صلاحية الكفاح المسلح في انتزاع الحقوق وبناء الدول..؟
اكرم حسين
الحوار المتمدن-العدد: 8118
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
يعتبر الكفاح المسلح احد أشكال النضال الذي تتبناه الاحزاب أو الحركات أو المجموعات التي تطالب بالحقوق أو تسعى إلى إقامة كيانات أو دول ، إلى جانب أشكال النضال الأخرى ، بما في ذلك النضال السياسي والاجتماعي والثقافي والجماهيري ، في انسداد افقها الملموس ، بسبب البنية القمعية والاستبدادية المغلقة للجهات المتنفذة ، واستخدام كافة أشكال الهدر والوسائل ، سبيلاً إلى نفي هذه الحقوق ، ويعتبر موضوع - الكفاح المسلح - مثيراً للجدل على مر التاريخ، استخدمته الجماعات المظلومة ، والمضطهدة كأحد الوسائل المتبعة للوصول إلى أهدافها ، سواء كانت هذه الأهداف تتعلق بالتحررالوطني من الاستعمار أو انتزاع الحقوق القومية أو الدينية أو المواطنية ، ولكن مع تغير الظروف السياسية والاجتماعية ، وانعدام القطبية ، وتعزيزالعولمة ، وما رافقها من تقدم تقني وتكنولوجي ، وتطور في أجهزة المواجهة والقمع ، في ظل عدم تكافئ موازيين القوى لدى هذه الحركات ، يطرح السؤال من جديد ، هل لا زال الكفاح المسلح يصلح كوسيلة رئيسية في بناء الدول وانتزاع الحقوق ؟
لقد اعتمدت العديد من حركات التحرر الوطني في القرن العشرين الكفاح المسلح، مثل حركات التحرر في الجزائر وفيتنام في تصديها للاستعمار ومواجهة الظلم ، حيث أسفرت هذه الحركات في بعض الحالات عن نجاحات ملموسة، أدت إلى استعادة السيادة والاستقلال او بناء دول جديدة كما في جنوب السودان . او استخدمت كوسيلة ضرورية لتحقيق العدالة الاجتماعية والسياسية في أماكن أخرى .
لكن مع بداية القرن الحادي والعشرين، تغيرت الظروف والأوضاع .فقد أصبح العالم أكثر ترابطًا بفضل العولمة، وأصبحت أنماط الحروب والنزاعات تتطور وتأخذ ابعادا جديدة محلياً وإقليمياً ودولياً . فالعديد من الجماعات المسلحة التي استندت إلى قضايا سياسية أوقومية او دينية، اوصلت مناطقها وشعوبها إلى نتائج مدمرة ، حماس مثالا ، فما أنجزته لم يكن سوى اشاعة الفوضى والقتل والتدمير بدلاً من بناء دولة فلسطينية أو انتزاع الحقوق التي تقاتل من أجلها .
علاوة على ذلك، فإن وسائل الكفاح المسلح التقليدية لم تعد تجدي نفعاً كما كانت. فقد أصبحت الأنظمة العسكرية أكثر تقدماً واستعداداً لمواجهة أغلب التحديات، وباتت تستخدم تكنولوجيا متطورة للتصدي لأي شكل من أشكال التمرد أو المواجهة فعلى سبيل المثال يمكننا أن نستشهد باختراق اسرائيل لأجهزة البيجر العائدة لحزب الله في سوريا ولبنان مما أدى إلى قتل العشرات وجرح أكثر من ثلاثة آلاف شخص . واليوم يواجه حزب الله حرباً وجودية من خلال الاستهداف الإسرائيلي المكثف لقياداته وكوادره الأساسية بما فيه امينه العام حسن نصر الله ، دون إمكانية الردع ، مما يعني أن الكفاح المسلح لم يعد الوسيلة المجدية لتحقيق الأهداف المتوخاة في الوقت الراهن .
من أهم التحديات التي تواجه الكفاح المسلح اليوم هو الانقسام الداخلي والفوضى التي قد تترتب عليه. فكثير من الحركات التي تبنت الكفاح المسلح انتهت بتأجيج الصراعات الداخلية، مما أدى إلى إضعاف المجتمعات ، وزعزعة استقرارها واقتصادها ، بدلًا من تقويتها. كما أن استخدام العنف غالبا ما ينعكس سلبا على صورة القضية، اوقد يؤدي إلى تشويه سمعتها ورفضها على الساحة الدولية ، كما في حالة حزب الله وحماس وغيرها من المنظمات العسكرية التي يتم تصنيفها على قائمة المنظمات الإرهابية من قبل المجتمع الدولي .
تبقى قضايا حقوق الإنسان من المحاور المهمة في هذا الجانب إذ أن الكفاح المسلح غالبا ما يترافق غالبا مع تهجير ودمار وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ، مما يؤثر سلبا على تعاطف المجتمع الدولي مع القضية ، حتى وإن كانت عادلة ..! فبدلاً من الحصول على الدعم والمساندة ، قد تجد الحركات المسلحة نفسها محاصرة بانتقادات عالمية قد تضعها على قوائم الإرهاب والعقوبات .
في العصر الحالي، تبرز بدائل سلمية للكفاح المسلح . مثل الحركات الشعبية، المناصرة السلمية، والمفاوضات. هذه الوسائل أثبتت فعاليتها في العديد من الحالات، مثل حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة أو حركة التضامن في بولندا ،وتعتبر هذه الطرق اليوم أكثر استدامة وجدوى ، إذ تساهم في بناء مجتمع مدني قوي وتفتح آفاقا للتعاون والدعم الدوليين .
إن قوة الكفاح السلمي تكمن في قدرته على تجميع الدعم الشعبي ، وتحفيز المجتمع الدولي للضغط على الأنظمة من أجل الاصلاح والتغيير. لأنه يسهم في بناء شرعية أكثر قوة للقضية المثارة ، ويعزز من فرص الحوار والتفاوض والحلول
وهكذا يبدو ، أن الكفاح المسلح، رغم ما حققه في مراحل تاريخية معينة، لم يعد الوسيلة الملائمة لانتزاع الحقوق ، وبناء الدول في العصر الحديث ، وخاصة مع تزايد التعقيدات العالمية وتغيّر أنماط النزاع ، وتطور التكنولوجيا والأسلحة المستخدمة ، و تظل الوسائل السلمية أكثر فاعلية وقابلية للتطبيق والاستمرار. إذ يجب على المجتمعات الساعية إلى التغيير أو المطالبة بالحقوق أن تتبنى استراتيجيات عصرية ، تشمل الحوار، والمناصرة والضغط ، والتعاون ، لضمان تنفيذ برنامجها والظفر بحقوقها وبناء دول آمنة ومستقرة.[1]