تركيا، دورٌ مفقود ونفوذٌ مطرود
مصطفى عبدو
تعيش دُوَلُ المنطقةِ، اليوم، إحدى أفظع النكبات، وتحفل المرحلة بالتشتت والاشتباكات على مختلف الصُّعد، وبدأت عروش بعض القُوى بالاهتزاز. فالقوى القديمة التي اعتادت على العَمالة والولاء وأدارت ظهرها لثقافات المنطقة وشعوبها؛ ما زالت مصرَّة على مواقفها وتطمح إلى الثبات وتعزيز موطِئ قدَمِها، ولذلك فهي تسعى جاهدة لوضع العِصِيِّ في العجلات؛ لشعورها بأن القوى المهيمنة تسعى إلى إعادة تشكيل نفسها بعد وقوعها في أزمات وعدم تمكنها (القوى القديمة) من تطوير ذاتها بما يتلاءم مع المرحلة.
في الشرق الأوسط وَسْطَ كَثرَةِ الحديث عن تغيير خارطة الشرق الأوسط، يبدو أن الأزمات في أوجِ شدتها، وموضوع السلام والحوار ما زال بعيداً، فالمنطقة تئنُّ تحت وقع الضربات العسكرية الإسرائيلية في غزة ولبنان وسوريا وإيران، تزامناً مع فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية، كما يبدو أن استراتيجية البعض لم تعد متوافقة وسياسة اللعب على الحبلين، ولم تعد مجدية، فالعلاقات التركية الروسية والعلاقات التركية الأمريكية، والعلاقات الأمريكية الروسية؛ ستشهد تطورات كُبرى، خاصة بعد فوز ترامب، مما يشير إلى أن لحظة الانقطاع لم تعد بعيدة، وربما ستكون الأيام والأشهر القادمة حافلة بالمفاجآت.
بالعودة إلى تركيا، فهي تشكِّلُ الحلقةَ الأضعف في مفهوم القوى المهيمنة، إذ حُدِّدَ مسارها منذ تشكيلها وتأسيسها بموجب الاحتياجات الإقليمية لهذه القوى، وهي من منظور هذه القوى قد أدَّت دورها، وتجد هذه القوى بأنها (تركيا) من أكثر الدول القومية بحاجة إلى إصلاح، وليس لها مكان كالسابق في النظام العالمي الجديد، وحان الوقت لمقاطعتها وتفكيكها.
تركيا أدركتْ وتَشعُرُ بذلك، وبناءً على ذلك هي تتصرف تصرفات غير مسؤولة وغير مقبولة لدى هذه القوى، فتركيا بدأت تتكئ على سياستها التآمرية لتثبت حضورها، وتناطح هنا وتهاجم هناك، وتُغدقُ الوعودَ، وتُطَبِّل وتُزمِّر، وكأنها الوصي الوحيد على الإسلام وعلى العالم، واليوم ينفخ أردوغان في نار خامدة وصدور حاقدة لاستعادة دور تركيا، ويقول: إن الخطر يداهم تركيا، ويشير بقوله إلى خطر اسرائيل لاحتلال سوريا، وإن هذا الخطر سيطالها.
في الوقت الذي تدعو تركيا إلى السلام والعدل (وفقاً لمقاييسها)، فهي في الوقت نفسه تتجاهل ممارساتها وممارسات زبانيتها في أقبية التعصب والانغلاق ضد الكرد، وتتجاهل احتلالها للأراضي السورية، وتتناسى بأنها هي من تنسف العهود والمواثيق الدولية قبل غيرها.
حربائية النظام التركي ليست سوى دلالة على العجز والانتهازية، هذا عنوان تاريخ الأنظمة التركية المتعاقبة، وهذا مُلَخَّصُ دورها الوصولي المتعصب واللاإنساني، وهي اليوم تتابع اللعبة نفسها وكأنها لن ترتاح قبل أن تنفث حقدها وسمومها، وتزيد من معاناة شعوبها، وتقضي على كل من هو ليس تركياً، وكأنها بذلك تنتقم لدورٍ مفقودٍ ونفوذٍ مطرودٍ من تطوراتٍ دراماتيكية ومعادلاتٍ جديدة تُوشك أن تُنفَّذْ، وهي مع ذلك تحاول بشق الروح الحفاظ على ما تبقَّى فيها من رمق.[1]