لماذا سنفتقد أبو ليلى؟
الكاتب: فريدا جيتيس (CNN)
تعتبر هذه اللحظات عصيبة بالنسبة للرجال والنساء الذين يقاتلون المجموعة التي تسمي نفسها ب “الدولة الإسلامية” على الأراضي السورية، حيثُ حقق المقاتلون الذين يحاربون “داعش” في الأيام القليلة الفائتة انتصارات كبيرة ومهمة وأخرى تلوح في الأفق، ولكن المحاربين توقفوا هذا الأسبوع ليودعوا بحزن شديد أبو ليلى، أحد أكثر القادة المحبوبين في المنطقة. عمقُ الإحساس والشعور ب أبو ليلى مهم ليس لأنهُ يذكرنا بالحقيقة القاسية للوضع في سوريا وخسارة حياة فرد في هذا الفصل الكئيب من تاريخ الشرق الأوسط، الأمر مهم لأنه يخبرنا بشيء مهم حول أفكار وقيم بعض الأشخاص الذين انخرطوا في هذا الصراع.
أحدنا يسمع غالباً بأنه لا يوجد أشخاص جيدون في الحرب السورية – لأن الخيار يكون بين الأوتوقراطيين والإرهابيين – وبين المجانين من مختلف المشارب، ولكن إلقاء نظرة على حياة ووفاة أبو ليلى يفضح الزيف والتضليل الحاصل في سوريا. أبو ليلى، كردي سوري، كان شخصاً ملتزماً ببناء سوريا متعددة عِلمانية ديمقراطية. قائد بكاريزما استثنائية، يحترمه أنصاره، وكان مصمماً أن يحافظ على الحس الإنساني لدى جنوده وهو الأمر الذي يضيع بكل سهولة خلال فترات الحروب وبشكل خاص حرب شرسة مثل تلك التي تدور رحاها في سوريا.
ينحدر فيصل سعدون، كردي، من مدينة منبج المتعددة الأعراق، وأصيب أبو ليلى بطلقة قناصة في الثالث من حزيران الجاري خلال قيادته حملة لاستعادة السيطرة على مدينته الأم الإستراتجية الحيوية، نقل أبو ليلى على إثرها من قبل القوات الأمريكية التي تساعد قوات سوريا الديمقراطية، لتلقي العناية الطبية ولكنه مات بعد يومين من ذلك. كانت فات أبو ليلى، ضربة موجعة لرفاقه ولسكان المدن الذين ساعدهم في تحرير مدنهم سابقاً. لم يكن فيصل مجرد قيادي عسكري مهم فقط، بل شخصية مُلهِمة أيضاً، وكان مؤيداً لوجهة نظر إن طبقت بنجاح، من الممكن أن تحول سوريا من اليأس والتطرف إلى التركيز على التسامح والتعايش في المنطقة.
حتى تاريخ وفاته، كان أبو ليلى قيادياً بارزاً في قوات سوريا الديمقراطية SDF، والتي تتألف بغالبيتها من الكرد وتعد وحدات حماية الشعب YPG عصب هذه القوات، جنباً إلى جنب مع العرب، التركمان ومجموعات عرقية أخرى. كان فيصل سعدون مناسباً بلا منازع لهذه المهمة. مدينته الأم هي منبج، حيث يعيش أناس من مشارب وخلفيات وعشائر مختلفة. وتعد السيطرة على المدينة اليوم أمراً أساسياً لدحر تنظيم “داعش”، حيث تزود المنطقة التنظيم بخط إمداد رئيسي إلى الرقة، عاصمة خلافة التنظيم.
ويعني الاسم “أبو ليلى” المعروف به لدى جميع الناس باللغة الإنكليزية ” Father of Layla” ، وهو أمر شائع في المنطقة أن يعرف الرجال بلقب “Father of “، أي “أبو – ….” وبعدها أسم الولد. ولكن تقريباً أحد هذه الأسماء اللاحقة تتضمن أسم الولد الأكبر سناً. كان أبو ليلى يفتخر بابنته ليلى. ووفقاً ل مولوت جيفر أوغلو، محلل سياسي كردي، فإن اختيار الاسم أمر متعمد ورسالة سياسية مدروسة جداً وهي طريقة لتأكيد الالتزام بالمساواة بين الجنسين. وبعد وفاته، امتلأت صفحات التواصل الاجتماعي بالتحيات والإشادات له ولذكراه، وكان هنالك رسالة تمت مشاركتها من قبل أحد الصحفيين يزعم فيها أنها تركت من أبو ليلى موجهة لأبنته ليلى، ويشرح فيها فيصل أن قتاله “كان من أجل الحرية الكاملة لبلدنا الحبيب – سوريا- وكان لمستقبلك ولمستقبل الأطفال الآخرين”.
وعرض أولئك المقربون منه والذين عرفوه مقتطفات لا تعد ولا تحصى عن حياته. كان هنالك فيديو حديث له وهو يتكلم لجنوده مع بدء حملة منبج قائلاً لهم “إنهم يجب أن يمتنعوا عن النهب، البحث في غرف نوم الناس وأنه يجب عليهم احترام شرف المرأة”. وفي مقطع آخر، يعود تاريخه إلى معركة مدينة كوباني أواخر عام 2014، يبدو القائد فيه وهو يساعد في إخراج أحد مقاتلي تنظيم “داعش” من تحت الأنقاض وقال حينها “سنخرجه من هنا ونعيده إلى عائلته، وأعلن أبو ليلى أنه لا يقاتل لأجل أي مجموعة – كردية، عربية، مسلمة أو مسيحية، ولكن يحارب لأجل سوريا حرة ديمقراطية. ليس من أجل سوريا إسلامية بل حرة ديمقراطية”. في كوباني كما منبج، قاتل فيصل جنباً إلى جنب مع المقاتلات الكرديات في طليعة الحرب ضد تنظيم “داعش”. أبو ليلى وبلا شك كان شخصية فريدة من نوعها، وتمثل وفاته خسارة كبيرة لشعبه وقضيته. ولكن القائد المتفائل على الدوام ربما يشعر بارتياح كبير فيما حدث بعد وفاته. وتعتبر ردة فعل المنطقة على وفاته دليلاً على استمرارية رسالته الخاصة بالتصميم على التسامح.
وأعلن المجلس العسكري أن معركة قوات سوريا الديمقراطية لتحرير مسقط رأس أبو ليلى، منبج، تحمل أسمه الآن “حملة الشهيد والقائد فيصل أبو ليلى”. وفي الساعات القليلة الماضية شدّ مقاتلو قوات سوريا الديمقراطية من الكرد، العرب، والآخرين قبضتهم على المدينة وهم يقفون على أهبة الاستعداد للتقدم. فيصل من شأنه أن يكون سعيداً لهذه الأنباء. كما وبدت شوارع مدينة كوباني، المدينة التي ساعد في تحريرها، يوم تأبينه خالية من السكان تماماً. حيثُ بدا أن كل شخص في المدينة كان يحترم شخص أبو ليلى. وأشار تقرير صحفي كردي إلى مشاركة عشرات الآلاف من الناس في تشييع جنازته. وتظهر مقاطع تأبين أبو ليلى، المئات من المقاتلين وهم يبكون حزناً عليه، وبعدها وقف الرجال والنساء الذين يرتدون لباساً عسكرياً موحداً وهم يحيونه من خلال شارة “V” التي تعطي دلالة التزامهم بالانتصار وإكمال المهمة التي حارب لأجلها أبو ليلى، وأن وفاته لم تذهب سدى وذلك وفقاً للشرح الذي تلقيته.[1]