الأمة الديمقراطية
حزب الشهداء …مسيرة كفاح
سهير حامد
يقول الإمام علي بن أبي طالب: ((يحتاج الحق إلى رجلين واحد ينطق به وآخر يفهمه)) وأضيف وإلى ثالث يعمل به طبعاً بغض النظر عن تحيز القول ضد المرأة وكأن الحق مرتبط بالذكور فقط
إلا أن المقدمة تقودنا إلى إشكالية العلاقة بين النَّصِّ والمتلقي فهناك نص كبنية مغلقة يطرح إشكالات وموضوعات وحلول وهناك مُتلَقٍ يفهم النص وُفقَ معطيات بيئية سواء كانت ذاتية أو موضوعية ولا يشذُّ عن هذه القاعدة النص المتضمن فكرة الأمة الدمقراطية
فمن الطبيعي أن يكون المتداول والمعمول به هو فهم المتلقين للنص الأصلي وليس النص ذاته وباعتبار النص قد خرج الى بيئة متلقية جديدة تختلف عن البيئة التي اُنتِجَ فيها
فاسمحوا لي أن أطرحَ فهمي لهذا النص وآليات التعبير عنه
(( الأمة الديمقراطية هي الأمةُ المتعددةُ الهوياتِ والثقافاتِ والكياناتِ السياسيةِ مَقابِلَ وحوشِ الدولةِ القومية )) (أوجلان)
فالأمةُ الديمقراطيةُ هي كائن عضوي حي متكامل ومتناسق يعمل لتحقيق هدف مشترك رغم التباينات التكوينية والشكلية بين مكوناته
وهي أمة أخلاقية وسياسية تحدد وحداتها كل ما يتعلق بحياتها من قوانين وتنفذه.
إن تعيين المجتمع بنفسه جميع نشاطاته الاجتماعية، السياسية، الاقتصادية، الثقافية، التعليمية وحتى الرياضية وإدارتها بانضمام طوعي بدل القوانين المفروضة قسراً على المجتمع تحت مُسمى الحقوق والأحكام الإدارية في الأنظمة الدولتية هو العامل الحاسم في تأسيس المجتمع على مبادئ الديمقراطية، والضامن لِغِنى الأمة من خلال نقل الخصائص الذاتية للمكونات إلى الأمة الجديدة
أما نظام الدولة القومية فقد أثبت بأن الحقوق عائدة للدولة عبر نظامها القمعي الاستعماري الذي لا مثيل له في القرون الأربعة الأخيرة، ولم يكن لمنظري الحقوق للدولة الرأسمالية” دوراً أبعد من شرعنة الدولة القومية التي استولت على كافة آليات دفاع المجتمع عن نفسه وحولت الدولة إلى سلطة متوحشة منفصلة عن المجتمع.
فضبط آليات وإيقاع حركة المجتمع لتحقيق أهدافه السامية يقوم به أفراد المجتمع باختيار طوعي إرادي يحفزهم الإيمان بالهدف والثقة بقدراتهم.
هناك بعض المعايير الأساسية لدى تنظيم المجتمع نفسه على شكل الأمة الديمقراطية
1 أن يكون للجميع حق اتخاذ القرار والتنفيذ قولاً وعملاً، ويسود المجتمع حياة تشاركية على أساس الطواعية والارادة الحرة عبر تحرير المجتمع من جميع براثن البُنى الهرمية النابعة من السلطة. مما يعزز المسؤولية الجماعية ويؤدي إلى انخراط إيجابي وفعَّال لكافة مكونات المجتمع في عملية رسم المستقبل وتحقيق الهدف
2- ضمان انضمام المرأة بدورها الريادي إلى الحياة الاجتماعية بخصائصها البناءة والإبداعية اليقظة معتمداً على التوازن بين الذكاء العاطفي والتحليلي مما يضمن إعادة التوازن للعيش الانساني والتخلص من الحياة العرجاء التي عانتها البشرية منذ أن تم إقصاء المرأة عن الحياة العامة.
3- أن يسود المجتمع نهج حياة أيكولوجية والعيش بتناغم مع الطبيعة والشعور بالمسؤولية تجاهها عبر إنهاء جميع النزعات التحكمية التي مهدت السبيل أمام تهميش الطبيعة والتطلع إليها كمجرد شيء. (أن يكون السؤال هنا كيف نعيش مع الطبيعة وكجزء منها لا كيف نسيطر عليها و يعود الانسان الى ممارسة دوره كعضو نشط في المجموعة الطبيعية لا كإله نصب نفسه قبل أن يستكمل إنسانيته)
4- الاعتراف بحرية جميع الاثنيات والأديان والعقائد واللغات المتباينة وضمان تطورهم بدل تهميشهم أو إبادتهم، وتناول الجهود المبذولة في سبيل تحقيق حياة كريمة لهم كنشاطات ديمقراطية أولية؛ بحيث يغدو الآخر المختلف هو النعيم الذي أجد ذاتي فيه وعبره لا الجحيم الذي يهددني كما يدعي سارتر والوجوديون
5- يجب اتخاذ تقسيم العمل الاجتماعي المعتمد على العناية والمهارة والحاجة أساساً، ورفض البُنى التصنيفية الناتجة عن السلطة من طبقات وأصناف وزُمَر بكافة انواعها في المجتمع، وتشجيع انضمام كل فرد الى الحياة الاجتماعية
فكل فرد يحمل في داخله الكل الانساني بإمكاناته واحتمالاته وما التصنيفات بين البشر إلّا رؤية هرمية فوقية فرضتها مصالح أولئك الأكثر قدرة على الابتعاد عن جوهرهم الانساني
ولفهم أعمق للأمة الديمقراطية يمكن تناول الأبعاد التالية:
الفرد ينبغي أن يكون الفرد تشاركياً بقدر كونه حراً الفرد الذي يسعى الى الربح وضمان مصالحه الخاصة في تجمعات الدول الرأسمالية هو عبد لذاته و مصالحه. تتفتح حرية الفرد بمقدار مشاركته للآخرين وبمقدار سعيه لتحقيق حريتهم. فالحرية هنا هي حرية شرطية وليست حرية حدية (حرية الآخر هي شرط تحقق حريتي) وتغدو الانسانية بهذا المعنى كلاً واحداً لا يتجزأ والنضال نضالاً من أجل الانسان كل الانسان وليس نضالاً لفئة دينية أو عرقية
الحياة السياسية في الأمة الديمقراطية : لا يمكن تأسيس حياة ديمقراطية حقيقية ببعدها السياسي دون اعتماد الادارات الذاتية فالأمم الديمقراطية هي كيانات اجتماعية لها إداراتها الذاتية فالفعالية المجتمعية سياسيا تؤدي إلى التحول في شكل الدولة الوطنية عبر طريقين
إما الطريق الرأسمالي التقليدي المؤدي الى الدولة القومية وهو الطريق الذي كان طاغياً مع صعود الرأسمالية وهيمنة الحداثة الرأسمالية التي تأسست على الفردانية والذاتية والانفصال
الطريق الآخر مع بدايات تخلخل القوى الرأسمالية ونتائجها الكارثية على المجتمع يبدو الطريق نحو الأمة الديمقراطية كخيار حتمي ومنقذ في اعادة البعد الانساني الأخلاقي للممارسة السياسية
كان فصل السياسة عن الأخلاق بدءاً من العصر الروماني أحد الجرائم الكبرى بحق الانسان والسياسة ومع الأمة الديمقراطية يتم إدماج السياسة كمحدد رئيس لاتجاهات العمل السياسي
الحياة الاجتماعية: في ظل الحداثة الرأسمالية يفقد المجتمع تنوعه وغناه كما يفقد سموه وهدفه تفرض على المجتمع آليات تحوله نحو الرتابة والوحدة القسرية تجعل منه آلة انتاج ضخمة من أجل الانتاج دون تساؤلات عن المعنى والغاية فالفردانية في الفكر المعاصر نزعت عن الانسان أهم بُعد من أبعاد حياته وهو البعد الاجتماعي وتركته مخلوقاً عارياً وحيداً ضعيفاً في مواجهة الطبيعة التي أدخلته في صراع عبثي معها ومواجهة الآخر الذي صورته كجحيم يستدعي القلق والرعب
الانسان بالتعريف كائن اجتماعي أولاً ولا يمكن أن تتفتح طاقات وامكانيات الانسان في غياب مجتمع سليم، إن غياب الفعالية المجتمعية بترابطها بالمعنى والهدف الانساني يعني غياب للإنسانية من حياتنا وتحولنا من انسان يجد ذاته في الآخر إلى قطعة صماء في آلة الانتاج العبثية
الحياة الندية الحرة: في الأمة الديمقراطية يتم التحول في وعي الوجود والذات من المستوى البيولوجي التناسلي الى المستوى الكوني الكلي مستوى يتجاوز ثنائية موت – حياة إلى خلق وإبداع مستمرين يجعل من الانسان خالقا للحياة ويصبح الموت هنا بلا معنى من حيث إن الانسان وجود مستمر متصل يجد التعبير عن تجليه في وحدات متغيرة
هذا المستوى الواعي يتطلب الحرية بمعناها العميق الحرية التي لا يمكن تأسيسها إلّا على تحرر المرأة وتفتح وعيها وإدراكها لذاتها كانسان مشارك في عملية الخلق لا كأداة لإدامة النسل فالإنسان بالتعريف هو رجل وامرأة واذا قصرنا التعريف على أحدهما كما دأبت العقلية الذكورية التسلطية على تسويقه فماذا سنسمي الآخر؟
لا يمكن للإنسانية أن تحقق ذاتها وأن تصل الى معنى وجودها عبر إقصاء الطرف الأهم في هذا المسعى وأعني المرأة
فهي الأقرب الى جوهر الانسانية والأقدر على تلمس وفهم المعاني الأعمق لوجودنا كبشر . إذا كان الرجل ينتمي الى الأرض والطين حسب الميثولوجيا فالمرأة تنتمي الى السماء والقلب حسب ذات الميثولوجيا
قال ابن عربي (ما لا أنثى فيه لا خير فيه) وربما لهذا السبب كانت مسيرتنا كبشر‘ على الأقل خلال التاريخ المكتوب خالية من الخير
الاقتصاد: يرتكز اقتصاد الحداثة الرأسمالية على مبدأ تحقيق الحد الأقصى من الربح والذي يعني عملياً السرقة بأقسى شكل عبر التاريخ البشري وتشكل الدولة بمفهومها الرأسمالي أداة السلب الرئيسية
النظام الاقتصادي في الأمة الديمقراطية يسعى إلى إعادة المجتمع لبسط سيطرته على الاقتصاد من خلال شبه الاستقلال الاقتصادي الذي يعمل من خلال الاقتصاد التشاركي والبيئوي (الايكولوجي) حيث تحد عمليات الربح وتراكم الثروة الى الحد الأدنى ويكون العمل تعبيراً عن الحرية لا شكلاً للاستعباد وهدفه المشاركة في عملية البناء والتطوير وتجسيد البعد الخلاق في الذات الانسانية لا تراكم الثروة والربح
القانون: يعتمد التنوع و يتميز بالبساطة فالأمة الديمقراطية هي أمة أخلاقية سياسية اكثر منها امة قانون ‘ حيث يسود المجتمع الضبط الذاتي النابع من التشاركية والمسؤولية الجماعية وسيادة القيم الأخلاقية ‘ فالقوانين المفروضة من أجهزة الدولة تبقى بنى فوقية بعيدة عن روح الجماعة والفرد تسبب الاغتراب وتكرس استلاب الإنسان لصالح أجهزة الدولة القمعية
ثقافة الأمة الديمقراطية: تعبر الثقافة عن ذهنية المجتمع وحقيقته العاطفية ويشكل الدين والعلم والفلسفات والاسطورة ثقافة مجتمع ما. تسعى الأمة الديمقراطية الى تكوين نفسها بإعادة المعنى الى التاريخ والثقافة واعادة تأسيس ما قامت الرأسمالية والدولة بتدميره واعادة إحياء ما سعت الى قتله من عناصر ثقافية مجتمعية تحول دون سيطرتها المطلقة على هذا المجتمع . إن عملية استبعاد عناصر ثقافية راكمتها المجتمعات عبر تاريخها الطويل لأنها لا تتناسب و معايير أهداف الحداثة الرأسمالية أدت الى إضعاف المجتمع وتجريده من أدواته في مواجهة تسلط الدولة وأجهزتها وتحكمها في مصيره
الدفاع الذاتي: الطبيعة زودت كل كائن بنظام خاص يحمي به وجوده ويدافع عن ذاته نظام يتناسب مع طبيعته وتكوينه ولا يشذ الانسان عن هذه القاعدة فرداً او مجتمعاً. إذا اخذنا بعين الاعتبار أن المجتمع كائن عضوي حي ينمو ويتطور ويتعرض للخطر أيضاً من هنا كان الدفاع حق طبيعي للمجتمعات وهدفه فقط هو الحماية وهذا ما يميز الدفاع كمفهوم في الأمة الديمقراطية عنه في الدولة التي يكون للقوات العسكرية فيها دوراً عدوانياً واستغلالياً
الدبلوماسية: في الحداثة الرأسمالية تسعى الدبلوماسية الى هدف نهائي وهو تحقيق الربح وهي علاقات ومفاوضات بين المتصارعين للسيطرة واستدامة النهب
تعني الدبلوماسية في الأمة الديمقراطية أداة لإرساء السلم والتعاون وحل المشاكل العالقة بين المجتمعات إنها تعبير عن وظيفة سياسية أخلاقية بالدرجة الأولى يؤديها حكماء لتحقيق المصالح المشتركة للمجتمعات لا قادة الصراعات لتحقيق مصالحهم الخاصة
بقي أن نشير أخيراً أن الشرق الأوسط هو المنطقة المؤهلة أكثر من غيرها لتبني وبناء مشروع الأمة الديمقراطية فهو من أكثر المناطق قابلية لتحقيق مشروع الامة الديمقراطية إذ يمتلك أرضية خصبة من هذه الناحية لتقارب وأخوة شعوبها وتمازج ثقافاتهم وأديانهم وعقائدهم المختلفة. لذا يمكننا القول بأن هذه الشعوب قادرة على العيش المشترك كما كانت في سابق عهدها، ويمكنهم بناء نظامهم الكونفدرالي الديمقراطي وفق توجيهات الامة الديمقراطية. إن شعوب الشرق الاوسط قادرة على تحقيق وحدتها ولها ارضية وقدرات تفوق شعوب المناطق الأخرى سواءً من الناحية الثقافية أو التاريخية إضافة الى مصلحتها المباشرة في تحقق مشروع الأمة الديمقراطية .
إذ أنه في الشرق الأوسط وزيادة على كل ما مر ذكره من مساوئ النظام الدولتي فإن هذه الدول هي دول وظيفية تابعة لا تعمل حتى على تحقيق مصالحها الخاصة
هي دول ذيلية تدخل في صراع مباشر مع شعوبها لضمان مصالح قوى خارجية، حتى الفتات الذي تجود به الرأسمالية على شعوبها لا تجد الدول الشرق أوسطية نفسها مضطرة إلى إلقائه لشعوبها باعتبار أن شرعيتها وشرط استمرارها مرتبطة بقوى خارجية لا علاقة لها بشعوبها ومجتمعاتها.[1]