تركيا وإصرارها على إبادة الكرد بادّعاء السلام الوهمي
كرديار دريعي –
من الخطأ الاعتقاد أنّ أيةَ حكومة تركية سوف تُقْدِم على حلّ القضية الكردية بشكل سلمي، أو سوف تستطيع التخلي عن الذهنية الفاشية تجاه شعبنا، إلا إذا شعرت بأنهم يتجهون نحو الانهيار وخسارة الدولة.
فالحكوماتُ التركية المتعاقبة – ومنذ تأسيس الجمهورية التركية واظبت على إبادة الكرد وإنهاء قضيتهم بكلّ الوسائل السياسية والعسكرية والثقافية، معتبرين القضيةَ مسألةً وجودية لهم، إمّا هم وإما الكرد، وفي ظلّ العلاقات التركيِة القوية مع “حلف النيتو” والاستفادة من مظلتها سياسياً وعسكرياً، فقد استطاعت إغراق كردستان في الدم وتدمير آلاف القرى وتهجير شعبنا إلى المدن الكبيرة ودفع الشباب للهجرة إلى الدول الأوربية، في سعيٍ محموم نحو إنهاء القضية الكردية بشكل جذري. غير أنّ الدولة التركية – ومنذ التأسيس لم تشهد نظاماً فاشياً في مستوى فاشية النظام الحالي القائم على التحالف ما بين الإسلام السياسي والحركة القومية التركية وفقاً لكل المقاييس السياسية والعسكرية، نظامٌ هو نظام للإبادة وفقاً لكل المعايير، لم يكتفِ بشمال كردستان فحسب، وإنما وضع القضية الكردية في الأجزاء الأربعة من كردستان في أجنداته وسياساته حاملاً على عاتقه مهمة إبادة الشعب الكردي والقضاء على حركته التحررية.
وإذا ما دققنا في سياسات هذه الحكومة وإصراها في الإبادة ودرجة العنف والهمجية والحقد الذي تمارسه على عموم كردستان، فإننا سنصل إلى استنتاج بأن الدولة التركية تعيش فعلاً الخوفَ والارتباكَ والخشية على وجودها، لذلك تضع كلّ إمكانياتها في مواجهة صعود القضية الكردية، معتبرة أنها تخوض معركةَ الوجود واللاوجود، وهي مستعدة لأجل ذلك تقديم كلّ ما يستطيع من التنازلات للقوى الكبرى كأمريكا وروسيا، فقط للسماح لها بإبادة الشعب الكردي، هذا الكابوس الذي يقضّ مضاجع الفاشيين الأتراك، بحيث أنّ كل تصريحاتهم وحديثهم ودبلوماسيتهم تكاد تختصر في كيفية القضاء على الشعب الكردي وقضيته.
وفي ظلّ التطورات الجارية في عموم الشرق الأوسط من حروبٍ وصراعات، وازدياد الحديث عن الكُرد والقضية الكردية وحول شرق أوسطٍ جديد، وفي الوقت الذي تتبجح فيه الدولة التركية بالحديث عن السلام وحقوق الإنسان ومظلومية الشعب الفلسطيني، فإنها عملياً تهيئ الأرضيةَ لنفسها وتجسّ النبض الدولي العام للتأكد من أنها قد تستطيع التحرك مثلما تتحرك إسرائيل ضدّ ما يسمى بمحور المقاومة؛ لتمارسَ نفس العنف ونفس السيناريوهات في ضرب حركة حرية كردستان وارتكاب المجازر في المدن الكردستانية.
وفي وقتٍ كان يتحدث فيه زعيمُ الفاشيين الأتراك “دولة بخجلي” عن ضرورة السلم الداخلي وإنهاء العنف المسلح، وإن كان تحت يافطة ضرورة إنهاء القائد أوجلان للكفاح المسلح كشرطٍ لإطلاق سراحه، ومن دون بيان كيفية حلّ القضية الكردية، غير أنّ فوز الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب” في الانتخابات الرئاسية الأمريكية واعتماداً على علاقات أردوغان معه في 2019 وإمكانية إحداث صفقة معه حول السماح بإبادة الشعب الكردي، دفعت بالقيادات التركية إلى الكشف عن حقدهم وفاشيتهم العمياء تجاه شعبنا بكلّ وقاحة وصراحة، فأردوغان يصرّح بأنهم مستعدون لما بعد انسحاب أمريكا من سوريا، ويقصد استعداده للإبادة، ووزير خارجيته الكردي – المسلوخ عن كرديته “هاكان فدان” يؤكد بأنّ هدفهم الرئيسي هو إبادة وتدمير الكرد، وبشكل أكثر وقاحة يصرِّحون بأنهم ليسوا أعداءً للشعب الكردي وأنّ لا قضية كردية وأن الكرد إخوة لهم، وإنما هم يحاربون الإرهاب، في محاولة يائسة للفصل بين حركة حرية كردستان والشعب الكردي.
الدولةُ التركية الفاشية مصرّة على الإبادة، ولا يجب الانخداع بأية تصريحاتٍ خلّبية منهم حول الكُرد والإخوة والسلام، لأنهم، من وراء كل ذلك، إنما يتحضرون لارتكاب الإبادة في أية فرصة قد تسنح لهم، أو يستحصلون من القوى العظمى كأمريكا وروسيا على أي غضّ طَرْفٍ أو ضوء أخضر. وإنما يجب الاستعداد بكلّ الامكانيات السياسية والعسكرية والدبلوماسية، وتهيئة الشعب في كل مكان لمواجهة كل الاحتمالات، لأننا نواجه أعتى فاشية عرفتها تركيا في تاريخها، وليس عندها أية نية سلمية لحلّ القضية الكردية إن لم تمرَّغْ أنفها بالتراب.[1]