من جديد كجك و لاوك ( keçik ù lawik ).. ملحمة سينم
وليد حاج عبد القادر
في متوالية المرأة والميثولوجيا الرافدية عامة وبقايا ما يمكن تسميتها باللغة الكوردية ، وفي تتبع هادئ لهذا المنحى سيصبح، وبقوة ذلك التقاطع الرئيسي إن بين العذراء – keçik – أو – الفتى – lawik – والتي تبتدئ قداسة وتتدرج تصارعا وفق سياقات التحولات الإقتصادية وانعكاساتها على البنى الإجتماعية التي تداخلت بدءا وتمازجت و .. لتأخذ مناح عدة هيمنت على نمط فكر ووعي الفرد ومن ثم الأسرة ولتسود في كيانيات إجتماعية فيحدث الفرز البنائي الاقتصادي ، ولتنتج وعيا بيئيا بنسقية الجماعة مستقرة مثلا في قرى او تجمعات زراعية / حرفية ، أو رعوية متنقلة.
ومن الطبيعي وأمام هذه التحولات أن تنعكس ذلك في الوعي القداسوي للفرد ومحيطه الجمعي ، فتأخذ القداسات القديمة تتدرج انزياحا تفسح الطريق للمهيمن القادم، وعليه تبنى طوباويات جديدة ، وهنا ، وبالتحديد في هذا المنعطف تتمظهر الصراعات بين حادة إلغائية ، أو متوسطة ، ولربما أشبه ما تكون بمساومات او توافقات ، ما وصلت مطلقا إلى حالة الإلغاء الكامل ، وشخصيا ، لازلت مقتنعا بأن هذه الحالة الوسطية في التوافق هي المحفز الرئيس لظهور نمطي – كجك – و – لاوك – في الثقافة الكوردية ، خصوصا أن غالبية نصوص وحكايا الفتاة والتي تبقى في نطاق الحظوة من جهة ، وأبنائها في دائرة التقدير في دفاع ارتداد للسابق وتحلي اللاحق وإن كان يلحظ فيها تمظهر حالة السعي الممنهج إلى النيل منها سمعة او تحقيرا ، او الحط من مكانتها الإجتماعية ، ودائما في بيئة أسرية مضغوطة بوجود أب مثلا و زوجته وابنة من زوجة متوفية او مبهمة المكان ، وفي أحايين كثيرة يلغى وجود الأم.
ولا يؤشر عليها في استزادة ان للطقسية الغيبية او كتجل مقدس لا يجوز التعمق فيها ، وهذا ما أشار إليه الباحث فراس السواح في كتابه / الأسطورة والمعنى .. دراسات في الميثولوجيا والديانات المشرقية ،، دار علاء الدين دمشق 2012 / : (لدينا مصطلحات يمكن تصنيفهما تحت رمز الحكاية البطولية ، أو الحكاية البطولية الإخبارية وهما الليجندة ( legend ) والملحمة ( Epic ) فالليجندة هي قصة غير متحقق من صحتها تاريخيا رغم الاعتقاد الشخصي بصحتها ويغطى عليها الخيال وتمتلىء بالمبالغات وهي تدور غالبا حول حياة أشخاص متميزين ومحبوبين على النطاق الشعبي وتنتمي قصص حياة وأعمال وكرامات القديسين إلى هذه الزمرة .
أما الملحمة ، فهي تأليف شعري عالي المستوى يقص سلسلة من أعمال ومنجزات أحد الأبطال وتجري معالجتها بإطالة وتفصيل على شكل مضطرد … صفحة 17 / . وهنا ، وفي طبيعة دور المرأة ومتحولاتها إن كنتاج لصراع بنيوي انثوي ونزعة الهيمنة والتملك بين فتاتين او اموي بطابع انحياز تفصيلي بشكل تنتفي فيها العدالة وتشوبها نزعات شيطانية وممارسات بشعة ويلاحظ فيها وجودا مهمشا او غائبا للرجل لفترات أشبه ما تكون استبعادية بطرائق عدة تتفاوت حتى بفترة زمنها الحكائي.
أن كل المعطيات أعلاها توحي بمقدمات صريحة على الدخول في دائرة التدرج نزوعا نحو الحط من قداسة المرأة / الإلهة وبالتالي تسطيحها ميثولوجيا وانكشافها بشريا كإنسانة تخطئ وتصيب ، تحيا وتموت .. الخ . هذه الإشكاليات التي رأيناها في نماذج عديدة – خاتونا زمبيل فروش .. هش مراري ، وما سنلحظه في سينم وغيرها . وقبل الدخول في تفاصيل الملحمة، لابد من التنويه تعريفا ب / .. الحكاية الشعبية .. ما يميزها عن الحكاية الخرافية والحكاية البطولية هو هاجسها الإجتماعي، فموضوعاتها تقتصر على مسائل العلاقات الإجتماعية والأسرية منها خاصة ، والعناصر التي تستخدمها الحكاية الشعبية معروفة لنا جميعا ، وذلك مثل زوجة الأب الحقودة ، وغيرة الأخوات في الأسرة من البنت الصغرى التي تكون في العادة الأجمل والأحب … والحكاية الشعبية واقعية إلى أبعد حد وتخلو من التأملات الفلسفية والميتافيزيقية ، مركزة على أدق تفاصيل وهموم الحياة اليومية .. ورغم استخدامها التشويق إلا أنها لا تقصد إلى إبهار المستمع بالأجواء الغريبة أو الأعمال المستحبة وبعض أبطالها أقرب إلى الناس العاديين .. ( السواح المصدر السابق ص 18 ) ..
وفي تأجيل سأتقصده هنا للتمحيص اكثر تنظيرا وفي تقاطعات صريحة مع أسس ومنهجيات التدرج انحيازا للأسطرة وعودة بتلك الحكايا الى بيئتها الحقيقية هنا ، حيث كانت وعيا أنتجت في الأعالي ، سأتوخى التركيز على ملحمة سينم و ستليها لاحقا أيشكا سيوي و فاتماخانم.
وهنا ، ومن جديد لابد لي من التذكير : أنني أدين بالشكر الجزيل للشاعرة السيدة ليلى قمر من ديريك والتي بذلت جهودا كبيرة وإليها يعود الفضل في توفير نصوص محاكاة وأصوات حية لنماذج من كل هذه الحكايا ، ولا أبالغ : إن اعتبرتها المساهمة الأكبر في مواضيع جد هامة لكثير من موضوعات هذا البحث وتناصها أيضا بعد ان لملمتها بجهودها وتساعدنا نحن الإثنين في إعادة التقاص في مسعى جدي وكوجهة نظر للجو المتوقع ان تكون – قريبة من بيئتها الرئيس – خاصة في بيئتي المجتمع الكوردي ، المديني منه والقروي المستقر – ديماني- و من ثم الكوجري منه المتنقل.
تقول مفردات القصة وكأية قصة او حكاية شعبية كوردية فأن أبا سينم كان من علية قومه واغنيائها ، وهي ابنته الوحيدة ،
وكانت ذي جمال رائع ذاع صيتها في الآفاق ( ويلاحظ اغفال دور الأم او في احسن الأحوال اعتبرت سينم في بعض الانساق يتيمة الأم ) ، وفي احدى السنوات أراد الأب أن يذهب صوب الأعالي ( بالكوردية bi banî ve ) وهذه المفردة تتكرر في كثير من الحكايا ولتسبغ بصيغ ديانات توحيدية لاحقة فقيل بأن أباها نوي أن يحج ، وحيث أن الحج كان يحتاج إلى فترة زمنية طويلة قد تصل إلى سنين ، لذا ارتأى ان يوصي بابنته وجميع املاكه كعهدة إلى ملا القرية – وهذا التشخيص بحد ذاته مؤشر على تغيير وعيوي ديني – إلى حين عودته ، وبالفعل كبر الملا ذلك وتعهد بأن يصون الأمانة ويرعى سينم كإبنة له ، وانطلق الأب يقصد طريق الحج ، ومضت الأيام والأسابيع وأمام جمال سينم بدأت نيات الملا تتدرج إلى غريزية تدفعه للوصول إلى سينم ونيل مبتغاه منها ، وأمام تغير تصرفاته ومحاولاته العديدة التي وصلت إلى حد حصارها جوعا و تهديدها بالتشهير فيها وسط كل المحيط ، وأخذ يرمي خلف غرفتها بكل بقايا ما يوميء على أنها مجرد فتاة / غانية تستهوي وتدخل إلى دارها ما ترغب من شباب ورجال عابرين ، وأمام الحصار المطبق والجوع الذي أخذ يحوطها ، لم تجد بدا من التسلل إلى الخارج عبر – الطاقة – النافذة ليلا ( والطاقة .. الشباك بحد ذاته هو تعبير رمزي يوحي بالنجاة ).
انطلقت سينم غير مبالية بالليل والوحدة ولا حيث الاتجاهات ، ستار من الحلكة القاتمة ودروب غامضة باتجاهات مبهمة، ومع انسياح الحلكة قليلا وعلى تناغم صوت الحيوات في بيئتها الغامضة وكأنها تحس بلواعج الفتاة المنهكة أخذت تراتيل الألحان تحوم حولها ، وكأنها تستدرجها إلى تلك الأشجار وبقايا اعشاب ونباتات متعددة وخشخشة أشبه بنشاز متقصد من عازف ربابة ماهر ، دلفت سينم إلى أعماق تلك الحشائش والشجيرات التي غدت كمواطن لها تختفي فيها نهارا وتظهر ليلا ويقال بأن نبتة – سيف سيفوك التفاح البري وهو نوع من النباتات ثمرته تنمو داخل التربة مثل الفجل والبطاطا – وبدت هذه النبتة لصيقة حياتها تأكل منها كمرضعة وتغني لها شجونها فتتساقط مع ألمها ودموعها وريقات النبتة ( ولايزال الرعاة يحبذون غناء أغنيتها بجانب تلك النبتة على زعم أنها فعلا تبكي وتتساقط أوراقها ألما مثل – rondikê çava – ( ولهذه المقولة توضيح سيذكر لاحقا ) . ومرت الأيام والشهور وهي في هذه الحالة ، ومعها اخشوشنت ملابسها وتقطعت وأظافرها تحولت الى ما يشبه المناجل ، وشعرها كصوف الأغنام البرية أشبه بعقد متفرقة معفرة وقد جعلتها بقايا التراب الممتزج بالعرق وبقايا الماء ككتل متحجرة ، سينم أصبحت أشبه ماتكون بتلكم النسوة اللاتي تعرفن ب – pîra mirovxwer – , وفي عودة الى مسقط رأسها ، حيث كان الأب قد عاد ، وكان الملا قد أخبره زعما بتصرفات سينم وهدرها لشرفها وكرامة ابيها وكيف انها اصبحت انموذجا للعهر يلوك بشرفها وتصرفاتها السنة المحيط ، ونجح الملأ في إثارة نقمة الأب ونزعته للوصول إلى حيث هربت إليها سينم ومن ثم قتلها غسلا للعار ، لابل ، منح جائزة لمن يدله إن لمكانها او حتى قتلها ..
و .. لتمضي الشهور والسنين بسينم المسكينة بين تلك الأحراش والأشجار وقد حولتها بيئتها الى مزيج من الظهور الشكلاني الانساني الأقرب الى الحيواني ( يلاحظ هنا خطوة نحو التحول – التمظهر ) ، وفي ذات يوم من الأيام ، كان ملك المملكة القريبة من تلك المنطقة في رحلة صيد ، قادته إلى تلك الأحراش ، وكان لضجيج مرافقيه والأحصنة دور في إفاقتها من نوم النهار.
استيقظت فزعة وأخذت تركض بلامبالاة والخوف قد تحول عندها الى رعب حقيقي ، لاحظها الملك وهي تركض منحنية كحيوان بري ، لاحقها برهة .. شكك في الأمر .. خاطب جنده يأمرهم بالقبض على المخلوق من دون اذية .. وبالفعل طوقها الجنود واقتادوها للملك.
كان منظرها مفزعا جدا ومؤلما، حاول الملك وجنوده التواصل معها ولكن ! لا أمل ! عادوا بها إلى القصر، وأمر الملك جواريه العناية بها ، فأدخلوها إلى الحمام لنهار كامل والجواري تسعين بكل جهد إلى إزالة الطين المتحجر على شعرها وقص أظافر يديها وقدميها ، وما أن خرجن بها إلى حيث مجلس الملك الذي وقف مذهولا أمام جمالها السماوي الخارق .. هرع إليها وهو في حالة لا يمكن وصفها .. سألها من تكن ؟ أجابت بأنها لا تعرف ، وفقط وجدت ذاتها وهي هائمة بين هذه الحيوات من شجر ونبات وحيوانات .. سألها الملك فجأة إن كان يقبلها زوجا .. وافقت سينم ، ومضت بهما الأيام وأصبح لهما ولدين ، ومع الأيام ازداد حنينها وشغفها اضف الى ذلك قلقها وخوفها على ابيها ، وماذا عساه ان يكون ذلك المؤتمن الخائن والقذر قد قال في حقها ، لابل ، لعله قد فتك بأبيها ايضا واستولى على كل ممتلكاته ايضا ! .. وذات ليلة اخبرت زوجها الملك فجأة ! بأنها تذكرت مكان اهلها وتتمناه ان يسمح لها بزيارتهم . فرح الملك أكثر منها ، ووعدها ان يجهز كاروانا يليق بهما، ليذهب بمعيتها والأولاد إلى أبيها وجدهما .. ترجته ألا يرافقهم في هذه المرة على ان يأتي لاحقا ، او انها سترسل في طلبه قبل العودة ، رضخ الملك لرغبتها وجهز لها قافلة تليق بها وولديه وأوعز الى أخلص خادمين عنده بمرافقتها وايصالها مع الولدين الى حيث ديار اهلها.
في اليوم الموعود انطلقت القافلة ومضت الأيام بهم والليالي ، وذات ليلة قمرية وبعد ان حددوا مكانا للإستراحة حتى الصباح .
من جديد برزت الغريزة دورا وبدأت الرغبة تجمح في ذهنية واحد من العبدين الذي فقد الضبط النفسي أمام جموح سينم وجمالها والتي بدأ أن القدر لها دائما بالمرصاد . أخذ العبد يزين لصديقه ويصور له تلك المتعة واللذة في الجماع مع الملكة .. أخذ صاحبه يكرر على مسامعه مخاطر ذلك وان الأمر قد يكلفهما حياتهما !! إلا أن صاحبه هدأ من روعه ، وأكد بأنهما سيتخلصان منها والطفلين ، وسيعودان إلى الملك زاعمين بأنها في استراحة ليلية وبينما كانا نائمين هربت بالولدين او ان عشيقا لها ترصدهما وخطفها مع الأولاد … اتفقا وذهبا اليها والولدان نائمان .. تقدم منها الأول وبيده سيفه يهددها بأن ينالا منها وطرهما أو انهما سيقتلانها والطفلين ! .. تدخلت عليهما ورمت لهما بكل صيغتها وما تحمله معها على ان يتركاها وولديها ؟ ولكن هيهات ! .. تناول العبد واحد من الولدين وقطع رأسه أمامها وهدد بقتل الثاني .. أصرت وهي تحاول اقناعهما بالمال ؟ ولكنهما رفضا وقطعا رأس الطفل الثاني .. أخذا يضيقا الخناق عليها وأن الدور الآن عليها .. بعد زفرة
طويلة ، تطلعت فيهما سينم وقالت : انا موافقة ولكن لي شرطان ؟ .. أجابها أحدهما : لك ما تريدين ؟ .. طالبتهما بقطع أذني طفليها ومنحها القطع الأربعة .. نفذا لها ذلك .. وطالباها بالشرط الثاني ! .. قالت : أريد الذهاب إلى الخلاء لاقضي حاجتي فأعود لأكون لكما .. رد العبد قائلا : لك ذلك وسيرافقك صديقي ؟ .. قالت له : وكيف ذلك ؟ الإختلاء لن يتم إلا اذا ذهبت لوحدي ! هذه طبيعة البشر ( وهذه رمزية انكشافية متحولة من طوباوية مقدسة إلى تجل واضح ) .. رد عليها العبد موافقا شريطة أن تكون على مسافة قريبة بحيث انه مجرد أن يناديانها عليها ان ترد بصوتها … انطلقت سينم من جديد والوجع كالجبال قد تراكمت ألما وغما على صدرها وصورة جسدي طفليها ، وماذا سيقول هذان المجرمان ليضيفا قبحا جديدا إلى سجلها ، اتجهت صوب اللامكان وبخطى بطيئة بداية كانت ترد عليهما ، ومالبثت ان نهضت وأخذت تركض بلا وعي ، فتختفي كعادتها سابقا نهارا تحتمي بأعشابها وتنطلق ليلا .. مضت الأيام ، ومل العبدان من البحث عنها ، وعادا إلى الملك وسردا له ما اتفقا عليه ، أن عشيقها كان يتابعهم ، وبينما كانا نائمين استيقظا ولم يجداها مع الأولاد ، وجن جنون الملك من غدر وخيانة زوجته وفرارها بولديه ، وصمم أن يصلها ويقتلها مهما دارت به الزمن ، فجهز حملة كبيرة وانطلق للبحث عنها…
في الأصقاع يحاول الإستدلال عليها وعلى مكان والدها ….
وفي العودة الى سينم ، وبعد أن تأكدت بأنها أصبحت في مأمن من العبدين .. أخذت تسأل عن الطريق المؤدي إلى بلد اهلها، وقبل الوصول إلى تخوم اهلها ، التقت براع للغنم واشترت منه خروفا ، ترجته ان يذبحها لها وان تعطيه فقط جلده وقليل من اللحم ، لبى الراعي طلبها بعد أن قايضت الراعي على لباسه ايضا ، متحججة بأنها امرأة تسير لوحدها مما سيعرضها لأخطار كثيرة ، استبدلت ثيابها وجففت جلد الخروف وفصلت منه غطاءا – فروة يطابق مقاس رأسها و … انطلقت حتى وصلت إلى حيث بلدتها … انتظرت الليل .. توجهت إلى حيث دار أبيها .. قلبها أخذ يخفق كطبل وعيناها جحظتا .. مشاعر تداخلت بين حنين وألم وخوف من الغدر وإن تفوتها العاطفة فيفتك بها قبل ظهور الحقيقة .. تمهلت قليلا .. هدأت من وقع أنفاسها ، عدلت من هيئتها وأخذت تحاول ضبط إيقاع صوتها … دنت من باب الدار وتوجهت إلى حيث المجلس .. وقفت على الباب وهي تدوزن إلى أقص حد ضبط كل شيء ! .. دقت على الباب .. جاءها صوت والدها : أدخل … دخلت … تلفتت متطلعة بالجالسين ! .. والدها في الصدر والملا بجانبه وخادم قرب الموقد يخدمهما .. سلمت بصوت جهوري بدا عليه الخشونة قليلا .. طلب منها والدها الدخول والجلوس .. ( وستبدأ من الآن التعامل معها وفق شخصية كجل ) , وسأل : من انت…..
وما الذي جاء بك إلى ديارنا في هذه الليلة ! … ردت بصيغة كجل المتنكر : سيدي انا غريب وأبحث عن عمل ؟ .. سأل الأب : وأية أعمال تتقن ؟ .. أي عمل ! .. رد الأب : إن كنت تصلح للرعي فأن راعينا سينتهي عقده عندنا اعتبارا من الغد ، ويمكنك العمل مكانه .. تدخل الملا مباشرة في الحديث قائلا : لالا .. لا يلزمك راع تمهل ! فنحن لاندري قرعة ابيه لهذا ال – كجل – ولا من هو أومن أين جاء ؟ .. انقبض قلب كجل وهم بالكلام إلا أن الأب كان أسرع حيث قال : ما بالك يا ملا ؟ .. لماذا تحاول أن تقطع رزق هذا المسكين الذي قصدنا في الوقت المناسب! ونحن كنا في حيرة من أين سنأتي براع جديد ؟! .. تطلع في الخادم وقال له : خذه ودله الى الغرفة التي سيبيت فيها .. خرجا وكجل يكاد ان يتحول بكليته الى معجزة حنينية بامتياز تتقافزه وحشة المكان .. ونسيت لحظة تنكرها واخذت تتأمل المكان بحجارتها وذرات تربتها وشهقات طفولتها !! ..
تتمنى لو تستطيع تلمس كل ذرة هنا ! .. ولكن ؟ ويحك ؟ أتريدين أن يفتك بك الملا وبخنجر أبيك ؟! … تمهلي ! .. و … مضت الأيام والشهور وسينم بشخصية – كجل – تخرج صباحا وتعود مساءا وتجلس مع الملا وابيها في المجلس وكل اقاصيص الملا حول سينم وعهرها الفظيع وما لوكته في سمعة ابيها يحفزه ليصل اليها ويقتلها والأب يصر على اسنانه شحذا وتهديدا في الوصول اليها وقتلها بيديه غسلا للعار و … مضت الأيام والشهور وجاء شتاء كغير كل الشتاءات ، مطر متواصل ليلا ونهارا ، وبات الخروج الى المرعى قليل ، وذات ليلة والمطر كالعاصفة كان يهطل بغزارة .. النار وتلاطيش حكايا كانت زاد هم في قعدتهم المسائية ، بداية كان صوت لرف كبير من الحمام حطت فوق سطع بناء القصر الكبير .. هذا ما قاله لهم الخادم بعد ان فتح الباب يستطلع ! … و .. هبت عاصفة قوية وتداخلت قطرات الماء مع حبات البرد التي بدت كقطع حصى يهتز الأرض من وقعها و … في العودة إلى الخارج … خارج الدار .. وايضا إلى الملك وجيشه الذين وصلوا إلى محيط القصر وهم لا يعرفون المكان أصلا ! .. تشاور الملك مع مستشاريه يستفسر ما يتوجب عمله ؟ .. بعد أخذ ورد ..
صمم ان يبقي الجيش في الأطارف، وطلب من الخادمين فقط مرافقته و … وصل الى باب المجلس ودق الباب .. فتح له الخادم وجاءه صوت الملك يستأذن المبيت مع خادميه للغد ؟ .. كان الصوت كالرعد على مسامع كجل / سينم .. نهض الأب يستقبلهما مرحبا .. دخلا البيت .. اخذت اوصال سينم ترتجف في أعماقها وكان الضوء الخافت ستارا عليها ، وبعد ان تعشوا ، وأخذوا يتبادلون أطراف حديث ممل حينا وبليد أكثر الأحيان و .. على حين غرة استجمعت سينم ما فيها من طاقة ونطقت بشخصية الراعي طالبة منهم السماح بأن يقص عليهم قصة ! .. قاطع الملا كلامه وقال : وماذا عندك كحلي كوري ….
ياالأصلع القذر ؟ اسكت ولا تتكلم .. نهر الأب الملا وقال موجها كلامه ل كجل وماذا عندك ؟ … قال : قصة الفتاة سينم وطهرها .. بهت الأب وقال هات .. تكلم .. وبدأ الراعي القصة من بداية نية الأب الذهاب إلى الأعالي / الحج وبعد أسبوع ما فعله الملا .. هنا نهض الملا يستأذن الإنصراف بحجة النوم ، فما كان من الأب إلا ان يجره برأس – كوبال – كان بجانبه وأمره بالانتظار .. وحينما وصل الراعي إلى نقطة منع الأكل والشراب والتهديد بالتشهير باخلاقها إلى أن وصلت الأمور بسينم إلى : إما الرضوخ لطلبه او الفرار ، وفضلت الفرار وانطلقت هاربة وسط الليل .. نهض الملا ثانية ينوي الانصراف
وهو يقول : لقد مس الجان عقل هذا الراعي الخرفان .. إلا أن الأب جره من قدمه ثانية واقعده مكانه .. و … شيئا فشيئا وصل كجل الى الآحرش وما آلت اليه احوال سينم الى ان رآها ملك كان مع بعض من عساكره في رحلة صيد … و .. هنا عدل الملك في جلسته يصغي باهتمام .. نعم ! انه هو المقصود ! وتلك الفتاة هي أم طفليه ! .. أجل هي الخائنة ! … وفضل ألا يقاطع ، واستمر يسمع و … ذكر العرس والزواج وولادة الطفلين ورغبة سينم القوية في السفر إلى أهلها ورؤيتهم و … هنا أخذ الرعب يزحف إلى دواخل العبدين المرافقين للملك ! قاطعا كجل يستأذنان الملك بالذهاب لتفقد وضع الجيش المرافق ! ..
رفض الملك ذلك وطلب منهما السكوت .. أكمل كجل القصة ووصل إلى الليلة المشؤومة، والخيمة والطفلين النائمين كملائكة ، وكيف ان العبدين راوداها على نفسها ، وقطعا رأس الطفل الأول ومن ثم الثاني وهي لم تستسلم ! ولما هدداها بقتلها رأت ان تحايلهما لا حبا في الحياة بل لتكشفهما ذات يوم ، أظهرت الموافقة بشرط أن يقطعا لها أذن طفليها .. و … كيف فرت منهما ليلا و … انطلقت إلى حيث التقت بالراعي وبادلته ثيابه بقطعة ذهبية وأخرى بحروف يتنكر بفروته ك – كجل – وقصدت باب بيت ابيها بحثا عن عمل والذي قبل بها راعيا وصممت ألا تظهر على حقيقتها لأنها كانت واثقة بأن زوجها الملك وعشقه لها وبحثا عن ولديه سيأتي يوما ما .. ثم نهضت سينم ورمت بفروة رأسها أمام والدها وأخرجت الأربع قطع من أذن ولديها رمتهما أمام زوجها وصرخت .. هذه أنا سينم .. أقتلوني إن كنت مذنبة …. و .. أشهر الملك سيفه وقتل عبديه الخائنين وفعل الأب العمل ذاته مع الملا …
– ختاما هناك كلام لابد منه :
لازال الوعي الشعبي وفي أنشودة مرثية سينم – سر يلي – يرددون بأن الرعاة او كل من برع في غناء هذه الملحمة صوتا او لحنا .. يقتعد بقعة يكثر فيها شجيرات – نباتات سيف سيفوك البرية وما ان يتصاعد الأنين وتتمركز الأحزان إلى حد تقاطر الدمع حتى تبدأ وريقات هذه النبتة بالذبول ألما وتتفتح بحركة إلى أن تنذوي وتتساقط ، هذه الظاهرة التي تذكرنا بطقسية المسرحيات التي كانت تقام بضواحي أثينا والتي كانت مكرسة للعالم الآخر ، التي أشار إليها ميغوليفسكي في كتابه والذي سبق ذكره – أسرار الديانات – / .. ففي زمن ما ، كانت الإلهة كورا إبنة الإلهة ديمترا تجمع الزهور في هذا المكان ( ايلفيسين بضواحي أثينا ) مع كل من أثينا وأرطميس ، وعندما قطعت كورا زهرة زعفران ، انشقت الأرض أمامها ، وعبر ذلك الشق حمل هاديس كورا ومضى بها إلى مملكته السفلية وتزوجها ، وبحثت ديمترا طويلا عن ابنتها وعانت الطبيعة معاناة مضنية جراء اختفاء كورا ، حيث جفت الينابيع والأنهار واقحلت الحقول فأحببت المجاعة بالناس ، .. ص 62 ) .. وتمضي الأسطورة لتؤكد أن ديمترا عرفت مكان ابنتها إلا أنها ونظرا لأن كورا كانت قد أكلت نبتة الزعفران استصعب عليها العودة الكاملة إلى الحياة والتأكد الأم إلى مجمع الآلهة الذي سمح ل كورا بالعودة ستة أشهر الى العالم العلي ومثله في السفلي في تقاطع حقيقي مع اينانا و دوموزي … و .. أخيرا سيبقى السؤال مفتوحا حول : نبتة الزعفران وسيف سيفوك و أيضا أوراق
شجرة – لاوكي معدني …
للنص بقية يتبع …[1]