تناقضات، مُرادها الهيمنة
آلدار خليل
عندما بدأت الثورة في سوريا وقامت الأطراف التي لها أجنداتها الخاصة بسرقة محتوى الثورة وتحويلها إلى فوضى انتهجت روج آفا الخط الثالث الرافض للزجّ بنفسها بجميع بمكوّناتها ضمن سلسلة المحاور المتآمرة على الشعب السوري، واتّخذت من مفهوم الحماية الذاتيّة وكذلك الإدارة الذاتيّة جوهراً للمرحلة القادمة، وما إن بدأت القوى العسكريّة في روج آفا بحملاتها لتحرير المناطق التي سيطرت عليها القوى المتطرّفة وفرضها لمنهج مغاير للبنية الاجتماعيّة للمجتمع السوريّ حتى تعالت الأصوات التي هي ضمن الخط الداعم للقوى الراديكاليّة وذلك بسبب تخوّفها من نموّ التجربة الذاتيّة الديمقراطيّة التي ستعمل لاحقاً على تعرية فصول تآمرهم على الشعب السوريّ، والأمر الذي تستغرب منه العقول هو أنّهم يقومون بتطبيق المثل الذي يقول «يأتون بخُلق وينهون بمثله» بمعنى أنّ العديد من الأطراف التي ترى نفسها جزءاً من الحلّ في سوريا تقوم بالمطالبة بعد عمليات التحرير التي تشهدها المناطق على يد قواتنا بأنّه يجب أن يتمّ تسليم إدارة المناطق إلى أهاليها، وكأنّنا نقوم بفرض أنفسنا، ولا نعمل من أجل الأهالي ذاتهم.
أين كانوا حينما انتهكت داعش ومثيلاتها حرمة أولئك الأهالي واحتلت قراهم؟ ولكن مع ذلك فإنّنا لا نرى أنّ هذا الأمر ليس بحق، فهو حقّ ونحن قبل أن يطالب أحد بذلك هذا هو هدفنا، وعلى هذه الأسس نقود حربنا ضدّ المركزيّة والإرهاب، ونحن بالأساس لا نسيطر عن المناطق حتى نقوم بتسليمها، نحن فقط نساهم في عمليات تحريرها، وقد طبّقنا هذا النموذج على الأرض، وهناك أمثلة كثيرة حول هذه الرؤية في روج آفا، ولكن ثمة أسئلة تطرح نفسها، فإذا كان هؤلاء حريصين على أن يُدير الأهالي مناطقهم، فلماذا لا يسمحون لنا نحن بإدارة مناطقنا مثلاً، مع أنّنا مكوّنات روج آفا لا نطالب إلا بحماية مناطقنا وإدارتها؟؟ ثم وإن كان هؤلاء حريصين، فلماذا لا يسمحون مثلاً لأهالي الباب بإدارة وحماية مناطقهم وكذلك جرابلس التي احتلّها الأتراك، ولماذا يقومون بالهجوم ومحاربة مجلس جرابلس العسكري المشكّل بالأساس من أهلها؟؟ وإذا كان أردوغان يشدّد على ضرورة أن يُدير أهل موصل مدينتهم فلماذا أقدم على احتلال جرابلس ولا يتركها لأهلها؟، ولماذا لا يسمح للكرد الذين تعرّضوا لأعنف قصف وحشيّ يضاهي قصف الأسد للشعب السوريّ في كلّ من نصيبين وسور وسلوبي – وهذه مناطق كردية – بإدارة مناطقهم؟!! عدا عن هذا تقوم الدولة التركيّة بالتدخّل بشؤون الآخرين وتمنع النموذج الديمقراطي في روج آفا من النموّ، وهذا بحدّ ذاته تناقض وتعارض يحمل في المضمون التآمر والعمل على حماية الشراكة القويّة ما بين الدولة والذهنيّة المركزيّة التي يقوم بتمثيلها هكذا أصناف.
وبسبب ممارسات القوى المهيمنة الاستبداديّة ومعاداتها لحرّية الشعوب، فقد نمت القوى المتطرّفة على حساب الشرخ الحاصل بين الدولة وتلك القوى المهيمنة من جانب وبين الشعوب من جانب آخر، وبالتالي فإنّ ممارسات الدولة التركيّة بحق الشعب السوري وقيامها بدفع ودعم القوى الموالية لها وتحديداً «داعش» تنمّ عن فكرة معاداة هذه الذهنيّة لقيام الشعوب بإدارة ذاتها على أسس ومعايير ديمقراطيّة، مع العلم أنّ المعارضات التي ترى تركيا جزءاً من الحلّ في سوريا هي شريكة في هذه المجازر، وهي التي تسمح للمدّ التركي بالتقدّم إلى أن وصل الأمر إلى القصف بالطائرات في كلّ من قريتي أم حوش والقريتين في مناطق الشهباء المتاخمة لمنطقة مارع في انتهاك واضح وصريح لحرمة الأراضي السوريّة، وهذا ينمّ عن أمر كبير له تداعيات في غاية الخطورة، وهنا القوى المسؤولة عن ملفّ الأزمة في سوريا والمجتمع الدولي أمام المسؤوليّة الكاملة، فما يحصل هو إبادة حقيقيّة وفي وضح النهار.
في روج آفا تجربة الإدارة الذاتيّة والعمل على دعم آليات الدفاع الذاتي هدف تتمّ محاربته، لأنّ هذا النموذج قد أثبت مدى توافقه وخدمته لحاجة المجتمع، وهي تجربة مع ضرورات التطوّر ستصلح لعموم المجتمعات، وما محاربة القوى المعادية للتوجّه الحرّ سوى حرص شديد من سقوطها أمام هذا النموذج، فالشعوب الحرّة التي تدرك خطها النضالي المقاوم لا تقبل بوجود أطراف تتاجر بمصيرها وهويّتها وبالتالي مهما تعالت المعارضات فالنصر سيكون حليفاً لمن أدرك حقيقة هذه القوى وظاهرها المزيّف، وكذلك باطنها العدائيّ، فالحرص على مصير الشعوب والعمل من أجل العدالة المساواة ونشر الديمقراطيّات لها عنوان واحد وخط واضح..[1]