كيف تشتري سلطة إقليم كُردستان ذمم المثقفين العرب وغيرهم؟
علي سيريني
الحوار المتمدن-العدد: 2400
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
في مقال قديم، أشرتُ إلى بعض ما سمعتُ من صحافي بارز، يخدم في إعلام الحزب (الديموقراطي #الكُردستاني# )، عن مسألة دفع الأموال الطائلة للصحافيين والكتاب في جرائد عربية مشهورة تصدر في لندن. في مقال (الإعلام الحزبي الكُردي قياساً للإنحطاط) والذي نشر علىإيلاف قبل أكثر من عام، أجهرت قليلاً بما دار من حديثٍ بيني وبين هذا الصحافي الحزبي، الذي لم يتردد في البوح ببعض أسرار حزبه.
الصحافي المذكور ذو صلة بقيادة الحزب، ويعلم الكثير من الأسرار والخفايا، التي لا تبلغ ضفاف الإعلام!
أخبرني أن أموالاً طائلة جداً دُفعت، من قبل مسئولين أكراد لكتّابٍ وصحافيين بارزين من المحررين والمسئولين في أجهزة إعلامٍ عربية وغيرها، لا سيما أكثر من جريدة عربية مشهورة تصدر في لندن.
لذلك ليس من الغريب، إن أسعفتك ذاكرتك، التمعن في بعض المقالات المتفرقة، التي كتبها بعض الكتّاب المسئولين في تلك الجرائد، في أوقات مختلفة، مدحوا فيها رموزاً وزعامات كُردية في الحزبين الحاكمين في إقليم كُردستان.
وكذلك الإهتمام غير العادي أحياناً بمقابلات صحافية أجريت مع هذا الزعيم الكُردي أو ذاك، في سلسلات نُشرت بهالات دعائية تطبيلية بين فترة وأخرى!
هذه الأموال دفعت لهؤلاء الإعلاميين من أجل تجميل صورة هذا الحزب وذاك الزعيم، هذه المنظمة وذلك المسئول.
كان هناك ولا يزال أناسٌ يموتون من البرد والجوع في كُردستان، كحادث تينك العائلتين في المجمعات السكنية المجاورة لمدينة أربيل في الشتاء الماضي، إذْ قضتا حتفهما من البرد ولم يسلم من الفوت غير فتاة مراهقة!
إنها كارثة!
ولكن لماذا سرعان ما نُسيت، رغم جلل المصاب؟!
لأن الحوادث كثيرة، والمآسي لا تحصى، وغالبية المجتمع الكُردي تئن تحت وطأة الثقال.
كان عليّ أن أنتظر أكثر من عام لنيل المصداقية لمقالي ذاك، عبر دليلٍ ساطع يساند شهادة الصحافي الحزبي، الذي كان على علمٍ بما يفعله حزبه داخل وخارج كُردستان.
لاشك كان الزميل الصحافي، متذمراً وممتعضاً من هذه الأوضاع المزرية. واشترط عليّ عدم ذكر إسمه لأسباب أمنية بالطبع، فهو خبير بهول الحزب في دبغ جلود الناقدين!
في أسبوعية آوينه الكُردية، العدد 137، بتأريخ 2/9/2008، نشر خبر بيع صحافي قبل أيام، يعمل في جريدة الشرق الأوسط، قطعة أرض أعطيت له من قبل مسئول كبير في مدينة أربيل، بمبلغ مائة وستين ألف دولار!
تقول آوينه أن م.ع صحافي عراقي يعمل في جريدة الشرق الأوسط اللندنية كان قد حصل على قطعة أرض في ربيع العام الماضي في حيّ الوزراء، بُعيد لقائه الصحافي مع (رئيس حكومة إقليم كُردستان). وفي العام الحالي ومن أجل إجراء لقاءات وتحقيقات صحافية في كُردستان، حيث يجري الصحافي المذكور مقابلات صحافية مع مسئولي وزعماء الإقليم، زار فياض مدينة أربيل وباع قطعة الأرض المهداة له من قبل رئيس الحكومة بالمبلغ الذي سلف ذكره.
آوينه من جهتها اتصلت بالزميل الصحافي لكنه رفض أن يصرح بشئ تضيف الأسبوعية.
وكان موقع كوردستانبوست الشهير أعاد نشر الخبر في 5/9/2008، وما زال الخبر يتصدر الصفحة الرئيسية حتى لحظة كتابة هذا المقال.
لا شك أن الزملاء الصحافيين العراقيين لهم الحق في الحصول على كافة حقوقهم، من أرض ومال، كأي مواطن آخر. والعراق يتسع للجميع ومليئ بالخيرات. ولكن السؤال يقفز إلى الواجهة، لماذا يتم هكذا عطاء، ومنحة من هذا القبيل بأوامر خاصة وخلف الكواليس؟
كيف يستطيع رئيس الوزراء توزيع أملاك الدولة بهذه الطريقة فوق القانونية، من دون وجود مرسوم حكومي وإعلان رسمي؟
والأغرب من هذا كلّه، كيف يسمح مثقفون وصحافييون الحصول على مغانم ومكتسبات من سلطة إستبدادية دكتاتورية لا تعير حقوق الإنسان أدنى إعتبار، لطالما أتخموا أسماعنا في جرائدهم بمقالات الشفافية، والليبرالية، وحقوق الإنسان، والعدالة ومناهضة الدكتاتورية وما إلى ذلك؟!
م.ع وفي مقال له ب (الشرق الأوسط) بعنوان: كوميديا سوداء، يوجه نقداً لاذعاً للمثقفين والفنانين الذين قبضوا من صدام حسين الأموال والمكرمات!
واليوم هو نفسه، بحسب المصادر الخبرية الكُردية، يقبض من سلطة دكتاتورية أذلت الشعب الكُردي بسم القومية الكُردية، وضربت الأطناب في الأرض فساداً وظلماً وإجراما.
حين يفكر الإنسان في الوضع القائم في العراق، وفي عموم بلداننا الشرقية، سرعان ما يدرك حجم الفساد واستقراره العميق في أمخاخ عظام أفراد مجتمعاتنا.
إننا لو صبرنا صادقين في مقاومة الظلم، نحصل على ما نبغي من متع الدنيا جماعات وأفراد، دون تنازل أو إلتواء على المبادئ وإلتفاف على المصالح العامة، ولكن خُلق الإنسان من عجل. الغالبية تستعجل في أنانية مفرطة، لذلك تؤول الأمور إلى ما آلت إليه اليوم، حيث ثلة دنيئة تستحكم بالسلطة وتبدد ثروة الشعب كما شاءت، وكما أمْلَتْ شهوتها.
وحين يداهن المثقف السلطة، وينحني لها يقع المحظور. تناولت ذلك بشئ من التفصيل في مقالات سابقة لا سيما (في كُردستان المثقف السلطوي في خدمة الإستبداد) الذي نشر في إيلاف.
وإذ تنزلق علاقة السلطة والثقافة، والحاكم والمحكوم فوق سكة الصواب و جادة العدالة، تقع الكوارث التي ندفع ضرائبها جميعاً وعبر الأجيال. والوضع في العراق وفي كُردستان خير شاهد على ذلك.
إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوما ثقيلا!
alisirini1@gmail.com
[1]