الكُرد ليسوا إسرائيل الثاني
بكر حج عيسى
أثبتت الوقائع أن القضايا الأساسية في الشرق الأوسط لا تُحل بالحروب والصراعات الدموية، بل عبر الحوارات والمفاوضات ونَبذِ التطرف القومي والديني، فإذا لم نستأصل القوموية والإسلاموية من ذهنيتنا كوَرَمَيْنِ خبيثين لا نستطيع العيش بسلام.
فالقضية الكردستانية والفلسطينية وأيضاً الشعب اليهودي جميعهم ضحايا لهذين المفهومين اللذين يؤججان عدم الاستقرار في الشرق الأوسط.
الكُرد إلى يومنا هذا هُم ضحايا المفاهيم القوموية المتشددة، فالعروبيِين ما زالوا يَصِفُونَ الكُرد بإسرائيل الثاني ويصادرون حقوقهم السياسية والثقافية والاجتماعية رغم تعاطف الكُرد مع القضايا العربية العادلة وتقديم الشهداء في سبيلها ورغم تطوع العشرات من الكُرد ضمن الفدائيين الفلسطينيين واستشهدوا، ورغم أنه حتى الآن ليس هناك علاقات بين الأحزاب الكردية وإسرائيل رسمياً كما بقية الدول العربية التي ترفرف أعلام إسرائيل في مدنهم، وإسرائيل منذ تأسيسها لم تساند يوماً القضية الكردية بل ساهمت في تطوير السلاح التركي لقتل الكرد، لكن التوصيف مازال هو نتيجة ذات الذهنية.
وهنا سؤال يطرح نفسه: لماذا تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية “ونحن نعلم ماذا تعني السعودية بالنسبة للعرب والمسلمين دينياً ومكانتها الإسلامية والاقتصادية والتاريخية”
وزيارة وزير السياحة الإسرائيلي الأخيرة إلى الرياض من أجل تطبيع العلاقات، لم تُثِرْ غضبَ أحَدٍ من العروبيين الذين يتهمون الكُرد بعلاقاتهم مع إسرائيل، (وهذا لا يعني أنني ضد الحوار الإسرائيلي مع جوارها من أجل السلام) فقط لماذا الكردي مستهدف ومُتَّهم؟
رغم أن إسرائيل لم تسيطر على الأراضي الكردستانية،
ولم تقصف الكُرد بالخردل، ولم تقم بالأنفال، ولم تُهجِّرِ الكُرد أو تُغيِّر ديمغرافيتهم كبقية الدول التي تَحكُم كُردستان.
إذن، مقابل تعاطف الكرد مع قضاياكم العادلة واحترامهم لخصوصيتكم؛ كان يجب أن تبادلوهم هذا الشعور تجاه قضيتهم العادلة كشعب عريق يعيش على أرضه التاريخية ويتعرض للويلات والإبادة.
فهل ساندتم يوماً هذا الشعب بقَدْرِ ما ساندتم جلادِيه؟
السلام لا يتحقق على الأرض إذا لم نحققه في ذهنيتنا وممارساتنا اليومية، وبعدها نبدأ بالحلول الجذرية على الأرض للقضايا العادلة، والحلول التي تأتي من الخارج ستكون عرجاء، فهل اتفاقية الطائف رسَّخت الحل بين اللبنانيين؟
وهل أثمرت جميع المؤتمرات التي انعقدت في جنيف وسوتشي وأستانا بشأن سوريا؟
وهنا يتأكد أنه إذا لم تسحب شعوب المنطقة إرادتها من يد الدولة؛ ستكون ضحية لمصالح الدولة وحروبها الرجعية.
الشعوب تستطيع أن تعيش فيما بينها بسلام وفق مبدأ العيش المشترك وفلسفة الأمة الديمقراطية عكس مفهوم الدولة التي تؤجج الصراعات للحفاظ على استمراريتها وهيمنتها السلطوية عبر التكنولوجيا العسكرية واستخدام الصواريخ العابرة للقارات لزرع الرعب في نفوس الشعوب، بعكس الشعوب وطبيعتهم المحبة للسلام من خلال مدِّ الجسور فيما بينهم عبر الدبلوماسية المجتمعية والعيش المشترك. فالصراعات التي تشهدها المنطقة من “قتل وتهجير وتدميرٍ للطبيعة وهَدْرٍ للطاقات” هي نِتاج فشل مفهوم الدولة القومية.[1]