ما بين مؤتمري نقابة صحفيي كوردستان و العراق
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 2351 - #23-07-2008# - 11:27
المحور: الصحافة والاعلام
من يعيد بذاكرته قليلا و يتمعن بدقة تامة في الوضع الاعلامي العراقي بجميع اقسامه يتبين له بالتاكيد كيفية تطور الصحافة و الاعلام في العراق بشكل عام بما فيه اقليم كوردستان، و يتلمس مدى حرية الصحافة و التعبير من فترة او عهد لاخر، هناك مراحل مزدهرة و تحتوي على استقلالية حقيقية للاعلام بحيث لو قُيٍمت حسب الوضع الذي برز فيه العمل الاعلامي ظهر مدى حريته و دوره كسلطة رابعة، و في العهود الطويلة الاخرى بما فيه مرحلة حكم الدكتاتور بشكل خاص ،و الذي شاهدنا التزام هذا الاعلام بكافة اقسامه بسياسة السلطة و الحزب القائد الاوحد حتى التذيٌل من دون ان يكون له اي دور بسيط في بيان الحقائق و توجيه الشعب او تكوين راي عام عراقي ( هذا و انعدم كليا الصحافة و الاعلام في كوردستان العراق في عهد الدكتاتور بكل معنى الكلمة) و حتى لم يقترب يوما من المستوى المطلوب من سلطته المفروضة على ان تكون السلطة الرابعة في اكثر الاحيان مطيعا لتنفيذ اوامر حزبه او مموٍله مهما كانت النتائج .
المعلوم ان الصحفيين في كوردستان العراق منذ انتفاضة اذار 1991 و في العراق منذ سقوط الدكتاتور (اكثريتهم و ليست قاطبة) لا يمثلون صحفيين احرار مستقلين مهنيين، بل على الارحج هم ممثلو الاحزاب في وسائل الاعلام و في نقابة الصحفيين في كوردستان سواء كانت لديهم الامكانيات المهنية اللازمة ام لا، لكي لا نكون غير منصفين و نحكم مطلقا على الجميع لابد ان نقول ان هناك من الصحفيين المهنيين المستقلين و لكنهم مهمشين و ليس لديهم اي امتياز و لا حول لهم و لا قوة لانهم لا يحملون تزكية حزبية معينة، اما الطارئين على هذه الشريحة فحدث ولا حرج، اذ لم تفرٍق في اكثر الاوقات بين صحفيي وسائل الاعلام الحزبية و عملهم في المنظمات الجماهيرية و الديموقراطية و التنظيمية لتلك الاحزاب التابعين لها و هم كامثالهم من الاتحادات و النقابات الخاصة بالتنظيمات الحزبيةكالفلاحين و المعلمين و الفنانين الموظفين ........و غيرها.
ان انشاء او تاسيس هذه المنظمات لا ينبع من الرغبة المهنية الصرفة للمنتمين و لا يعبر عن اهدافهم و تطلعاتهم بل هم مخضوعون و مجبرون نتيجة ضغوطات شظف العيش و صعوباته ، لذلك هم مطيعو اوامر احزابهم و هم تحت الطلب دائما.
لهذا، عندما يرغب و يفكر اي صحفي مستقل و مهني بحث العمل من اجل انبثاق و تاسيس اية منظمة او اتحاد او نقابة او تحت اي مسميات اخرى، و الهدف الرئيسي له هو التعبير الحقيقي عن اراء و افكار الصحفيين و الدفاع عن حقوقهم المهنية الطبيعية و يجب ان يكونو مرآة حقيقية لنقل الحقائق، يعيد الف حساب في ذهنه لكيفية صياغة هذا العمل بعيدا عن الفخ الحزبي المجرد ، و لم يخرج من النفق لحد اليوم.
و عليه نتاكد ان نقابة صحفيي العراق و كوردستان و لكون الاكثرية المطلقة من وسائل الاعلام تابعة للاحزاب، من غير الممكن ان تكونا مهنيين، و به يمكن ان يستخدما كآلة بيد الاحزاب المتنفذة كمؤسسات اخرى ، و لم تولد هاتين النقابتين اي الكوردستانية و العراقية من رحم مهني طبيعي صافي و لذلك لا يمكنهما ان يقاوما اية ازمة، اي مهما كانت الادعائات لاشتقلالية النقابات و الدافع الوطني لهذا العمل الحساس فانها تظل ملكا للاحزاب و لو بشكل غير مباشر و يستمر هذا لحين انبثاق قانون و نظام اعلامي و مؤسسات اعلامية مهنية مستقلة غير تابعة للجهات السياسية.
و ربما يسال احد ما الحل الواقعي لهذه المشكلة العويصة و كيف تتبلور عملية بناء نقابة صحفية مهنية واقعية في العراق و كوردستان، اقول و برايي المتواضع و اقترح من هنا ، قبل اي شيء على نقابتي صحفيي العراق و كوردستان ان كانا حقا تريدان صحافة حرة مستقلة صاحبة الراي و السلطة الرابعة ان يحلا نفسهما و تدعا الحرية الكاملة للصحفيين كافة ان يلتقو و يتناقشو و يتبادلو الاراء و الاقتراحات ليتخصب الارضية لولادة نقابتين حرتين مهنيتين مستقلتين في اقليم كوردستان و العراق بشكل عام، و يجب ان لا تكونا وفق قرارات مسبقة جاهزة من المطابخ الحزبية، و لذلك يجب ان يكون المؤتمر هو المقرر الرئيسي للاسم و المنهج الداخلي و القرارات و التوصيات و على عاتق المؤتمر ايضا توفير مستلزمات العمل و تطبيق الديموقراطية المامولة لمرآة انعكاس كافة جوانب حياة المجتمع و هو الصحافة و الاعلام، عندئذ يتوجه الصحفيون جميعا الى المؤتمر ليقرروا ما يؤمنون به لا للتوقيع فقط و الراي الصوري على ما مقرر مسبقا.
الان لو قيًمنا مؤتمري نقابة صحفيي اقليم كوردستان و العراق يتجلى لدينا مستوى هذين المؤتمرين و مدى مهنيته و مستوى تطبيق الديموقراطية فيهما. مؤتمر صحفيي كوردستان العراق كان على الاكثرية و هم ممثلي وسائل الاعلام الحزبية و نسبة قليلة جدا من الصحف الاهلية، بحيث اعضاء المؤتمر رشحوا من قبل الوسائل و مكاتب الاعلام الحزبية وكل منهم حسب عدد الصحفيين الحزبيين او بالاحرى موظفي وسائل الاعلام الذين لديهم هويات اعضاء العاملين في نقابة الصحفيين في كوردستان ، و كل حزب رشح من يمثله فكرا و سياسة وليس مهنة او حرفيا، وهكذا المؤتمر لم يكن الا عملية صورية لعمل متفق عليه مسبقا من قبل الاحزاب و ليس من قبل الصحفيين و لم تكن هناك اية وجهة للحرية و الديموقراطية و ان ادعى البعض حرية الترشيح الا انه معروف مسبقا من اعضاء المؤتمر وهم مرشحي مكاتب الاعلام الحزبية و ليس لهم الحرية للترشيح و الانتخاب،لان الانتخابات جرت وفق قائمة مجهزة مسبقا من الصحفيين الحزبيين المتفق عليهم في اجتماعات جانبية لممثلي الاحزاب، ولذلك يمكننا القول و بصريح العبارة ان نقابة صحفيي كوردستان هي منظمة هيئتها الادارية و المنتمين اليها هم من مرشحي الاحزاب اي نقابة تمثل صحفيي الاحزاب و ليست نقابة ممثلي الصحفيين المهنيين.
اما ما شاهدناه في مؤتمر نقابة صحفيي العراق و لكون قانون النقابة هناك فيه من الحرية اكثر لكون اعضاء المؤتمر و هم العضاء العاملين في نقابة صحفيي العراق و ليس ممثلين و سائل الاعلام الحزبية فقط الا ان تدخل الاحزاب منذ نشوءها و لو بشكل غير مباشر ادى الى حدوث تلك الفوضى التي اعترت المؤتمر و نتيجة طبيعية لكونه المؤتمر الاول الحقيقي بعد استتباب الامن الذي ينعقد بهذه الحرية و عدم ترسيخ ثقافة الديموقراطية الحقيقية و انما اتباع وسائل الترغيب و استغلال وضع الصحفيين المعيشيي و توزيع الهدايا و هويات نقابة الصحفيين دون اي شرط او اعتبار و عدم اتباع معايير الانتماء و الحصول على العضوية العاملة من نقاط الضعف الكبيرة للمؤتمر، كل ذلك ادى الى الفوضى و التنظيم الفاشل للمؤتمر، و طبيعي ان لم يكن هناك تقييم و معاييرحرفية مهنية ان تكون النتيجة كما راينا، و هذا ما يؤكد لنا ان عدم اتباع الخطط العلمية و توفير الارضية المناسبة و المستوى الثقافي للتطبيق الديموقراطي لاي عمل، سوف تكون نتيجته عكسية و تصب في صالح المركزية و الدكتاتورية ، و عليه يجب ان يؤخذ من ما اعترى هذا المؤتمر دروس و عبر لاعمال اخرى لان الشريحة المثقفة التي تعتبر المرآة الحقيقية لنقل الحقائق و هم من النخبة المثقفة ان تكون ثمار اعمالها هكذا ، فكيف بالشعب بشكل عام و ما فيه من المستويات و الفئات و القوميات و الاعراق و الطوائف و الثقافات و التقاليد و العادات.
و بذلك نصل الى ما يجب ان نقول ، ليس من المعقول ان نتشدق بالديموقراطية و نعمل بشكل، و نتتبع شيء ان لم تكن الية العمل و الوسائل علمية و الا تكون عملية صورية كما هو في مؤتمري نقابة صحفيي كوردستان و العراق و بالشكل الذي رايناه في في مؤتمر نقابة صحفيي العراق و الفوضى التي سيطرت على الوضع بشكل كامل و ما انتجه من دون تقييم، و الوثائق التي نشرت اضحت دليلا واضحا على اختراق هذه النقابة من قبل المتشددين و المتطرفين بوسيلة او اخرى و لو بشكل غير مباشر و ادى الى تدنيس هذه المهنة الوطنية التقدمية.[1]