=KTML_Bold=دلشاد مراد: النظام الفيدرالي الديمقراطي وأهميته لدى المكون العربي في شمال سوريا=KTML_End=
يمكننا تعريف النظام الاتحادي الديمقراطي (الفيدرالية المجتمعية) بأنه نظام إداري سياسي مجتمعي، يجمع بين مقاطعتين أو إقليمين أو أكثر ضمن إطار أو سقف إداري موحد، مع تمتع كل مقاطعة أو إقليم بإدارتها الذاتية الديمقراطية، وتمثيل كافة المقاطعات أو الأقاليم في مؤسسات اتحادية “فيدرالية” عليا، ويهدف إلى إيجاد حالة من التنسيق بين المقاطعات أو الأقاليم والمناطق ذات الخصوصية، بحيث يتمتع جميع المكونات والشعوب بهويتها وخصوصيتها بصورة أشمل وفي كافة المجالات والأصعدة، ضمن حالة نموذجية من التعايش السلمي والإخاء الإنساني.
ومن خلال هذا التعريف يتبين لنا إن النظام الاتحادي الديمقراطي نظام توحيدي وتجميعي وديمقراطي يستند على المفهوم المجتمعي على عكس ما يروج له بعض الجهات ذات الغايات السيئة بأنه نظام تقسيمي وانفصالي وإلى ما هناك من ادعاءات وتحليلات لا أساس له من الصحة.
البعد التاريخي للفيدرالية المجتمعية
إن ما تجتازه شعوب منطقة الشرق الأوسط في الوقت الراهن ليس إلا تناقضات وصراعات ومشاكل متراكمة منذ القدم، وقد جرت محاولات ناجحة في السياق التاريخي للمنطقة لتوحيد خطاب شعوب المنطقة والتعايش جنباً إلى جنب ضمن اتحاد فيدرالي أو كونفدرالي وكانت نماذج مثالية للاتحاد والشراكة بين الشعوب على مر التاريخ، كما هو في نموذج ما قام به الناصر صلاح الدين الأيوبي عندما شكل جيشاً من جميع شعوب المنطقة، حارب به الصليبين، ونجح من خلال هذا الجيش الاتحادي من تحرير مدينة القدس التي أصبحت مفتوحة أمام أبناء جميع الطوائف الدينية. وهذا النموذج يكرر ذاته في شمال سوريا حالياً من خلال مشاركة جميع مكونات المنطقة ضمن إدارة موحدة وجيش اتحادي مشترك (قوات سوريا الديمقراطية) التي تقوم بمهمة مقدسة في تحرير المدن والبلدات والقرى من مرتزقة العصر (داعش وأخواتها).
سوريا… والحاجة إلى النظام الفيدرالي
بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى لجأت الدول الأوروبية إلى تقاسم النفوذ في الشرق الأوسط من خلال اتفاقية سايكس بيكو 1916 ومؤتمر سان ريمو 1920 واتفاقيات أخرى، وعلى أثرها أعيدت صياغة خريطة المنطقة دون أي اعتبار لمصالح أو إرادة شعوبها، فأنشأت دول جديدة وجزأت موطن الكرد والعرب والسريان والآشوريين، تخللتها أبشع مجازر في التاريخ بحق الشعب الأرمني والسرياني والكردي والآشوري خلال أعوام 1914- 1918 راحت ضحايا تلك المجازر الملايين من النفوس على يد الطورانيين الأتراك وسط صمت مطبق من دول العالم آنذاك، وقد ظهرت سوريا ككيان في سياق مخاض تلك الاتفاقيات الاستعمارية التقسيمية خلال عامي 1918-1920.
عمل الانتداب الفرنسي جاهداً لبث مظاهر الفرقة والانقسام بين الشعوب والمكونات السورية من خلال خلق ولاءات طائفية وحزبية، وهو ما كان له التأثير الأكبر في مجرى الحياة السياسية السورية بعد الاستقلال وخروج الفرنسيين من سوريا في عام 1946، وقد تمثلت ذلك بالانقلابات المتكررة بين عامي 1949- 1970.
ومن خلال انقلاب 08-03-1963 سيطر حزب البعث (القومي الشوفيني) على مقاليد الإدارة في البلاد، وعلى الفور بدأ بسلسلة من الإجراءات والمشاريع الشوفينية بحق مختلف المكونات وبالأخص الشعب الكردي من خلال تطبيق نتائج مشروع الإحصاء لعام 1961 والذي بموجبه سحب الجنسية لعشرات الآلاف من المواطنين الكرد وأصبحوا مكتومي القيد وما رافق ذلك من نتائج اجتماعية واقتصادية جائرة على قطاع واسع من المكون الكردي، ومشاريع تمييزية أخرى كحظر اللغة الكردية ومنع الكرد من ممارسة حقوقهم السياسية والثقافية، وقد استمرت تطبيق تلك المشاريع العنصرية والشوفينية مع وصول حافظ الأسد إلى إدارة البلاد من خلال انقلاب 16 تشرين الثاني 1970 بل وتوسع في ذلك من خلال نهب أملاك الكرد وتنفيذ مشروع الحزام العنصري وبناء مستوطنات في المناطق التي يكثر فيها المكون الكردي، وقد عمل الشعب الكردي على الوقوف بوجه النظام البعثي وتوجت مقاومته بالانتفاضة التي اندلعت في 12-03-2004.
لم يكن الكرد هم وحدهم المستهدفين فقط من النظام البعثي الذي خلق دولة مركزية بوليسية وفاسدة وخلق مواطنين كالعبيد، وبث روح العداوة والكراهية وعدم الثقة والتعصب بين الشعوب، وقد تأثر المكون العربي بذلك كثيراً ولم يسمح لهم أيضاً بممارسة الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية بشكل حر، كما إن المكون السرياني والآشوري والكلداني والذي لهم تاريخ عريق وأصيل فرضت عليهم أيضاً سياسات التهميش والإقصاء بحق قوميتهم ولغتهم وثقافتهم.
وقد أوصلت السياسات الشوفينية والعنصرية التي اتبعها نظام البعث – والتي كانت نتيجة بالأساس لتراكمات وتناقضات ومشاكل الأنظمة التي سبقتها منذ ظهور الكيان السوري- إلى الحالة الراهنة التي تشهدها البلاد من حرب دموية وما يرافقها من تدمير ممنهج وإزهاق أرواح عشرات الآلاف وتشريد الملايين من أبناء سوريا، ولذا فإن الدعوة إلى تطبيق النظام الفيدرالي المجتمعي لم يأتي عبثاً، بل هي حاجة مجتمعية ضرورية وعاجلة لإنقاذ الوطن السوري من براثن المركزية والفساد والعنف والحرب الهمجية والتدمير الممنهج، وكوصفة دائمة لحل قضايا المكونات والشعوب السورية، بل ولكافة القضايا والأزمات والمشاكل المجتمعية في البلاد.
العشائر العربية في شمال سوريا
يمتاز المجتمع العربي في روج آفا وشمال سوريا باستمراره في الحفاظ على أصالته وتراثه والبقاء ضمن كينونة أو مؤسسة العشيرة والقبيلة، ومن أبرز العشائر العربية في روج آفا:
مقاطعة الجزيرة:
منطقة تربه سبيه: طي، الراشد، المعامرة، الشرابيين، الشمر، الجوالة، السياد.
منطقة كركي لكي وتل كوجر: الشمر، الشرابيين، الزبيد، الجوالة، الراشد، الجبور، بني سبعة، البوخطاب.
منطقة ديريك: الشرابيين.
منطقة تل تمر: بكارة الجبل (جبل كزوان-عبدالعزيز)، الشرابيين بفخذيها السهم والحجاج.
منطقة سريه كانيه: العدوان، الجيس، النعيم، البكارة، الشرابيين، الشرفة.
منطقة الحسكة والشدادي والهول وتل براك: الجبور، البكارة، الخواتنة، الملحم، المسلط، الحسون، العكيدات، الخنافر والحريث.
منطقة درباسية: عشيرة حرب، البكارة، بني سبعة، الشرابيين.
منطقة قامشلو: طي.
مقاطعة كوباني: العميرات (في صرين).
منطقة كري سبي- تل أبيض: البوعساف، النعيم، بني سعيد، الهنادي، المشهور، البدو.
مقاطعة عفرين: العميرات، البوبنة.
الشهباء: البوبنة.
الرقة: البوشعبان، المجادمة، الجيس، البوجابر، الجبور.
دور المكون العربي في تحرير شمال سوريا
يساهم أبناء المكون العربي بدرجة فعالة في حملات تحرير وحماية مناطق شمال سوريا، فتشكلت كتائب وألوية عسكرية أصبحت تحارب مرتزقة داعش وتشارك في حملات التحرير جنباً إلى جنب مع وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة والمجلس العسكري السرياني.
أولى تلك الوحدات العسكرية كانت قوات الصناديد التي أسسها الشيخ حميدي دهام الهادي شيخ قبيلة الشمر في سوريا، ويتركز وجودها في منطقتي تل كوجر وجزعة أقصى جنوبي مقاطعة الجزيرة على الحدود العراقية حيث تتمركز قبيلة الشمر، وهذه القوات تعمل تحت قيادة مكتب الأركان في هيئة الدفاع والحماية الذاتية التي تضم جميع الوحدات العسكرية العاملة في ظل الإدارة الذاتية الديمقراطية في مقاطعة الجزيرة.
وفي حملة تحرير المناطق الجنوبية الغربية لكوباني ومنطقة كري سبي (تل أبيض) ومناطق الشهباء ظهر دور لجيش الثوار وغرفة عمليات الفرات التي احتوت على عدة ألوية وفصائل من المكون العربي أيضاً.
وفي 11 تشرين الأول 2015 أعلن عن تشكيل “قوات سوريا الديمقراطية” من وحدات وفصائل من جميع مكونات روج آفا – شمال سوريا بهدف تحرير المناطق المحتلة من مرتزقة داعش وأخواتها، ومن أبرز الفصائل العربية المؤسسة لها جيش الثوار، وكتائب شمس الشمال، وتجمع ألوية الجزيرة ولواء التحرير في الرقة، وبعد ذلك تسارع تشكيل فصائل عسكرية من البلدات والقرى العربية المحررة حديثاً من مرتزقة داعش لتنضم إلى قوات سوريا الديمقراطية ولعل من أبرزها: تجمع كتائب فرات جرابلس والتي تضمُ كلاً من (كتيبة فرسان جرابلس، الشهيد زكي الجادر، معيد الجادر، جمعة الجادر، شهداء الجوادر وكتيبة درع الفرات)، وكتيبة شهداء الفرات (أبناء قرى القبة وتل العبر ومزرعة القبة جنوب غربي مقاطعة كوباني)، كتائب شهداء السدّ (أبناء قرية المخمر العربية الواقعة 45 كم جنوب مقاطعة كوباني)، وكتيبة الشهيد كاظم عارف التابعة لجيش الثوار (أبناء عشيرة العميرات في منطقة صرين)، وكتيبة احرار جرابلس، ولواء جند الحرمين (أبناء منطقة منبج)، وكتيبة أحرار الرقة ولواء صقور البادية (أبناء العشائر العربية في الريف الجنوبي لمدينة الحسكة)، وكتيبة الشهيد شواخ (منطقة الشيوخ في جنوب غرب كوباني).
وإلى جانب ذلك يشارك أبناء المكون العربي بفعالية في قوات الأسايش ووحدات حماية الشعب التي شكلت مؤخراً في 7 أيلول 2016 كتيبة جميع مقاتليها من عشيرة الشرابيين العربية في منطقة تل تمر باسم كتيبة القيادي شورش خنس.
المكون العربي… ودوره في بناء الإدارة الذاتية الديمقراطية والنظام الفيدرالي
تشارك كافة مكونات روج آفا – شمال سوريا بفعالية في بناء الإدارات الذاتية الديمقراطية في مقاطعات الجزيرة، كوباني، عفرين ومناطق كري سبي (تل أبيض) والشهباء (ريف حلب الشمالي) وهم ممثلون في كافة هيئات ومؤسسات تلك الإدارات، والمكون العربي إلى جانب بقية المكونات (الكرد، السريان،…) له دور بارز في ذلك، وبالتالي في النظام الاتحادي الديمقراطي بإعتبارها المظلة السياسية للإدارات الذاتية الديمقراطية في المقاطعات والمناطق ذات الخصوصية في روج آفا- شمال سوريا.
وقد ساهم المكون العربي في مقاطعة الجزيرة بمختلف أحزابه وعشائره في تأسيس الإدارة الذاتية الديمقراطية التي أعلنت في روج آفا بتاريخ 21 كانون الثاني 2014، ومن أبرز العشائر المشاركة في الإدارة الذاتية، الشمر (في الريف الجنوبي لجل آغا)، والشرابين (في تل حميس، ومناطق في ديريك)، وحرب وعدوان (في منطقة سري كانيه)، والجبور (في الحسكة)، والزبيد، والبوخطاب (في منطقة تل براك)، ونعيمة وجوالة وطي والبكارة والجيس وغيرها. ومن أبرز الأحزاب العربية المساهمة في تأسيس الإدارة الذاتية الديمقراطية في مقاطعة الجزيرة “الهيئة الوطنية العربية” التي تضم عدداً من المؤسسات والفعاليات السياسية العربية.
وفي مطلع نيسان 2016 اجتمع رؤساء العشائر العربية في مقاطعة الجزيرة في مدينة قامشلو لتبيان موقفهم من النظام الاتحادي الديمقراطي المطروح في روج آفا والشمال السوري، إذ أكدوا أن النظام الاتحادي الفيدرالي هو مطلب كافة أبناء المنطقة لأنه يحثُ على الوحدة في التنوع لبناء سوريا ديمقراطية تعددية، وقالوا إن حل الأزمة السورية هي بيد شعبها ولا يمكن حلها بفرض أنظمة على الشعب من الخارج. وشاركت الفعاليات السياسية والمدنية للمكون العربي بفعالية في الاجتماع التأسيسي للنظام الاتحادي الديمقراطي الذي انعقد في مدينة ديريك (أقصى شمال شرق روج آفا) بتاريخ 16-03-2016، وقد شارك ممثلو المكون العربي في كافة لجان وهيئات المجلس الفيدرالي التأسيسي المنبثق عن الاجتماع التأسيسي للنظام الاتحادي الديمقراطي.
إن معظم فعاليات المكون العربي في مقاطعة الجزيرة مشاركة بالفعل في نظام الإدارة الذاتية الديمقراطية، وتؤيد الحل الفيدرالي، إلا الفئة التي يقودها محمد الفارس (ميليشيا المقنعين أو كما يسمونه الدفاع الوطني)، ومعلوم أن تلك الفئة معزولة من المكون العربي ذاته، ومعظمهم عناصر مرتزقة ومجرمون فارون من العدالة، أي أن النظام البعثي السوري الذي صنع ودعم هذه الميليشيا المعزولة لا يؤثر بتاتاً في قرار المكون العربي، وميليشيا محمد الفارس بالنتيجة الطبيعية لا مكان لها في المجتمع بتاتاً وهي في طريقها إلى الزوال (وقد تعرضت لضربة قاصمة على يد وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة وقوات الأسايش في مدينة الحسكة في منتصف آب 2016).
وفي منطقة كري سبي (تل أبيض) رحب أهاليها بتحرير منطقتهم من مرتزقة داعش من قبل وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة وغرفة عمليات بركان الفرات، وتم تشكيل مجلس أعيان لإدارة المنطقة إلى أن تم إعلان الإدارة الذاتية الديمقراطية في كري سبي (تل أبيض) في 21 تشرين الأول 2016 كمنطقة ذات خصوصية وضمها إلى مقاطعة كوباني، وقد أعلنت كبرى العشائر العربية في المنطقة تأييدها للمشروع الفيدرالي في روج آفا- شمال سوريا، وأبدى كبار شيوخ العشائر العربية تأييدهم للنظام الفيدرالي كشيخ عشيرة البوعساف عبيد خليل العساف، وشيخ عشيرة المشهور الشيخ بليخ الطحري، وشيخ عشيرة النعيم الشيخ عنيزان، والشيخ حمد شحادة شيخ عشيرة النعيم، والشيخ شلاش شيخ عشيرة البني سعيد والشيخ إبراهيم العيسى شيخ عشيرة الهنادي، وفي مقاطعة عفرين يشارك ممثلون عن عشيرتي العميرات وفي الإدارة الذاتية الديمقراطية وأبدوا تأييدهم للنظام الفيدرالي في عموم سوريا.
أي إن المكون العربي له دور فعال في التهيئة لتطبيق النظام الفيدرالي الديمقراطي المجتمعي من خلال مشاركته إلى جانب المكونات الاخرى في تحرير المناطق وتأسيس الإدارة الذاتية الديمقراطية وبناء المؤسسات وتنظيم المجتمع.
محاولات الفتنة وإبعاد المكون العربي عن دوره في بناء النظام الفيدرالي
تحاول بعض الجهات والقوى بكل امكانياتها خلق فتنة بين مكونات شمال سوريا وبخاصة بين المكونين العربي والكردي، ويتم ذلك بطرق وأدوات متعددة، فالنظام السوري قام بتشكيل مجموعات مسلحة مرتبطة بها وتؤتمر بأمرها بهدف زعزعة الاستقرار ودق إسفين بين مكونات روج آفا، كميليشيا المقنعين التي تلقت ضربة ساحقة في الحسكة مؤخراً على يد “قوات الأسايش وقوات الحماية الجوهرية ووحدات حماية الشعب والمرأة”، إضافة إلى مجموعات أخرى في أوساط المكون السرياني، وهذه المجموعات المسلحة ليست لها أي تأثير على الأرض كونها معزولة من قبل المكونين العربي والسرياني، كما تعمل الدولة التركية ليل نهار على وضع الخطط لإجهاض أي مكتسبات لصالح مكونات المنطقة وذلك من خلال نشر كتابات ودراسات مشوهة ومزورة حول نسب عدد المكونات في مناطق معينة في روج آفا وتحديداً في مقاطعة الجزيرة (محافظة الحسكة سابقاً) ومنح النسبة الساحقة لمكون معين وتقليل نسب المكونات الأخرى وذلك بغرض زرع الشكوك بين المكونات وتحريضها على بعضها، مع العلم إن تلك الإحصاءات لا أساس لها من الناحية الواقعية وهي من نتاج وخيال بعض الشوفينيين والمراكز الممولة والمدعومة من الدوائر الخاصة التركية، إضافة إلى القيام بمحاولات فاشلة لتشكيل قوى سياسية معارضة للإدارة الذاتية الديمقراطية والفيدرالية من الأوساط العربية والتركمانية واغرائها بالتسليح مقابل محاربة المشروع السياسي لمكونات شمال سوريا وذلك تحت مسميات “جيش العشائر الشرقية” و”التحالف العربي التركماني” وغيرها… وكل تلك المحاولات قد فشلت بسبب غلبة إرادة التعايش المشترك لدى مكونات المنطقة ورفض الانزلاق إلى الحرب الأهلية بين المكونات التي لن يستفيد منها سوى المرتزقة والنظام الطوراني في تركيا والنظام البعثي الشوفيني في دمشق.
أهمية النظام الاتحادي الديمقراطي لدى المكون العربي في شمال سوريا
لقد عانت جميع المكونات السورية بما فيه المكون العربي من السياسات القمعية للنظام البعثي المستبد الذي يجثم على صدور السوريين منذ عام 1963، من سياسة فرض الأحكام العرفية والاعتقالات وفرض حالة من الرعب والتخويف عبر الأجهزة الأمنية المتعددة وكم الأفواه والتضييق على الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وقد كانت مناطق الجزيرة وشمال سوريا من أكثر المناطق استهدافاً من قبل كافة الانظمة التي تعاقبت على حكم البلاد منذ استقلالها من جميع النواحي لإبقائها في وضعٍ مزرٍ، حتى إن منطقة الجزيرة كانت تعرف قبل حكم البعث بالمنفى، لعدم تقديم أي نوع من الخدمات لأهالي المنطقة سواء أكانت من الناحية التعليمية أو الصحية أو التنموية…. الخ.
وفي عهد حكم حزب البعث تصاعدت السياسة التمييزية والعنصرية بحق المكونات السورية، وكثفت من مساعيها لضرب تلك المكونات بعضها للبعض، ومحاولة إلهاء المجتمع السوري بقضايا هامشية، وازداد الفقر في البلاد إلى حد لا يضاق، وأصبح البلاد مزرعة مباحة لآل الأسد وحواشيهم وللأجهزة الأمنية التي أنشاها لحماية نظامهم، والفساد تغلغل في جميع مرافق مؤسسات الدولة، ولم تعد هناك أي دور للمجتمعات المحلية في سوريا.
تأتي أهمية تطبيق النظام الاتحادي الديمقراطي “الفيدرالي المجتمعي” إن كان في شمال سوريا أو في جميع أنحاء سوريا في تقليص “هيمنة وسلطة الدولة على المجتمع” وذلك بتوسيع دور المجتمعات المحلية في إدارة مناطقها ذاتياً وبالمقابل يتم تقليص صلاحيات النظام المركزي للدولة الذي يفرض قوانينه وسلطته وجبروته دون أي اعتبار لإرادة المجتمعات المحلية، وهذا ما يؤدي إلى تفعيل دور المجتمع والذي بدوره ينعكس ايجاباً على كافة مفاصل حياة أفراد المجتمع. والمكون العربي وكغيره من مكونات الشرق الأوسط معروف عنهم وعلى مر التاريخ بمجتمعيتهم ووقوفهم قدر المستطاع بوجه المدنية على الطراز الغربي الذي يسعى على الدوام إلى صهر الثقافات الأصلية للشعوب وتحويرها ونشر الثقافة الاستهلاكية والتبعية في المجتمعات، وخير دليل على ذلك بقاء أغلبية المكون العربي في شمال سوريا على النمط العشائري الذي يعد بمثابة الضمانة لتمتين أواصر المجتمعية في الوسط العربي.
إن النظام الفيدرالي ضمان للحفاظ على الثقافات المتعددة وتقاليد الشعوب الأصيلة في سوريا وعلى تمتع تلك الشعوب بالعيش الحر وفق مشيئتهم ضمن عقد اجتماعي مشترك بين جميع شعوب ومكونات وفئات المجتمع، ودون أي تدخل من مركزية النظام، ولهذا يطلق عليه “الفيدرالية المجتمعية”، ومن الطبيعي عندما يدير المجتمع نفسه بنفسه، يكون ذلك المجتمع ديمقراطياً، عندئذ يصبح النظام الاتحادي الديمقراطي (الفيدرالية) الحل النموذجي لكافة قضايا المجتمعات ويضمن إنهاء دور الاستبداد والفساد في سوريا، وبالتالي هو البديل الديمقراطي الحقيقي للنظام المركزي المقيت الذي هو علة كل ما تعانيه البلاد في الوقت الراهن من تدمير ممنهج لم يشهد التاريخ مثيل له على الإطلاق.
دلشاد مراد – رئيس تحرير القسم العربي في صحيفة روناهي / سوريا
“ميدل ايست أونلاين”
[1]