هندسة المفاوضات الكردية
اكرم حسين
الحوار المتمدن-العدد: 6902
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
دبَّ الحماس والنشاط مرة أخرى، وعاد الحديث عن إحياء وتفعيل مسار المفاوضات الكردية بين #المجلس الوطني الكردي# وأحزاب الوحدة الوطنية، بعد لقاء الموفد الأمريكي مع القادة والمسؤولين في إقليم كوردستان، وعودته من هناك بتصورات وطاقة نفسية كامنة بالمنحى الإيجابي للحد من القوى والعناصر المُعرقلة، ومحاولة تحويل هذه الطاقة إلى واقع عياني ملموس في مواجهة السلبية لدى بعض الأشخاص لدى الطرفين.
في هذا السياق جاء التعجيل والإسراع باللقاء مع الأطراف ذات العلاقة، ووضع بعض الأفكار والتصورات المتضمنة آليات وسبل الجلوس المباشر وجهاً لوجه، وكيفية التقريب بين وجهات النظر المتناقضة وضبط الممارسات والتصريحات الإعلامية لذا التقى بشكل منفرد مؤخراً قيادة المجلس الوطني الكردي، بحضور قائد قوات سوريا الديمقراطية، بصفته صاحب المبادرة والضامن لتنفيذ أي اتفاق في المستقبل، للتمهيد والتعبير عن مسعاه الجدّي في تحريك طاولة الحوار الخالية من وفود التفاوض والضغط على الطرفين للجلوس عليها، وتحقيق التوازن بين نزوع (ب ي د) الى تهميش المجلس، وسعي المجلس الى الحصول على ضمانات بالالتزام ببيان داخلية الادارة المتضمن حرية العمل السياسي، وعدم التعرض لرفاقه وقياداته، والصادر في اواخر عام 2019 والتعامل الندّي بالمثل للوصول الى شراكة حقيقية على قاعدة المساواة والفعالية في اتخاذ القرارات، لكن حتى الآن لم يستطع براونستاين وعبدي أن يقدّما إجابات كافية عن بعض الاسئلة وحل المشكلات الملحة التي يطالب بها المجلس الوطني الكردي، وخاصة تلك التي يشعر بأهميتها اكثر من أي وقت آخر كي يحدث التراخي والانبساط بدلاً من التمترس والانطواء.
إن الرموز والتلميحات التي تفيض عن اللاوعي الكردي تشير الى الخطر المقبل على المنطقة على يد بعض الوحوش الفاشية التي استوطنت في بعض المناطق الكردية، ومارست كافة صنوف الاجرام والاضطهاد، والغريب في الأمر أن الطرفين لا ينتبهان ولا يهتمان فعليا بذلك، ولا يدركان خطورة المرحلة التي يمر بها الكرد، ويتركان مهمة الحماية في جانبها الأساسي إلى العناية الإلهية.
المفاوضات لن تجري وفق نموذج خطي صاعد، بسبب طبيعة الاطراف المتحاورة والشخصيات الفاعلة فيها، فقد تتقدم وقد تتوقف وهذا باعتقادي أمر طبيعي، لأن كل طرف سيحاول أن يجني الثمار الكبيرة من الاتفاق أو على الأقل تحقيق الحد الادنى من الهدف الذي ينشده من المفاوضات، فليس من المنطقي أن يخرج منها منتصراً أو خاسراً، وبالتالي فالشرط الأساسي لإتمام ما بدأه الطرفان هو تطليق فكرة الانتصار، والابتعاد عنها ما أمكن.
زبدة الكلام، لا يمكن حوكمة الإدارة المشتركة، ولا الاعتراف السياسي بها وتحقيق الامن والاستقرار والتنمية المستدامة إلا باتفاق مكوناتها، وفي القلب منها الكرد، ولذلك من الضروري أن يتخلى (ب ي د) عن جزء من سلطته الى المجلس الوطني الكردي، وتحقيق الشراكة على الأرض كي يصبح قرار الكرد نافذاً، ويحظى بالقدر اللازم من العدالة والحقوق والشرعية، وبغير ذلك يصبح الثمن الذي سيدفعه الكرد في غربي كوردستان باهظاً.
إن تقويض الأنساق الفكرية المغلقة والتي تأخذ عادة شكل المذاهب أو الايديولوجيات هو ضرورة لأن هذه المذاهب أوالايديولوجيات تلغي حقيقة التنوُّع القومي والديني والإنساني، وتصرُّ على علاقات ثنائية بين طرفين (نحن) و ال (هم) وهذا المنطق ينبغي تجاوزه لأنه وريث التراث الميتافيزيقي.
واستناداً إلى ما تقدم فان ال (ب ي د) لا يفاوض المجلس من أجل أن يكتشف أو يستفيد من قدرات الاختلاف الحقيقية لديه كآخر، وإنما ليؤكّد فيه كل ما يثبت، ويعيد انتاج مركزيته وذاتيته مقابل انتاج هامشية المجلس، فهو لا يرى في الواقع سوى ذاتاً واحدة وحزباً واحداً هو (ب ي د) في الوقت الذي يُخْرِجْ المجلس ويجرده من كرديته، وهذا هو سبب كل الهجوم المعنوي والمادي عليه، وبهذا المعنى، فهو يحاول أن يجعل المجلس خارج دائرة الفعل والتاريخ، ولا يقبل بشكل من الأشكال أن يكون الجميع شركاء في دائرة العمل الوطني والقومي، ف (ب ي د) يعتقد بأن من المستحيل أن يصل إلى توافق مع المجلس، ويتشارك معه العمل في ادارة مشتركة، لأن كل ما يفعله المجلس هو تمرير الوقت، واعتماد الاساليب البلاغية والدعائية لتشويه سمعة الإدارة التي قام ب إنشائها، وهي يقينيات لا تتزعزع لديه رغم أن كل ما سبق من اوهام وصور نمطية متخيلة لدى (ب ي د) عن المجلس، زعم باطل، يفتقد إلى أدنى قدر من الصحة والواقع، لأن خيار المفاوضات الكردية والاتفاق هو خيار استراتيجي يتمسك به المجلس رغم بعض الأصوات التي تصدر من هنا أو هناك، بهدف التشويش وتعطيل المسار والعودة الى المربع الاول.
بدون وحدة الكرد السياسية والمادية يصبح الجميع في سفينة نجاتها شبه استحالة من الغرق.[1]