السفّاح المستجير من الرمضاء بالنار
تدويل القضية الكردية في العصر الحديث
صلاح الدين مسلم
لقد غدا الحديث عن سفّاح العصر أردوغان مستهلكاً، وقد يقول قائل: “لقد صار الحديث عن صفات هذا الدجّال نوعاً من أنواع الابتذال والتكرار، لكنّنا يجب أن نعرّي أساليب هذا الدجّال، ونلقي الضوء على مخطّطاته القذرة تجاه الشعب الكرديّ، فقد باتت تصرُّفاتهُ الأخيرة تجاه حرّية الشعوب والديمقراطية في باكور كردستان وغربها بمثابة إزالة القناع عن ذاك الوجه البشوش الإنسانيّ الذي كانَ يَرسمهُ مكراً وخداعاً على تفاصيله الشريرة الخبيثة، وقد استطاعت ثورة روج آفا أن تميط اللثام عن هذا الوجه، والكشف عن هذا الوحش المختبئ وراءه.
من الصعب أن تتخيَّل مدى الوحشيّة التي وصلَ إليها قاتل الأطفال ومُقَّطِّعَ الأوصال والأطراف من خلال هذه المجازر التي يرتكبها في باكور، وخاصةً المجزرة التي قطّع فيه زبانيته أوصال المواطنين إرباً إرباً، وهذه التصرُّفات تؤكّد أنّه الداعشيّ الأوَّلُ بأمتياز، وهو المعلّم الأوَّل والأخير لداعش, الذي كانت كلُّ بنادقهِ موجَّهةٌ إلى الكرد على طول الوقت.
إنَّ اعتداءه السافر على كرى سبي، من خلال إرساله جنوده الدواعش إلى قريتين من المكوّن العربي تابعتين لكرى سبي، لَبُرهانٌ واضحٌ على محاربته كلّ من يساند هذا المشروع الديمقراطي في روج آفا، إنّه يتبجَّحُ بهذا العدوان السافر، إنّه العدو الذي يستخدم كلَّ ما لديه من طاقات لإفراغ سمومه وغله على الشعب الكردي، حتّى أنّهُ يخسر الكثير الكثير لكن دون أن يهتم لما آل إليه وضع البلاد التي يقودها بجنونٍ نحو الهاوية، إنّها عادةُ السفّاحين والجزّارين، وقد تطوَّروا مع هذه الحداثة الرأسماليّة وصار المستبدّون يستفيدون من سابقيهم، وصار أردوغان يَفتخرُ لأنَّه يستلهم من هتلر، إنَّها الهتلرية الجديدة، التي سبقت وبرزّت من قبلها، وصلت هذه الأردوغانيّة إلى حدٍّ باتت تتباهى بعنجهيّةٍ وغباءٍ لا مثيل لهما، فهو الإله الذي إن امتلك القوّة والتأييد العالمي من النظام المهيمن لهاجم روج آفا وباشور وكلَّ كردي على وجه الأرض، إذْ بات عِداؤُهُ مكشوفاً، كل هذا ولم يقتنع أولئك السائرون على دربهِ أنّهُ عدو الشعوب، عدو الديمقراطيّة.
لقد اقتحم الهدنة في سوريا بطريقةٍ سافرةٍ، وصارت مدفعيتهُ تقصف القرى الكردية التابعة لمنطقة كوباني، وهذا ما صوَّرته الكاميرات ووثقه الشهود العيان وكذلك الكاميرات والأقمار الروسيّة، وبات لا ينفي تدخُّلهُ إثر تصريحات أوغلو الصريحة الواضحة في أنَّ دولته غير ملتزمة بوقف اطلاق النار، وكأنّه فصيلٌ يقاتل على الأرض السوريّة، فهو يُخاطبُ داعش بل يأمرهم ليشنّوا هجوماً عبر التسلّل عبر حدوده إلى الأراضي السوريّة، وبات الكرد يستفيدون من هذه التناقضات الدوليّة، فالدول تتصارع على النفوذ عبر الشرق الأوسط، وبات المشروع الكرديُّ هو المشروع الأنجع في المنطقة، فما الذي سيقدِّمه أردوغان أكثر مما قدَّمه غيره من التدميريين في منطقة الشرق الأوسط؟ حيث لا يدري أردوغان أنّه باعتداءاته هذه يبرهن للعالم أنّه العقبة والعائق الوحيد أمام أيِّ حلٍّ في الشرق الأوسط، وإنَّ استمرار الحرب في هذه البقعة لم يعد ينفع، فالكلُّ يُريدُ أن يضع حلّاً إلّا هذا السفّاح وأعوانه.
عن أيِّ مشروعٍ تتحدّث تلك المعارضة التي فقدت كلَّ أنواع الأخلاق والقيم؟ وباتَ حديثهم القوموي هو الحلُّ الوحيد، فلماذا ستضطرُّ الدول العالميّة على تبنّي مشروعهم، إذا لم يضيفوا شيئاً جديداً؟ ولطالما كان النظام القومويّ العنصري الفاشستي قائماً قبل الثورة، فما هذه الثورة التي يتحدّثون عنها؟ إن كان الحل هو المزيد من الدماء والمزيد من الصراعات القبلية والعرقية والطائفية، فمن يُريدُ أن يؤجج المعركة فهو في صف النظام القديم الذي لم يكن ينتج الحلول، وإن كانت السعودية تُصِرُّ على إبعاد شبح الحرب عنها بزج أبنائها في أتون هذه المعركة فلن تسلم من رياح التغيير التي ستجتاح المنطقة، فمن المحال أن يقف أحدٌ أمام هذا المد الثوري الذي تقودهُ روج آفا، من المحال أن تسكت الشعوب بعد أن ذاقت طعم الديمقراطية، من المحال أن يهندسوا المجتمع الذي انفلت من القمع والاستعباد والذي بات يدرك هويّته، وبات حلُّ الإدارة الذاتيّة يُطرحُ في ليبيا، كما طُرح سابقاً في السويداء…
ألا أيُّها الظالم فقد بانت كلُّ ألاعيبك، وأنت مُحاصرٌ من رياح الديمقراطية، وما الآليات القديمة بقادرة على صدِّ هذه الرياح وإيقاف طواحينها، فالتداعيات في العالم تنبئ أنَّ الشعوب لا تعرف الهدوء، كحوادث إسبانيا وفرنسا وبريطانيا وغيرها من الشعوب الأوروبية التي تراقب هذا المشروع الديمقراطي في روج آفا، فهي لا تستطيع التخلّي عن هذا المشروع، إذْ بات البحث عن الحلْ هو المسار الوحيد الذي يبحث عنه الغرب الذي لا يريد أن يستغني عن هذا الحل الديمقراطي الفريد من نوعه، وبات الدور الأردوغاني مهمّشاً بعد انهيار مشروعه، بعد أن بذل الغالي والنفيس ليؤكِّد أنَّ مشروعه هو الحل، لكنّه فشل، فقد فشل في كوباني وكرى سبي وها هو يفشل ويفشل، وبات الفشل عنوانه الرئيس، وما تخبطاته على الحدود وعلى باكور كردستان وعلى قنديل، وحصار باشور الاقتصاديّ لإرغامه على الخنوع هناك إلا محاولات المستجير من الرمضاء بالنار.[1]