النزول من أعالي التاريخ
نبيه البرجي – هي النسخة الثانية من رجب طيب اردوغان. هل نزل السلطان من اعالي التاريخ، من اعالي الايديولوجيا؟
الذي امتطى ظهر الخليفة للوصول الى دمشق، يدّعي، الان، انه يقاتل الخليفة للوصول الى حلب. مسرحية جرابلس تحولت الى مهزلة. كيف تحوّل مقاتلو «داعش» فجأة الى ملائكة. انسحبوا دون قتيل واحد، دون رصاصة واحدة، وهم الذين زرعتهم الاستخبارات التركية هناك ليكونوا النيو انكشارية في خدمة النيو عثمانية.
فاضحة جدا فضيحة جرابلس. السلطان عاريا ام اننا العراة حين نطرب لما يقال لنا، نحن الاوعية الفارغة، من ان تغيرا دراماتيكيا حدث في شخصية السلطان، وفي استراتيجية السلطان. نذكر فقط بما قاله قدري غورسل: ماذا يعني ان يغير الثعبان ملابسه الداخلية؟
احتار مظفر النواب ما اذا كان الكائن العربي، وعلى يد الانظمة العربية، تحول الى سندويتش من الفلافل ام سندويتش من الشاورما. حاول ان يبحث عن الجواب في نظرية تشارلز داروين حول النشؤ والارتقاء لكي يتعرف على الحلقة الفقودة بين الحاكم العربي (ولم يقل هنا الكائن العربي) وسندويتش الفلافل…
العرب يأكلون العرب. في نهاية المطاف، الاخرون يأكلون العرب ثم يرمون بعظامهم على قارعة الزمن. لم نرَ كيف استحضر اردوغان كل الاحصنة العثمانية ليضع يده على سوريا، وهي البوابة التاريخية والجغرافية لكل العرب. من جيش نور الدين زنكي، الى جيش السلطان مراد، الى الجيش التركماني، وجيش محمد الفاتح وهلمجراً…
ماذا عن الجيش الحر الذي تحوّل الى شكل ما من اشكال الانكشارية. دخل الى جرابلس في الشاحنات التركية، وتحت امرة ضباط اتراك. هل من دور لهذه الميليشيا يتعدى الدور الذي اضطلعت به ميليشيا جيش لبنان الجنوبي ضد لبنان واهل لبنان إبان الاحتلال الاسرائيلي؟
صفقة مع اردوغان تعني الصفقة مع الثعبان. يلعب ويلاعب الجميع. هو الذي يعلم ان احدا لا يثق به. الاميركيون، الروس، الفرنسيون، الصينيون، حتى الانكليز يسألون كيف يمكن للسلطان ان يتصرف كما القرصان؟
انه على مفترق الطرق، بين آسيا واوروبا، بين الشرق والغرب، بين التاريخ والايديولوجيا، بين حسن البنا وكمال اتاتورك، بين السلطان الذي يفقأ عيون اشقائه والسلطان الذي يضرب جنرالاته بالعصا…
غريب انه القى القبض على الجنرالات، وعلى القضاة، وعلى اساتذة الجامعات، وعلى الاكاديميين، وعلى الصحافيين، ولم يقبض على رجل دين واحد. لا، لا، هؤلاء هم الاولياء الصالحون الذين كانوا اول من نزلوا الى الشوارع لصد الدبابات، من اجل رجل احل ثقافة العمامة محل ثقافة الخوذة…
دور له في سوريا، ودور له في العراق. قيل لنا عن دور له في لبنان. لا الارمن يطيقون رؤيته ولا الاكراد يستطيعون ان يسمعوا باسمه، فهل حقا ما قاله مرجع امني سابق من ان الاستخبارات التركية هي من خططت ل«داعش» من اجل الوصول الى مدينة طرابلس اللبنانية، ومنها الى ذلك المتوسط الذي يحط رحاله على الشواطىء الاوروبية؟
كلام اميركي عن ان جو بايدن الذي زار انقرة اخيرا من اجل الا تقع تركيا بين الجبلين الروسي والايراني، طلب من اردوغان رفع يده، او يد استخباراته،عن الرقة والموصل لكي يغادرهما مقاتلو «داعش» كما غادروا جرابلس دون نقطة دم واحدة…
اما الى اين يذهب المقاتلون؟ ثمة ميليشيا تركية وتدعى…الجيش السوري الحر.
اللعبة لم تنته. احتلال جزء من سوريا يعني احتلال كل سوريا، وان كان ديفيد هيرست قد تساءل «حين يتقطع بلد ما ديموغرافياً» كيف له الا يتقطع جغرافيا؟».
الذين دفعوا سوريا الى الجحيم لا بد لهم من الثمن، الثمن الباهظ، لانتشالها من الجحيم. هل السلطان وحده الذي يمسك بالسكين؟[1]