لقاء تاريخي فريد مع الشيخ #عبيد الله النهري#
441/FO6O
وزارة الخارجية، رقم الملف 441/60
رقم الوثيقة 23، سري للغاية
تبريز 1881/10/1
سيدي ايرل أوف كرانفل
سبق أن أشرت في المذكرة رقم 27 إلى موضوع الشيخ عبيد الله، حيث كان لي شرف المراسلة معكم في العام الماضي حول نفس الموضوع. بسبب وجوده حاليا في استنبول، وبكون موضعه يحظى حاليا بأهمية كبرى في الأوساط السياسية، أردت أن أكتب لكم هذا المحضر الوجيز للقاء الذي جرى بيني وبين الشيخ المذكور في العام الماضي، وسأتطرق فيه إلى النقاط المهمة التي دار الحديث حولها، مع مقدمة موجزة
فيها وصف للشيخ عبيد الله وشخصيته، أرجو أن يكون جديرا باهتمامكم. حين تركت أرومية في العام الماضي مارا بالمنطقة الكردية عبر ممثلو الشيخ عبيد الله الذين التقيت بهم، عن استعداد الشيخ لتوفير حماية خاصة لي أثناء مروري في المنطقة الحدودية، لذلك لم أر بدا من التوجه إلى معسكر الشيخ لاستلام قوة الحماية المخصصة لي. وكان أيضا من الأدب واللياقة أن أزور الشيخ شخصيا في خيمته،
وأشكره مقدما على اهتمامه بسلامتي. يبدو أن الشيخ كان يزمع تحويل هذه الزيارة إلى ساعة كاملة من الحوار السياسي،
بيني وبينه. وأنا لم أكن مهينا لذلك. ولكن حالما وصلت إلى خيمته أمر بخروج جميع من حوله وبقينا وحدنا في المخيم. أقر بأنني اندهشت كثيرا حين وقعت عيناي عليه، لأنه لم يكن ذلك الشخص الذي أراد الكتاب الزرق أن يصوروه للناس. ورغم التعب ونوائب الدهر التي نزلت عليه والبادية على وجهه الوسيم، فان نعومة ملامح وجهه والرقة التي تشع من عينيه الزرقاوين الثابتتين تجعلان المرء، وإن لم يكن ذا حس مرهف، أن يبهر بشخصيته الجذابة. إن الإرهاق وآثار المرض الظاهرة على بدنه النحيف لم يستطيعا أن يثنياه عن عزيمته، وهذا يدل على قوة شخصية هذا الشيخ الذي شاهد الكثير، وأصبح له شأن كبير
في كردستان، ولكن فمه، خاصة فكه الأسفل الكبير يوحي أحيانا بالرهبة مقارنا بعينيه الموحيتين بالرأفة والحنان. كان الشيخ متوسط القامة؛ والناظر إلى وجهه يتخيل أن ألشيخ لم يتجاوز الخامسة والأربعين، وربما كان عمره أكبر من ذلك بكثير . كانت لحيته الخفيفة مصبوغة بصبغ أسود. وإن الانطباع الذي تركه في الشيخ عبيد الله هو أنه كان رجلا ذا إرادة وتصميم قويين وله قدرة فائقة على التأثير في الآخرين وتحريكهم من أجل أهدافه.كان الشيخ يتقن الفارسية والتركية، ولكن أثار اللغة الأم الكردية ظاهرة في حديثة، كما كان له اطلاع واسع على اللغة العربية. أخبرني الشيخ بأنه فرح كثيرا حين وصل أورومية، وعلم بوجود ممثل لجلالة ملك
الحكومة البريطانية في المنطقة، أعتبر ذلك فرصة للتعبير عن مشاعره، والأهداف الكامنة وراء غزوه للأراضي الإيرانية، والتي كانت بدوافع نبيلة، حسب ما قاله الشيخ. فأجبت قائلا إنني سعيد بالتعرف إليه؛ لأننى سمعت الكثير عنه، ولم أتوقع أنني سأحظى باللقاء الشخصي به، فقد عبرت عن امتناني وتقديري لما أبداه لي من الكرم، خاصة قبوله وساطتي، نيابة عن المدنيين النصارى السريان القرويين الذين نهبهم انصار
الشيخ، وأيضا قبوله بإعادة الأموال التي نهبت، ثم سألت الشيخ عن برنامجه فأجاب بأنه ند إعادة تنظيم كردستان وتوحيدها تحت حكمه إمارة مستقلة. وقلت متسائلا، وكيف بإه يفكر الشيخ في تنفيذ هذه الفكرة، وليس له حجة في ثورته ضد إيران أو تمرده على تركية؟ فعلق الشيخ قائلا: «إن الحكومتين الإيرانية والعثمانية أساءتا معاملة الكرد. أما بالنسبة للحكومة العثمانية فإنها لم تقدر حسن نواياه، وادعى الشيخ أيضا أن كردستان هذه الحقيقة أكثر تحتاج إلى إدارة تحكمها بقبضة حديدية، وليس هنالك شخص يفهم منه. وهنا قلت للشيخ: إنه مقدم على مسألة في غاية الخطورة. وسألته فيما إذا كان ينوي بأسيس إمارة مستقلة عن الدولة العثمانية، أم أنه يهدف إلى مجرد جمع المناطق الكردية تحت إدارة واحدة من أجل القضاء على الفوضى، وإيجاد نوع من الأمن والاستقرار في المناطق، ويكون هو على رأس هذا النظام الإداري، ومسؤولا أمام السلطان في ضمان حسن الإدارة وجمع الضرائب؟ فرد الشيخ على هذا السؤال قائلا: إنه ليس هناك من يشك في ولائه للسلطان، ولكنه كان لا ينظر إلى المسؤولين في إقليم كردستان بعين الرضى. وإنما هو على قناعة بأنه آن الأوان للقيام بعمل ما لصالح كردستان، فالشيخ يحب شعبه ويرى أن هناك حاجة ماسة في إصلاح أحوالهم. صحيح أن الكرد غير متعلمين ولا يحبون الانضباط، ولهم ميل إلى الفوضى، إلا أن الشيخ عبيد الله أراد إصلاح هذه الأمراض الاجتماعية، ليضع الشعب الكردي في مكانة تؤهله لحياة اجتماعية ثم أضاف الشيخ قائلا: يعامل الكرد في إيران معاملة مخزية، من
كريمة تليق بإنسانيته. الإعدام والقتل والاضطهاد والقسوة المتناهية، فضلا عن كل ما يتصوره المرء من سوء المعاملة التي تعد من مميزات الحكم الإيراني في كردستان. ولم تقدم الحكومة الإيرانية على أية إجراءاتلاستمالة العشائر الكردية، وإنها قد أثارت ضغينة الكرد إلى حد كبير. رغم أنني أتفق مع الشيخ في آرائه في هذه المسائل، إلا أنني تريثت واضطررت
إلى السكوت. ثم أضاف الشيخ أن منطقة هوجا الواقعة ضمن الحدود التركية، كانت في الماضي، معرضة إلى حملات سلب ونهب من قبل عشائر شكاك، والعشائر الكردية الأخرى في المنطقة الحدودية، ولم تقم الحكومة الإيرانية باتخاذ أي إجراء للحد من هذه الحملات، وكذلك لم يسمح للشيخ بالقيام بعمل ما للدفاع عن العشائر المتضررة داخل لأراضي العثمانية. أضاف الشيخ أن عشائر الشكاك مصدر قلق في المنطقة؛ ليس للعشائر التابعة للشاه في سلماس فحسب، بل إنها قامت باعتداءات مماثلة ضد العشائر الأخرى في منطقة الباغ (حكاري – المؤلف)، فمثلا قامت بالهجوم على الأرمن ضمن الأراضي
العثمانية، وارتكبت جرائم لا يمكن وصف بشاعتها؛ إذ نشرت الخراب في أراض شاسعة من المنطقة الحدودية، وإن الحكومة الإيرانية لم تقدم التعويضات المطلوبة للمتضررين.
واذعت حكومة الشاه أنها بعثت بحملة تأديبية ضد رئيس قبيلة الشكاك، ولكنها في الواقع لم تقم بأي شيء، حيث حصل المسؤولون الإيرانيون في أذربيجان على رشاوى كبيرة من الشكاك، وأعطوا الشاه تقريرا كاذبا مفاده أنهم عاقبوا رئيس الشكاك. ولكن في الواقع أن هؤلاء المسؤولين منحوا عباءة الشرف للشخص المذكور، ويعطي المسؤولون في المناطق الحدودية تقارير كاذبة عن استتباب الأمن في المنطقة.
لذلك ادعى الشيخ عبيد الله بأنه عبر الحدود إلى الأراضي الإيرانية من أجل إيقاف هذه المظالم، التي كانت تتعرض لها العشائر الكردية، القاطنة في المنطقة الحدودية. وادعى عبيد الله أيضا بأن له الطاعة الكاملة للسلطان. وبعدها سألت الشيخ فيما إذا كان ينوي توسيع ثورته لتشمل كردستان التركية، وحذرته من مغبة هذا العمل ونصحته بإلحاح بالانسحاب من الأراضي الإيرانية، عبر طريق ميركور (ميركهوهو – المؤلف) والانسحاب إلى موطنه الأصلي. ورد الشيخ قائلا: إن كلمة واحدة من الحكومة البريطانية كافية جميع قواته من الأراضي الإيرانية. ولكنني ذكرته بأن عملياته الحربية بإقناعه لسحب
وضعتني في موقف لا أستطيع التوسط بأي وسيلة مع حكومة جلالة ملك بريطانيا، أو حتى مع ممثل حكومتي في طهران.
وبينت له أيضا أنه ليس لي الصلاحية لترتيب وقف إطلاق النار بينه وبين الحكومة الإيرانية، وبصفتي ممثلا للحكومة البريطانية، في مقر إقامة ولي العهد الإيراني في أذربيجان، عبرت عن بالغ قلقي واستيائي لغزو الشيخ للأراضي الإيرانية، وقلت له: إذا كان عنده فعلا شكاوى ضد الحكومة الإيرانية والتركية فإن تصرفاته الحالية لن تكون لصالحه بأي حال من الأحوال. وذكرت أيضا أنه إذا أصر على ه تبريز، فإنه سيلاقي مقاومة القوات الروسية هناك. من الجديرمواصلة هجومه باتجابالذكر انه كان هناك وقتئذ إشاعات بقيام الروس بوضع قواتهم على أهبة الاستعداد فيالمنطقة الحدودية قرب آراس (المنطقة الحدودية الإيرانية الروسية).وكان رد عبيد الله، هو أنه إذا قام الروس بالهجوم عليه فسيلقي بنفسه في أحضان
الحكومة البريطانية.
قلت له من الممكن أن يعتمد علينا في الدعم والتأييد، ولكنه يجبأن يعلم أن هناك علاقات وثيقة بين الحكومة البريطانية وإيران، وأن بريطانيا لن ترضى بأي حال من الأحوال أن تتعرض إيران البلد الحليف لبريطانيا لأي اعتداء من قبل أي طرف ثم انتقلنا إلى موضوع الأرمن، وعبرت لعبيد الله عن قلقي البالغ عن مصير أرمينيا بالزوال، فيما إذا تمكن عبيد الله من تنفيذ برنامجه في المناطق الحدودية. فقلت له: ماذا
سيفعل بالأرمن إذا تم له ما أراد في كردستان؟ وبينت له أن الحكومة البريطانية ترعى هذه الجالية، ولن تقبل ممارسة أي اضطهاد ضدهم، وأن إبادتهم أمر غير مقبول بتاتا.
فرد صبح مسؤولا في كردستان سيقدم الضمانات الكفيلة على الشيخ على الفور، بأنه إذا أ حسن معاملته للأرمن، وإنه لن يكون هناك أي عائق في وجه من يريد من الأرمن الهجرة إلى أماكن أخرى.
اعتبرت هذا الرد غامضا، لذلك آثرت عدم التعليق عليه، ثم ترجى مني الشيخ وبإلحاح أن أضع مطالبه بين يدي الحكومة البريطانية، وأكد أنه في أمس الحاجة إلى الحصول على الدعم المعنوي البريطاني لمشروعه الخاص لتوحيد كردستان. قلت لا مانع لدي من إيصال ما جرى من حديث بيننا إلى الحكومة البريطانية وفي الوقت المناسب.
ولكن يجب ألا يدع نفسه ليصبح فريسة أحلامه غير الواقعية وذكرته بأن
أحلامه السياسية أبعد بكثير مما يتصوره عن الواقع، حتى ولو وافقت بإيصال مطالبه إلى حكومة جلالة الملك في بريطانيا. وحينما وصل الحديث بيننا إلى هذه النقطة اعتقدت أنه من المناسب أن أخبر
الشيخ، وبلغة صريحة، عن حقيقة موقفي من برنامجه بالكلمات التالية: أن برنامجكم الذي عرضتموه لي حتى الآن ينتابه بعض الغموض، ولن أستطيع أن أكون منه صورة إيجابية لعرضها على الحكومة البريطانية، لأن حكومتي لن تدعم أي مشروع يضر بمصالح حليفتها إيران. وكذلك إنها لن تقدم الدعم المعنوي لأية خطة إذا كان تحقيقها سيضر بمصالح الطائفة النصرانية في المنطقة.
وكما أننا لا نريد تحقيق المصالح الأرمنية على حساب المصالح الكردية، كذلك فإننا لا نريد تحقيق المصالح الكردية على حساب المصالح الأرمنية… وقلت: إنني شخصيا لن أنسى كرمكم تجاهي، ولكن أحب أن أنصحكم بما يلي :
أعط أدلة قاطعة على مدى طاعتك والتزامك بأوامر السلطان.
اسحب قواتك من الأراضي الإيرانية.
عد إلى موطنك الأصلي في تركية.
وإذا كنت تعتقد أن عندك شكاوي معقولة ضد حكومتك، فقدمها إلى السلطان،
وأخبر الأخير بخططك أولا، ولا تتوقع، في أي حال من الأحوال، دعم الحكومة
البريطانية فى توحيد كردستان.
إسع لدعم الحقوق المدنية والدينية للمسلمين والنصارى على السواء.
انشر روح النظام والانضباط بين الكرد. وقلت له أيضا نحن نهتم بمصالح الكرد بدرجة لا تقل عن اهتمامنا بمصالح الأرمن، تلك هي أهداف حكومة جلالة الملك، التي كان لي شرف العمل لها في هذه المنطقة… ستكون حكومتي سعيدة إذا قمتم بالعمل بموجبها، واستطعت أن تقد البراهين المقنعة، بأنكم ستعملون على تحقيق أهداف السياسية البريطانية في المنطقة، وبكل إخلاص. وقبل أن أنهي هذه المذكرة اسمح لي أن أنقل إليكم قبل كل شيء
اعتذاري لإشغالكم بهذه المسألة، وثانيا لما ورد فيها من المعلومات والعبارات التي قد لا تليق بورودها في المذكرات السياسية، ولكنني رأيت من الضرورة إعطاء وصف لعبيد الله، وذلك لتمكينكم من فهم شخصيته بطريقة جيدة. حتى الآن لم يحظ أي ممثل من ممثلي حكومة جلالة الملك بالفرصة المناسبة من أجل تكوين تقييم موضوعي لأهداف الشيخ عن كثب، وهو الآن يبدو أنه من الشخصيات
البارزة في العاصمة العثمانية، وإن ثورته في كردستان لم تكن بالأمر الهين، ومن المحتمل أن يقوم بدور ما في السياسة الشرقية للدولة العثمانية. مرت سنة على أول لقاء بيننا في خيمته، ففي الماضي كان لي الكثير من المهام التي حالت دون قيامي بترتيب ملاحظاتي وتدوينها، ولكن أخيرا ضغطت على نفسي للبحث عنها، لإعادة صياغتها وكتابتها على شكل مذكرة لسيادتكم، وذلك في ضوء إشارة سيادتكم إلى الموضوع. لا يخفى علينا اهتمامكم البالغ بمصالح الأرمن، وكما أن العمل من اجل ضمان التعايش السلمي بين الكرد والأرمن الذين يعيشون في المنطقة الكردية هي إحدى أولويات السياسة البريطانية في هذه المنطقة، لذلك أرى أنه حان وقت كتابة هذه المذكرة، على أمل أن تفيدكم في المساهمة في تحقيق هذا الهدف السلمي. لا أستطيع أن أحكم على مدى صدق أقوال الشيخ عبيد الله، وستشهد الأيام
القادمة أثناء إقامته في استنبول على مدى إخلاصه للسلطان. فإن ذلك لا يقلل من ثقله السياسي والديني في كردستان. واعتقد أنه من الأجدر، لحكومة السلطان، أن تمارس دورها من خلال مراقبتها لتصرفاته، والتأكد من نواياه المستقبلية، بدلا من معاملته بالقسوة. لقد جرى الآن إبعاده عن المنطقة الحدودية، ومن الأحسن عدم السماح له بالتأثير فى الكرد، بحيث يؤدي من جديد إلى زعزعة الأمن والاستقرار في تلك المنطقة. كان من الممكن أن تقوم الحكومة العثمانية بالحد من نشاطه في البداية، ولكنها اختارت على ألا تفعل ذلك آنذاك، أما الآن فمن الصعب أن يستوعب المرء على أي مبدأ من مبادئ العدالة التي يمكن السلطان من معافبته. وفي الختام أمل أن ينال ما قمت به وما كتبته هنا رضى حكومة جلالة الملك.[1]
المخلص وخادمكم المطيع
وليم. ا.آبوت
القنصل البريطاني في تبريز