مجزرة نيوزيلاندا ومدلولاتها
حول النقاش المتعلق بالدستور السوري
نيوزيلاندا تكاد تكون قارة منفصلة عن العالم، جزيرة تشرق منها شمس كل يوم جديد، كانت مستعمرة إنكليزية أيام الإمبراطورية الإنكليزية أصبحت دولة مستقلة بعد تخلي الإنكليز عن مستعمراتهم التقليدية وأصبحت عضواً في الكومونويلث. جزيرة هادئة مستقرة مسالمة اشتهرت بتربية الماشية والأرض المنبسطة والهدوء وانعدام المشاكل الاجتماعية والسياسية.
نتيجة للاضطرابات السياسية وانعدام العدالة الاجتماعية وشحة موارد المعيشة في المجتمعات المسلمة بدأت هجرة المسلمين إليها في النصف الثاني من القرن العشرين وإلى الآن، أغلبها من دول جنوب شرق آسيا الأقرب إليها نسبياً.
برينتون تارات الذي ارتكب المجزرة مواطن استرالي مسيحي محافظ استطاع توفير بعض المال ليقوم بجولات سياحية إلى العالم ومنها تركيا وبلغاريا كما يفعل بعض الشباب. وكتب في رسالته أنه سيعيد أمجاد الدولة البيزنطية ويقذف بالأتراك إلى الشاطئ الآخر الآسيوي من مضيق البوسفور، وسيعيد أياصوفيا كنيسة مسيحية ثم ارتكب مجزرته التي راح ضحيتها 50 شخصاً ومثلهم من الجرحى.
لماذا لم يهدد برينتون المسلمين في مكة المكرمة والمدينة المنورة أو النجف الأشرف؟ لماذا تركيا ورئيسها أردوغان؟ هذا من ناحية ومن ناحية أخرى الدين المسيحي لا يشجع على الغزو والفتوحات ولا حتى على الثأر. فماذا حدث للشاب برينتون حتى يخرج عن تعاليم دينه؟ بالطبع استغل أردوغان هذا الكلام واعتبره حرباً يشنها العالم المسيحي على المسلمين، بهدف تعزيز سلطته وسلطنته في الانتخابات القادمة.
لا نعلم بما كان يفعله برينتون خلال زياراته المتكررة لتركيا ولكن نعلم أنه لولا داعش ولولا زعيم داعش أردوغان لما قام برينتون بفعله الإجرامي هذا، ولما ارتكب مجزرته. فما قام به القاتل هو رد فعل مماثل لما تقوم به داعش، ولو بقي أردوغان كما هو في أقواله وأفعاله فسيظهر الآلاف من أمثال برينتون ليردوا عليه في بقاع كثيرة من العالم. فهم لا يدركون بأن أردوغان يفعل ذلك انطلاقاً من تراثه المتمثل في من يحاول أردوغان الإقتداء بهم أمثال هولاكو وجنكيزخان وأتيلا والسلاطين العثمانيون الذين جعلوا من الإسلام غطاء لمجازرهم وإباداتهم العرقية بحق الشعوب من بونتوس وأرمن وسريان وروم وكرد، بل لم يترددوا في ذبح إخوانهم وأبنائهم في سبيل الاستحواذ على السلطة.
ردود الفعل على المجزرة كانت شاملة وخاصة من العالم المسيحي لأنهم وجدوا أن هكذا مجزرة تتعارض مع القيم الإنسانية التي يحترمونها ويرونها فوق الإنتماء الديني والعقائدي، وهم الذين استنكروا كل الاعتداءات الحاصلة من جانب داعش ومشتقاتها. وكذلك العالم الإسلامي بأكمله رفع صوته عالياً مستنكراً مجزرة نيوزيلاندا وهذا ما يجب أن يكون، ولكن أين كان هؤلاء عندما ارتكبت داعش مجازرها بحق المدنيين منذ ظهورها، بل وصفوا إرهابها بأنه رد فعل أهل السنة على معاناتهم مثلما قال وزير خارجية أردوغان في يوم ما. وهناك عشرات الفصائل المشتقة من داعش في ادلب تماثل داعش في ممارستها ولا زالت تتلقى الدعم والمساندة من أردوغان وأجهزته. وبعضها تعمل تحت راية الدولة التركية في عفرين المحتلة، بالإضافة إلى عشرات الخلايا النائمة المرتبطة بأجهزة الدولة التركية وترتكب مجازر يومية في كل من منبج والرقة والمناطق المحررة في شمال وشرق سوريا. كما أن أردوغان لا يتردد في إطلاق تهديدات مبطنة إلى أوروبا والغرب عموماً إذا لم ينصاعوا له ولم يرضخوا لرغباته.
لقد قلنا وكتبنا مراراً أن أردوغان بسياساته يشكل خطراً على منطقة الشرق الأوسط والعالم الإسلامي قبل الآخرين، بل هو خطر على السلام العالمي كما شاهدنا في مجزرة نيوزيلاندا، بأفعاله وأقواله وردود الفعل عليها إذا لم يتم لجمه وإيقافه عند حدوده، فمن المؤكد أن التنازلات والمهادنة والمساومة على القيم لا تجدي مع هذه الطينة من البشر، ونحن متأكدون تماماً بأن أوروبا ليست بحاجة إلى هتلر آخر متسلح بميراث هولاكو وأتيلا ومكائد سلاطين العثمانيين وتقنيات الحلف الأطلسي. ومادام هؤلاء باقون وأصواتهم مسموعة سيظهر برينتون وأمثاله في أي بقعة من العالم[1]