لمحة تاريخية عن مدينة كرداغ “عفرين” ومقاومتها ضد الانتداب الفرنسي
محمود عبد القادر نيو (الأومري)
– كرداغ (#عفرين# ):
في العهد الروماني، كان یمر من موقع مدينة عفرین الحالية، طريق روماني معبَّد، وذلك كان من المرجح أن يكون هناك جسر، وقد كشفت الحفريات التي كانت تجري قديما أحجار القاعدة، في ذلك الطريق الروماني القديم. في الحي الجنوبي من المدينة القديمة، وكانت عبارة عن أحجار بناء ضخمة، ربما كانت أساسات لأبنية وتذكر كتب التاريخ أنه في القرون الوسطى -القرن الرابع عشر للميلاد- كان في موقع المدينة جسر يسمى (جسر قِیبار) Qîbar، باسم المدعو “علي قِیبار” صاحب (حِصن قيبار)، ولا تزال آثار ذلك الحصن قائمة في شمال غربي قرية (عرش قیبار) الحالية.
وفي أواخر الاحتلال العثماني للمنطقة؛ كان في موقع مدينة عفرین خانٌ لإيواء المسافرين وحيواناتهم، وكان موقعه بجانب الجسر في مكان مبنى البلدية الحالي تقريبا، أما منطقة كُرْد داغ (منطقة عفرین بعدئذ) فكانت تابعة بأجمعﮪا لقضاء (كِلِّس) إداريا، وكِلِّس الآن مدينة تقع على الجانب التركي شمالي مدينة اعَزاز السورية، وما زالت كثير من الوثائق أرشيفات (كِلِّس). الإدارية والعقارية وسجلات قید النفوس القديمة المتعلقة بسكان كرد داغ.
تقع منطقة جبل الكرد أو الكرد أو كرداغ، ذات الأغلبية السكانية الكردية في أقصى الزاوية الشمالية من الساحل الشرقي للبحر المتوسط، وتشغل الزاوية الشمالية الغربية من سوريا، وتُعّد مرتفعاتها من النهايات الجنوبية الغربية لجبال طوروس.
تبدأ مرتفعات كرداغ من المنابع العليا لنهري عفرين والأسود غربي مدينة “ديلوك” في باكور كردستان، وتتجه من الشمال الشرقي إلى الجنوب الغربي بطول يبلغ نحو 100 كم، حتى غربي بلدة جندريسة بعفرين، بعرض يتراوح ما بين 25و45 كم.
كانت منطقة كرداغ تتمتع ب (إدارة ذاتية)، وتشير التقسيمات الإدارية لبعض الوثائق إلى أن المنطقة كانت لواءً كردياً مستقًلاً، يتبع ولاية حلب. وشكلت خلال قرون عدة مركزاً إدارياً عشائرياً كردياً، تُعّد مدينة كلس عاصمتها التي كانت بدورها سنجق، وتذكر تلك الوثائق، كثيراً من العائلات الكردية التي حكمت منطقة كرداغ باسم الدولة العثمانية، ولعل من أشهرها (عائلة جان بولات)، التي حكمت كلس لأجيال عدة، قبل أن يصبح علي جان بولات حاكماً لحلب، الذي قام سنة 1607م بثورة ضد الدولة العثمانية، انتهت بلجوئه إلى لبنان بعد فشل ثورته.
كما ورد في أرشيف الاحتلال العثماني، أسماء عدد من العشائر الكردية التي كان تسكن في منطقة كرداغ/ كلس، من بينها أوقجي عزالدينلي، وشيخلي، وجوم، وبكداشلي، وقليجلي.
المقاومة الكردية ضد الانتداب الفرنسي
إطلاق الرصاصة الأولى من قبل محو إيبو شاشو، ومحو إيبو شاشو ولد عام 1875 في قرية كوميته في باكور، والدته جنة من عشيرة رشوان.
وبعد اتفاق فرنسا وبريطانيا عام 1919 بتسليم دمشق وحلب وحمص وحماه إلى القوات الفرنسية، بدأت فرنسا بالتوسع العسكري في سوريا فدخلت إلى سوريا عن طريق مدينة مرسين الساحلية باتجاه مناطق جبل الكرد وحلب وكيليكيا، ولكنها شهدت معارك عنيفة في المناطق التي احتلتها، وبدأت بعدها سلسلة من الثورات الكردية المباشرة بالرفض القاطع للاحتلال الفرنسي وكانت أحياناً على شكل اجتماعات بين قيادات هذه الثورات، وأحياناً المظاهرات والمقاومة المسلحة.
لاقت القوات الفرنسية في سوريا أول مقاومة ضدها في منطقة عفرين، من قبل “محو إيبو شاشو” الذي أطلق الرصاصة الأولى على الفرنسين، وكانت مجموعته هي النواة الأولى لتشكيل الثوار السوريين، وأرسلت الحكومة المحلية في حارم قوة من الدرك لمطاردته والقبض عليه، لكنهم لم يتمكنوا من ذلك، فقبضوا على زوجته ولكن محو إيبو شاشو لاحق رجال الدرك واشتبك معهم بمعارك وقتل عدداً من جنود الدرك وعاد هو وزوجته، فكان رد الفرنسين على هذا الحادث إرسال قوة مؤلفة من أربعين جندياً لمطاردة محو إيبو شاشو ورفاقه، فتصدى محو ورفاقه لهم ولاذ الفرنسيون بالفرار تاركين وراءهم قتلاهم.
قاد محو إيبو شاشو القتال في كرداغ ضد الفرنسين، وبمشاركة العديد من الرجال معه مثل: أخوه علي إيبو شاشو، المقاتل باباز، بكر إيبو، بريم أفندي، وسواهم، ودامت انتفاضتهم أكثر من خمس سنوات (1918-1923)، وكان مركزها “جبال قاز قلي وحج حسنلي” شمال بلدة جندريسه، و بعد ذلك امتد نفوذهم فشمل القرى وجبال منطقة كرداغ، وخاضوا أكثر من عشرين اشتباكاً ضد القوات الفرنسية.
وبعد فترة من المقاومة ضد الفرنسين اغتيل محو على يد الغدر وسط جبل قازقلي وسلمت جثته الى الفرنسيين عام 1937.
المصدر: صحيفة روناهي
[1]