الاستبداد ما بين القومجية والتركية
محمد علي حيدر
بمقارنة الأوضاع بين الأنظمة القوموية العربية والفاشية التركية، فأن أوضاع الفريقين متساوية بالنسبة للعرب والأتراك سياسياً وحتى اجتماعياً إلى حد كبير، وكِلا الفريقين يمثلان الأيديولوجية الفاشية، وكلاهما أيضاً مغاير لفكرة الأمة الديمقراطية، ونجد أن هناك إجماع عام بين هذه الأنظمة القوموية فيما بينها جميعاً ولو اختلفت الأهداف والمآرب، والغرض منه هو تحريف مجرى الطاقة الثورية الديمقراطية المكَمَنة عند الكرد عن مسارها الصحيح في احتلال #عفرين# ورأس العين وتل أبيض، كما وتلعب هذه الأنظمة دوراً خبيثاً لكسر شوكة الشعب الكردي في المقاومة وإجبارهم في التخلي عن الكفاح المسلّح في مقاومة الاستبداد كما إننا نرى حقوق الفرد مهمشة لأبعد الحدود في كلا الجانبين.
في هذه الحالة كيف يستطيع الإنسان الكردي رسم مساره وبناء ذاته، وكلا الفريقين يحاولان طمس القضايا المصيرية لل#شعب الكردي# وتشويه حقيقته وتزوير تاريخه، إن المسارات السياسية المتشابهة بين الأنظمة العربية والتركية في تعطيل الحريات وضرب الكيانات السياسية وإرهاب الدولة من صلب المسارات السياسية، أدى إلى تعطيل الحريات والإبداعات الفكرية لكلتا الأمتين، العربية والتركية، والانجرار إلى معارك جانبية لا تخدم الأمتين.
لم تستطع تركيا تغير نهجها تجاه شعبها فلجأت لاحتلال أراضي الغير
إن الأسباب التي أوصلت تركيا إلى ما انتهت إليه اليوم في الغطرسة والعنف الدموي تجاه الشعب الكردي واحتلال عفرين ورأس العين وإعزاز وإدلب وكيف انتهت أوضاع العرب إلى ما انتهت إليه اليوم من التفكك والانحلال إثر الحروب الدائرة بين إسرائيل وغزة، هي أن هذه الدول لم تستطع تغيير نهجها السياسي تجاه شعبها والقوميات الأخرى. علينا الاعتراف أولاً بأن عملية التغيير تحتاج إلى امتلاك أدوات التغيير، كحرية الكلمة والتعبير والاعتراف بحقوق القوميات الأخرى، وبعد نضج هذه الأدوات من حيث مضمون منظومة جوهر الحكم في كِلا الجانبين عسكرياً يعتمد على النخب السياسية والعلمية والتجار وأصحاب المال والأحزاب، وهم نخب منخرطة تماماً في منظومة الحكم وتدافع باستماتة شديدة لإقصاء المعارضة الفكرية من التيارات والجماعات والأحزاب المعارضة.
اليوم يحاولون إفراغ مناطق عفرين من السكان بالعنف تارة والابتزاز بالأموال تارة أخرى وبالنهب والسلب بكل ما فيها من إرث ثقافي وتاريخي وحضاري وتخريب الآثار التاريخية وهي ملك الشعب الكردي، وتخريب القيم الثقافية لديهم وغياب حرية التعليم بلغتهم الأم. كل ذلك يشير إلى جوانب إبادة ثقافية وتحكم العنف من كلا الطرفين.
العرب والأتراك بين عتم العلاقات والخلافات
المنظومتان العربية والتركية تعتمدان في سياستهما على الحكم العسكري في التعامل، أما تركيا اليوم فاعتمدت في سياستها العدوانية على المرتزقة في مشاريعها التوسعية، وكما طالبت شعوب البلدان العربية والتركية من حكوماتها اتباع أسلوب التغيير وإصلاح منظوماتها السياسية؛ لكنهما فشِلا في التطبيق لتلك الشعارات في التغيير والإصلاح بسبب عتم العلاقات وحجم الخلافات بينهما. مع ذلك كله توجد نخبة مؤهلة فكرياً وسياسياً في الأمتين بعيدةً كل البعد عن التطرف الديني والعرقي والسياسي من العرب والكرد والترك تستطيع التفاعل وبشكل إيجابي مع الناس، ودافعها النزول إليهم وتأمين حاجاتهم وحل مشاكلهم وإزالة الفجوة القائمة بين السلطة والشعب في إلغاء الأنا واحترام حقوق الآخرين وحساب المسافة الحقيقية الفاصلة بين الواقع والممكن حتى لا تتغير إلى عملية تدمير الذات ومنجزات الوطن واستقراره وزيادة الفجوة والهوة بين السلطة والشعب.
الأنظمة العربية والتركية غير قادرة على التحرر من القوالب الجامدة
المثقفون، من الترك والعرب والكرد، هم الذين يجب عليهم أن يتحملوا عبئاً أكبر في عملية التغيير، ولما كنا وما نزال نعول أملاً كبيراً على هذه الفئة المثقفة التقرب من الشعب الكردي وحل قضاياه العادلة في الحرية والاستقلال والتقرب من الشعب الكردي المسالم والمتسلح بالفكر الديمقراطي والإنساني مع التصدي لمواقف قادتهم ويضعوا تصورات لمجتمعاتهم هم يمثلون الشعب في حركاتهم ضد الأساليب غير العادلة لقادتهم ويتأهبوا لمواجهة السلطة المستبدة وينظموا أنفسهم للاستيلاء على السلطة في تركيا.
إن النظامين العربي والتركي غير قادرين على التحرر من القوالب التنظيمية الجامدة والشعارات البالية وإيجاد البدائل والمراجعة الحسابية لحساب المسافة بين الواقع الممكن والقدرة على استيعاب هذه الديناميكية، في العمل السياسي، التي تنتج صحة قراءة أبعاد الواقع إلى حد كبير في الملف الكردي والواقع الكردستاني، ويجب تقييم مفهوم القيادة ومؤهلات النجاح وليس من خلال الإسلام السياسي وإنما من خلال ممارسة الكشف الذاتي للمسار السياسي ومدى صلاحية الأدوات ونضجها، ولعل ذلك ما يفسر طبيعة التكوين العقلي والتشكيل الثقافي بين العالمين العربي والتركي.[1]