محمد ح. الحاج
معركة حامية الوطيس على أرض الواقع ، تجتاحنا إعلاميا على صفحات التواصل الاجتماعي موضوعها الخطيئة الكردية والتي تصل حدود الاثم الوطني رغم اختلاف الآراء والرؤى ، صوابية السلوك ومشروعية الطموحات ، ومدى حدود التأييد المحلي ، بالأحرى مشروعية الطرح واستناده إلى أسس جغرافية أو تاريخية . ! .
الكورد لم يهبطوا من كوكب آخر ، ولم يأتوا الينا مهاجرين من قارة أخرى ، هم ليسوا من عرق آري أو مختلف عن أعراق مشرقنا ، وإذا كان امتدادهم من الهضبة الشمالية الغربية في ايران ، فهم مكون من الامبراطورية المشرقية وإن تناثرت وتشظت إلى ممالك ودول وامارات ، وهم عبر قرون عديدة انتشروا منها إلى الشمال السوري بشقيه العراق والشام ، ونعلم أنهم قبل قرنين كانوا ينتشرون في ولايات سورية الشمالية .. ديار بكر وماردين وأورفه وغازي عنتاب ، مشاركة مع سوريين آخرين من الآشور والكلدان والسريان والأرمن ، وشكلوا بمجموعهم رعايا الدولة سواء قبل الاحتلال العثماني أو خلاله وبعده ، لكن الصحيح أن العثماني استخدم بعضهم أدوات قتل موظفا العامل الديني في تصفية ومهاجمة الآخرين بعد أن وعدهم بإقامة دولة مستقلة ونقية خالصة لهم ، لقد شاركوا بمذابح السريان والأرمن ، وقبضوا الخديعة فغدر بهم الأناضولي وصاروا بالنتيجة هدفا لعسفه وظلمه ، وهو لم يتغير أبدا ، يكرر استثماره في شرائح من أبناء الأمة اليوم ، والتاريخ يكرر ذاته .!.
ليس دفاعا عن طرف ، وخصوصا الكورد الذين أعتبرهم مكون سوري أصيل ، فنحن نؤمن بأن حدود سوريانا هي منابع الفرات والهضبة الارمينية ، وأن من يحملون في أسمائهم كنى ، دياربكرلي ، واورفلي ومارديني وماردللي والعنتبلي هم من أصل سوري شمالي نزحوا بسبب الاضطهاد العثماني والمجازر التي ارتكبها ، ونعلم أن نسبة الكورد مطلع القرن الماضي لم يصل حدود 2% من سكان سورية حتى العام 1925 إلى أن قام الزعيم الكردي سعيد بيران بثورة على الأتراك في عهد أتاتورك ، قمعتهم السلطات التركية وهاجر نتيجة ذلك عشرات آلاف العائلات واستقبلتهم المدن الشمالية لتصل النسبة إلى ما يزيد على 8% من سكان سورية ذلك الزمن ، ونعلم أن عائلات كثيرة وكبيرة تقطن كافة المدن السورية قبل ذلك ولم يعتبرهم أحد غرباء بل هم من أهل البيت ، لهم كما لغيرهم من حقوق وعليهم بالمثل واجبات وكان منهم قادة وحكام ، كما لم يسجل التاريخ أن مدينة أو بلدة سورية في الشمال أسسها أو بناها الكورد بالمطلق إذ أن أغلب مدن الشمال سريانية أو آشورية ( بيت زالين – نهرين – نابيجو .. وهم - القامشلي – الحسكة – منبج - عين العرب والمالكية ، وكذلك عفرين ) ومعلوم تاريخ بناء كل منها ومن بناها ، الخلل الديمغرافي الحالي سببه هجرة واسعة النطاق شجع عليها الغرب وشملت السريان والآشور والأرمن ، بعد أن باعوا أملاكهم في تلك المناطق ..!.
ولنكن منصفين نذكر أنه قبل الستينات من القرن الماضي لم تعرف سورية ما يسمى اليوم مسألة كردية ، لكن ما حصل زمن الوحدة وبعدها كان تخوفا من أطماع تركية نتيجة هجرات متواصلة من مناطقنا السورية المحتلة ، وربما كانت المعالجات خاطئة غلى الأرجح وهي أدت إلى إيقاظ النعرة العرقية نتيجة عمليات إقامة شريط عربي فاصل بين الأراضي السورية الحالية والأراضي السورية المحتلة من قبل الأتراك ، وأقول معالجة خاطئة لأننا لم نستثمر الظلم والعسف التركي بحق الأكراد ليكونوا أداة سورية لتحرير الأراضي المحتلة .!. وأعتقد جاء ذلك على قاعدة فهم أن هؤلاء أتراك وليسوا سوريين – السلطات تناست أنهم من أرض سورية محتلة وأنهم سوريون .
قسد الكردية لا تختلف عن أي تنظيم من مكونات سورية تعاملت وخدمت الأجنبي ، فلا قسد تمثل الطيف الكردي ، ولا النصرة أو الجيش الحر تمثل السوريين ولا الاسلام ، التعامل مع الأجنبي ليس بجديد وأساسه ضعف التربية الوطنية والبحث عن المنفعة المادية كما الطموح إلى السلطة ، ويعلم الجميع أن الكورد ليسوا المكون الوحيد لهذا التنظيم العامل في خدمة العدو الصهيو – أمريكي ، هناك الكثير من أبناء العشائر وربما أفراد من الآشور أو السريان أو غيرهم لأسباب نجهلها ، ويبقى الدافع المادي هو الغالب ، يبدو أنه ليس مهما اكتشاف ما تضمره الأطراف كافة لهؤلاء العملاء ، كما لا يعنيهم الاستفادة من دروس التاريخ وخصوصا ما مر به الكورد من تجارب مريرة ، مع أطراف متعددة ، بدءا من جمهورية مهاباد وصولا إلى جمهورية البرزاني شبه المستقلة ، الأسوأ ما تطرحه قسد من فيدرالية وحكم ذاتي تحت الحماية الغربية ( أمريكا وفرنسا ) الأصح ستكون حماية صهيونية تتطابق مع خريطة نشرها البنتاغون في التسعينات وكانت تحمل اسم عملية شيخينا – تتضمن GREAT ISRAEL ويبدو فيها شرق الفرات تحت مسمى كردستان الكبرى ، وتضم الأجزاء السورية المحتلة من قبل تركيا ، اضافة الى شمال العراق وربما جزء من ايران ، وهذا ما أثار حفيظة الأتراك واحتجاجهم إلا أن يكون الأمر مسرحية متفق عليها وما حصل كان واحدا من فصولها .
لا أنكر أبدا أن لي الكثير من الأصدقاء شرق الفرات ، ومن العرقية الكردية ، أتحاور معهم فلا نتفق في كثير من الأحيان ، ينكرون أي توجه للانفصال عن الوطن الأم ، كنا على تواصل وزيارات منذ العام 2004 ، وكنا مع مطالبهم في اقرار اللغة الكردية كلغة تراثية مثل السريانية – الآرامية ، والارمنية ، ومع حقهم في المساواة وظيفيا لكل من استعاد جنسيته السورية ولا أقول حصل عليها فهم بالأساس سوريين قبل 1918 – 1923 ، ولكل من كان تعليمه في المدارس والجامعات السورية وعائلته تحمل البطاقة السورية ، فلماذا يحرم منها ولا يحق له العمل والوظيفة حتى لمن تخرج من كليات تلتزم الدولة بتوظيفهم ، وهكذا ، وأعتقد في هذه الظروف أنهم يعانون من تسلط قسد بسبب الوجود الاستخباري الصهيو – أمريكي والعملاء ، الوطني صوته مكتوم وهو يدرك أبعاد اللعبة الدولية وأن الوطن يتعرض للتمزيق ، حتى في داخل التنظيم هناك تناقض يعملون على كتمانه وعدم نشر أخباره ، تناقض بين من يرفض الانفصال ومن يعمل له ، من هذا المنطلق توجه أكثر من وفد لمحاورة الحكومة السورية طالبين الحماية والدفاع عن الشمال ، ونرى أن لا حاجة للحوار أبدا ، يعرفون واجبهم ، عليهم العمل لعودة كل ما يرمز للدولة وطلب خروج القوات الأجنبية وحصر مطالبهم بالإصلاحات المنطقية المقبولة ضمن وحدة الوطن ، ونرى في الشروط التي حددتها الدولة الحد الأدنى ولا مانع من ضم وحداتهم إلى قطعات الجيش والشرطة والأمن .
وحدات قسد العسكرية لم تقتصر عملياتها على محاربة داعش التي هي صناعة من تعمل قسد في خدمته ، عمليات قسد طالت الجيش السوري والوطنيين السوريين ورموز الدولة السورية وارتكبت بحق وحدات الجيش السوري أكثر من اعتداء شكل جريمة ، كما قامت بحماية وحدات العدو الخارجي وهذا بحد ذاته جريمة خيانة عظمى بحق الوطن .
أن تكون مسد ، وجناحها العسكري قسد أصحاب قرار فعلي ، يمكنهم اثبات ذلك بسهولة والخروج من عباءة المحتل الأمريكي ومن معه ، ومن السهل تسوية باقي الأمور التي نعرضها في حلقة قادمة ، على قاعدة مصلحة سورية فوق كل مصلحة .[1]