الفكر و مصداقية الحكم في العراق!!
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 2302 - #04-06-2008# - 10:40
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
السياسة التي يتبعها القادة العراقيون في هذه المرحلة الحساسة تتحمل العديد من الانتقادات من جهة، و توليد الشكوك و انعدام المصداقية و الثقة المتبادلة عند الشعب العراقي لحدما من جهة اخرى.
تصرفاتنا و مساوماتنا الكثيرة في ادارة البلاد على المباديء الاساسية و سيادة و مستقبل الشعب و الاخص الطبقة الكادحة و من ضمنها التنازلات المكشوفة للقوى و المؤسسات و و المنظمات العالمية، السياسية و الاقتصادية و تقبل الشروط المجحفة من قبلهم و المتضرر الوحيد من تطبيق تلك الشروط هم الفقراء المعدومين،يجعل المتتبع يشك في نوايا السلطة و المتنفذين، و عدم وضوح التوجهات الواجب كشفها و اطلاع الشعب على مضامينها، هي الاستراتيجيات الرئيسية و عدم تميزها عن التكتيكات اليومية،لنا ان نسال جميعنا، اين وحدة كلمتنا و خطابنا، هل الاعمال و النوايا و اهدافنا تتلائم و عظمة التضحيات التي قدمت من اجل مستقبل اجيالنا، هل نحن المذنبون و الحكام و القيادات المتنفذة تاريخيا هم اصحاب الحق، اين تكمن مصدر الثقة و كيف تعاد اذا كنا فقدناها كليا بتصرفاتنا و اخطائنا، اما الركائز الهامة لبقاء المصداقية في سياستنا التي هي من المفروض ان نحافظ على بقائها و يجب ان لا تمس في اية حال.
من هذه الناحية،التحليلات الدقيقة للوضع الراهن تتحمل مساحة واسعة من الاحتمالات و لكن السؤال المصيري الذي يطرح نفسه هو؛ هل بامكان قادة العراق اليوم ان يحافظو على مصداقية سياستهم و مستقبلهم. اما نوعية الحكم و الدولة و الفكر الوطني التي تتبعه القيادة تبين لنا ان هناك ازمة فكرية سياسية معلنة و جلية، و لا يعلم اي كان ما الحكم المطبق في العراق ، هل هو علماني ديموقراطي ام ديني مذهبي ام خليط غير متجانس يعتمد على فكر و خصوصيات و مزاج القائد و الحاكم و رئيس المؤسسة.
لو تعمقنا قليلا فيما يخص الفكر و المباديء و الآلية التي تعتمد عليها حكومة العراق اليوم، و قارنناه ما يجب ان يكون عليه اي نوع من الحكومات ، من غير الممكن تصنيف الدولة العراقية و ما تعتمد عليه في العملية السياسية.
فيما يخص الفكر،ثمة شبه اجماع على ان الفكر هو حصيلة مجموعة من العوامل المتداخلة فبما بينها،الواقع و المستوى الاجتماعي الثقافي ثم تاثيرات الافكار التاريخية السابقة و عملية التجديد المستمرة الوقعة من دون ارادة احد، بل انها المسيرة الطبيعية للتقدم البشري، لذا يمكننا القول بان نضوج و ترسيخ الافكار هي عملية نسبية في التقبل و التطبيق و حتى للمرحلة التي تبرز فيها.
ان الهيمنة و الكمال ثم تعالي اي فكر يعتمد كليا على مدى امكان تطبيقه في المكان و الزمان المعينين، و هناك افكار تستورد هنا و هناك و كثيرا ما تكون غير قادرة على مواجهة العوائق و تفقد المبادرات و تعجز عن السيادة وتغلق على نفسها انغلاقا كاملا كما هو الحاصل في الافكار السلفية و التعصبية التي لا تتلائم مع روح العصر،الا ان الانفتاح الحضاري و لغة العصر تسمح بتقدم بعض الاطروحات الفكرية بما ينسجم مع المدنية و تقبل المناقشة و جدل الآراء المضادة و المقابلة بما يثبت اكثر دعائم الفكر الواضح الملائم لواقع معين، ان المترسخ المسيطر يمكن ان يكون ذات خطاب معتدل قابل للحوار، يتكامل و يتفوق يوما بعد يوم، معتمدا على لغة و اسلوب تقبٌل المقابل او الغير و يجب ان لا تكون مطلقة في الطرح ، و الاحكام المتخذة من قبله ذات طابع مقنع و مساير للحضارة البشرية المتقدمة و مؤثراتها.
اصبح العراق بعد السقوط ساحة واسعة لطرح و نضج العديد من الافكار منها الفلسفية او السياسية او الاجنماعية ،بسبب انتقالية المرحلة فان هذه الافكار و لاسباب متعددة غير سائدة ، و عملية التقدم و الانتقال و الحركة لم تمر بشكل سوي، التنوير و الحداثة مازالا في الطور التمهيدي، فكيف يكون لنا الجراة للحديث عن القفزات و منها الى مرحلة مابعد الحداثة التي يتكلم عنها الجيل الجديد من المثقفين، متعدين كل البعد عن الواقع العراقي، واضعين كافة العادات و التقاليد المترسخة وراء الظهر، و الظروف الذاتية لتطبيق المقولات المستنتجة من ما يمكن ان اسميه فترة ما بعد الحداثة لازالت بحاجة الى مجموعة من الدوافع و التغييرات الكاملة للفكر و الواقع العراقي،و عند تزاوج الفكر و الواقع يتمضخ عنه فكر معقول كثمرة ناضجة، مستفيدين من تجارب الغير لا ناقلين لها نصا و روحا، الى ان نصل الى ما يمكن عندئذ انتاج و ابراز هذا الفكر غير الشمولي، و الواقع العراقي بحاجة ماسة لعمل جميع العقول و القوى و المؤسسات الحضارية المدنية و خاصة اليسارية للخروج من هذه الازمة المستفحلة، و به ضاربين الخطابات الاصولية و الشمولية المتزمتة عرض الحائط.
الفكر بذاته و باتجاهيه المادي و المثالي يعتمد على مجموعة من الاسس السليمة و المنبعثة من الواقع و منسجمة مع التركيبات الاجتماعية، المهم هنا ازالة ضباب بعض الافكار المتراكمة المسيطرة على اذهان الاجيال المتعاقبة، نستنتج بان تغييرات الواقع هي نتيجة حتمية لتغيير العوامل المادية المؤثرة عليه،و السؤال المنطقي هنا هو؛ هل يمكن ان يكون الفكر الملائم لفترة معينة و لمجتمع معين يتلائم مع المجتمع البشري كافة و لمراحل متعددة؟ هل يوجد فكر صحيح بهذا المعنى؟ الأصح تنافس و حوار الافكار و استنتاج مجموعة من الايديولوجيات التي بها و بمصداقية تطبيقها يمكن ان تسد العديد من الثغرات المستغلة من قبل البعض الممكن تسميتهم العبثيين او اصحاب الفكر و الايديولوجيات البالية و الادق ان نسميهم اللافكريين.
و نستخلص مما سبق ان الساحة العراقية الواسعة و المشجعة للتعبير عن الافكار و الايديولوجيات المتعددة (في بعض الاحيان تعيقها الظروف الموضوعية) نرى في هذه المرحلة ان المنافسة و الصراع الصحي للافكار الغير الراسخة او بالاحرى الوسائل و الخلفية اللازمة لتجسيد الافكار السليمة مازالت متشابكة و غير واضحة للعيان، لذا الانصاف في التقييم العام يدعنا ان نتفاءل في مستقبل الفكر الصالح ،و لكن يمكن ان نقول ان الفكر في هذه المرحلة في ازمة و الامل لتجاوزه هو اعتبار المرحلة متنقلة، النتيجة الصحيحة للمعادلات المشتركة في صراع الافكار تدعنا نعلن ان الازمة في حالة هيجان و النجاح في الحصول على النتيجة الهامة التي تفيد المجتمع العراقي و مستقبله مرهون بملائمة الظروف السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية.
اي في هذه المرحلة الراهنة،يتجلى لدينا جميعا بان الحكم في العراق يعتمد على الاجتهادات الشخصية و الدستور الذي صوت عليه العراقيون فيه من التناقضات التي لا يمكن لاحد ان يصنفه في اي اتجاه، العلماني ام الديني العقيدي ، و لا يمكن ان نستنتج منه ان الدولة العراقية منفصلة عن الدين التي هي الركيزة الاساسية لعلمانية الدولة، و لا نرى ايضا اي تمييز بين اية دولة دينية مع دولة العراق الحالية. و هنا الدستور الذي تعتمد عليه السلطة في العراق، فان كان البعض يصنفه بدستور ديموقراطي اتحادي تعددي و هو من اعمدة الدولة العلمانية الا ان هناك فيه من التداخلات التي يعتمد فيه على الشريعة الدينية، و في فصل بعض الاحكام يعتمد على المراجع الدينية. فنستخلص من كل ما سبق ان العملية السياسية الجارية تعتمد على نشاط و اجتهاد و تفهم المسؤول في تسيير امور المواطنين و ضمان حقوقهم، اي هذا ما يؤدي الى خلط معقد بحيث اي قرار يمكن ان يناقضه الحاكم و يمكن ان يعمل به او بالعكس من يوم للآخر، و به نتاكد ان مصداقية العملية السياسية العراقية غير واضحة للعيان و يمكن ان يشك المواطن بها.[1]