في بؤس خطاب -العزلة- الاختيارية.....!
اكرم حسين
الحوار المتمدن-العدد: 7747
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
تمهيد 1...
ليعذرني القارئ في توضيح سريع لبعض النقاط في سياق ما يُكتب عن العزلة التي فرضها الكرد على انفسهم طواعية املاً في القاء الضوء ، وتبيان الاهداف المضمرة التي قد تكشف طبيعة المصالح والسياسات وتقاطعها مع الفكر الشوفيني والعنصري ...!
تمهيد 2...
تحييد دور الاحزاب والنخب السياسية و#الثقافة الكردية# وحصرها في مجموعة راهنية – رغم الاحترام والتقدير – اجحاف وتغييب متقصد لدور ونضالات مجموعات سياسية وثقافية وتاريخية ساهمت في الانفتاح ، وبناء صداقات وتمتين علاقات -ظلم كبير- يصل حد الانكار والوكالة الحصرية ، وهي خديعة كبرى يروج لها ...!
في المتن :
بداية اود ان اؤكد على ان هذه الكتابة لا تستهدف احداً بعينه ، وان انطلقت من مناقشة بعض الافكار التي يثيرها العقل الايماني باعتبارها مسلمات يقينية او حقائق لا تحتاج الى نقاش او اثبات ، وهي محاولة للكشف عن لا موضوعيتها ، وتبيان عدم صحتها في اتهام الكرد في اختيار عزلتهم الارادوية دون تعرضهم الى مضايقات وممارسات فرضت عليهم هذا التقوقع الجزئي بسبب ضيق مساحات التحرك ماضياً ، وهو خطأ منهجي فيه من المخاطرة ما يهدد اسس العلاقة التاريخية ، ويغيّب طبيعة العلاقات المادية الحقيقية واطراف الصراع التي كانت سبباً رئيساً في ممارسة هذه العزلة ، وسبب هذا الخطأ هو قراءة التاريخ كبنية مغلقة ومعزولة أو خلعها عن سياقها التاريخي المادي باعتباره حاضراً لا تاريخاً ، له شروطه وظروفه وسياقه العام والخاص وطابعه المتميز ، وهذا الفعل اللاتاريخي له ما يبرره لدى صاحبه . ففيه تبرئة للذات وعدم اعتراف بالمساهمة ، وهروب الى الامام لتضليل الذات والاخر ...!
الحديث عن العزلة الاختيارية وَهمْ ما بعده وَهمْ ، وَهو في اصله مخيب للآمال – وهو ان حصل - يعكس عدم قدرة صاحبه على نسج علاقات ، وبناء شراكات سياسية ، وعدم قدرة الانفكاك عن الارث الانعزالي المنفصل عن حقائق التاريخ والجغرافيا رغم الموقع الذي يتبوأه البعض في اطر المعارضة ومؤسساتها ، ويعكس فشلا مستمراً في عدم تحقيق تقدم باتجاه عدم العزلة وتفكيك اسوارها الاختيارية . فالأمر كما يرسم لدى اصحابه لا يحتاج الا الى القرار والارادة في فك العزلة حتى تتحقق . في استسهال مبتذل مع معرفتهم الاكيدة ان العملية اعقد من ذلك بكثير، ومرهونة بطبيعة الدولة ، وتقدم المجتمع ، والنظام السياسي ، والاعتراف بالحقوق وحمايتها ...!
والسؤال الذي يحرق اللسان ولا بد من طرحه هنا : ما الفائدة من طرح هذه الفكرة وما الغاية منها في هذا التوقيت الذي يكون فيه الكرد جزءاً لا يتجزؤون من الائتلاف - الذي يحظى بالشرعية الدولية - وممثلين في هيئة التفاوض وفي اللجنة الدستورية ، ولديهم علاقات جيدة مع المجتمع الدولي ؟ هل الغاية هي في التغطية ، وعدم تثمين جهود الرواد الاوائل من النخب والاحزاب والقوى السياسية الكردية التي تحدت النظام الدكتاتوري وكسرت طوق العزلة الذي فرضه على الكرد على طول الخط ؟ الم تكن منظمة الاتحاد الشعبي الكردي في لبنان جزءاً من الحركة الوطنية اللبنانية ؟ الم يكن لدى الحزب الديمقراطي التقدمي في سوريا علاقات مع كافة الاحزاب والاطر والنخب السورية بما فيها السلطة ؟ الم تشارك الاحزاب الكردية في اعلان دمشق وهيئة التنسيق الوطنية ؟
اعتقد من السذاجة السياسية ان نقيّم علاقة الكرد مع المكونات الاخرى ، وندعي عدم وجود اصدقاء لهم وتحميلهم وزرها من منظور ذاتوي كما هو الحال الان . دون ربط ذلك بالسياق العام والظروف السياسية ، والموضوعية ، وطبيعة السلطة التي حكمتهم ، وطبقت عليهم المشاريع والقوانين التمييزية والشوفينية ، وتأثير كل ذلك على المعارضة ، وعلى كل الشعب السوري ومصالحه الانية والاستراتيجية .
من هنا علينا ان ندرك طبيعة العطب في هذه العلاقة ، والاطراف التي تتحمل المسؤولية ، وعدم تحميل الكرد اياها ؟ فتجاهل القضية الكردية والوقوف الى جانبها جاء تلبية لموقف النظام وسياساته الشوفينية والعنصرية ، وقد دفعت بعض قوى المعارضة الثمن في انفتاحها وتبنيها لموقف متقدم من القضية الكردية كحزب العمل الشيوعي في سوريا ؟
يحتاج الكرد الى التحشيد الواسع ، والدعم المتواصل للقضية الكردية ، وخاصة من قبل المعارضة والائتلاف الوطني الذي يتشارك معه المجلس الوطني الكردي باتفاق سياسي وضع على الرفوف وعلت صفحاته الغبار والنسيان . بسبب تغيّر بنية الائتلاف والقوى المشكلة والمسيطرة ، ومع ذلك لا بد من احياء الاتفاق، واعادة العمل ببنوده رغم ادراكنا لطبيعة العقبات التي تواجه مثل هذه الاجراءات !
والتساؤل الذي يجب طرحه هنا مجدداً:
ما هو فائدة الكرد من فرض العزلة ًالاختيارية ً ، والتخلي عن بناء صداقات وعلاقات مع مكونات الشعب السوري ، وهل الكرد وحدهم يتحملون هذه المسؤولية ام المكونات الاخرى ايضا ، وكيف يمكن كسر هذه العزلة ؟ وما هي القوى المؤثرة في كسرها ؟
من حيث الشكل يتحمل الجميع المسؤولية ، وان كان بدرجات متباينة . لكن في النهاية المتهم الاول والاخير في فرض الطوق وممارسة العزلة هو النظام السوري ، واصحاب الفكر الشوفيني الذين استثنوا الكرد من المواطنة ومن الجنسية ....! وفي هذا السياق لا ندري لماذا يجري الصمت عن دور النظام السوري ومسؤوليته في فرض الطوق والعزلة وتهميش مناطق الكرد وتغييب الخدمات عنها ، وبالتالي رفضه اللقاء والحوار السياسي مع الحركة السياسية الكردية ، ودفع الصراع المجتمعي عبر نشر خطاب الكراهية الى نهاياته المحتومة تحت حجج ومسميات المؤامرة والانفصال واقتطاع جزء من الاراضي السورية والحاقها بدولة اجنبية ، وعلى صعيد الدعاية والاعلام بقيت هذه التهمة تلاحق الكرد اينما حلوا لدرجة وقوف المعارضة والنظام ضد مطالب الكرد وحقوقهم العادلة اسوة بباقي شعوب الارض . مما نتج عن ذلك عواقب وخيمة تمثلت في الانقسام العمودي ، ونجاح سياسة فرق تسد ، وحدوث تصدعات وانقسامات او تفتيت في صفوف الحركة الكردية السورية ، وتفشيل قواها وتعبيراتها السياسية كالتحالف والجبهة ولجنة التنسيق الكردية في تشكيل جسم سياسي معارض للنظام ...!
ان طرح موضوع العزلة بهذه السطحية دون دراسة او تمحيص او بحث ، واطلاق الامور على عواهنها دون أي اعتبار للمخاطر والسياسات التي تترتب عنها . يمكن تفسيره من زاويتين : الاول عدم ادراك العواقب في اتهام الكرد بالتقوقع والعزلة الذاتية – رغم عدم صوابيتها- تأكيد نزعة الكرد الانفصالية وعدم اندماجها في المجتمع السوري – أي لا وطنيتها وسعيها الى تشكيل كيان خاص بها ، وبالتالي سعيها الى تقسيم سوريا ارضاً وشعباً والثانية التنمر على الكرد والتأكيد على سيكولوجية التقوقع والانعزال وتبرئة الجهات التي تضطهد الكرد وكأن هذه السيكولوجية هي السبب في كل ماسي الكرد وويلاتهم ، وهي خدمة اما مجانية او مقابل حزمة من العطايا يسيل اللعاب عادة تجاهها في ظل عدم القدرة على تحقيق انجازات جيو سياسية لصالح القضية الكردية ومستقبلها ...!
ان تناول العزلة من زاوية الحتمية السيكولوجية امر خاطئ لم يجري اختباره عبر دراسات وبحوث تاريخية او ميدانية ، وبالتالي فالتطرق الى دراسة العزلة المتبادلة في اطار رؤية كردية متكاملة سياسية وثقافية واجتماعية تمتلك المصداقية للتأثير على صناع القرار في المنطقة وفي اطار التموضع السياسي الجديد للقوى السورية هو الاجدى والانفع ، وتبقى القضية الكردية في سوريا ضمن هذا السياق واهدافه الحقيقية قضية وطنية تهم كل السوريين بمختلف انتماءاتهم القومية والمذهبية وخاصة في اطار التحولات التي جرت في سوريا خلال السنوات الماضية.[1]