رؤوسكم تحت قدمي وأرى في عيونكم مدى خوفكم منا. يذكر هذا الضابط في مذكراته، أن كل الذين نفذ فيهم حكم الإعدام من قبل فقدوا القدرة على النطق. لكن الحبل الذي علقوا به سيف القاضي انقطع، فقام واقفاً وقال أخبروا ملككم بأن دولته مهترئة كهذا الحبل.
* كنتم تنوون استحصال مجموعة وثائق من طهران عن طريق ضابط إيراني، ما الذي حال دون ذلك؟
محمود آغا: بعد كثير من البحث عثرنا على الضابط الذي أشرف على عملية الإعدام في ميدان جوارجرا. اتصل به ابني، فأخبره بأن في حوزته وثائق كثيرة عن عائلة القاضي وملا مصطفى البارزاني، ودعاه للذهاب إلى طهران ليسلمه الوثائق. لم نتمكن من الذهاب فوراً. بل تأخرنا لأشهر، وعندما وصلنا وبعد العثور على منزله بشق الأنفس، وجدنا باب البيت مشرعاً وكل من في الدار يتوشح بالسواد. ألقينا التحية وقلنا إننا هنا للقاء العقيد. فقالوا لقد مات. بعد تقديم التعازي لهم، أخبرنا زوجته وابنه بما جئنا نطلبه. فقالوا إنه قام بفرز مجموعة من الصور والأوراق لكنه لم يوصهم بأن يسلموها لأحد.
حاورته شبكة روداو الاعلامية[1]