نحاكي التميز في روج آفا
سيدار رمو
اقتنيت مؤخراً كتاباً يحمل عنوان “كيف تتعامل مع الناس” للباحث المتمرس في الدراسات الاجتماعية والنفسية “دايل كارينغي” من الأصول الهندية والحامل للجنسية الأمريكية، ما إنْ بدأتُ بتصفح الكتاب حتى أُذْهِلتُ بالأفكارِ المطروحةِ فيه، لكن فقرةٌ منهُ دونَ سِواها شدَّتْ انتباهي، كون الكاتب بيّنَ فيها تصرفات الآخرين تجاه الشخص الناجح والمتفوق، وفقرته هذه تحمل عنوان (ما من أحد يرفس كلباً ميتاً ) ودعمها الكاتب بأمثلة مختلفة أغلبها تعود إلى أشخاصٍ حققوا النجاح الباهر في عملهم، إلا أنهم تعرضوا لاعتداءاتٍ وإهاناتٍ مختلفة على يد زملائهم في بداية مسيرتهم المهنية، لكنهم وبالرغمِ من ذلك حصدوا التفوق والتميز وتقلدوا أعلى المناصب.
وبينما أنا أقرأ الكتاب الذي لم أنهيه بعد، بادرت إلى ذهني مقارنةٌ بسيطة أجريتها حينما كنت أنهالُ على كلمات الكاتب وتراكيبه الرصينة، تمحورت مقارنتي بين هذه الفكرة البسيطة التي تحدّث عنها الكاتب، والمذكورة أعلى هذه الأسطر، وبين الثورة الشعبية في روج آفا التي تتعرض للهجمات والاعتداءات من جميع الجهات، ف للفكرتين البعدُ نُفْسُهْ والتداعياتُ ذاتُها.
حقيقةً هذه الفقرة شجعتني على الكتابة ولو بأسطرٍ قليلةٍ عن روج آفا، لأبيّن عظمةَ روج آفا حيث تستحق أن تدفع الشابات والشبان الشجعان أرواحهم في سبيلها، ف روج آفا ذلك الجزء الواقع غربي كردستان وشمالي سوريا بدأت ثورتها بإمكاناتٍ ذاتيةٍ متواضعة مستقلة بدون أيِّ دعمٍ يُذكر، وما انحازت إلى أي جهة، ولم تعتمد إلا على قوتها الذاتية، لذلك عملت وأخطأت لكنها لم تتوقف بل أنها نهضت وواصلت من دون الخروج عن المسار الذي رسمته لنفسها.
بتفوقها وتحقيقها السلم والتعايش المشترك وخلقها للحملة الوطنية التي جمعت جميع مكونات روج آفا تحت سقف الإدارة الذاتية الديمقراطية.
روج آفا خُلِقَتْ من بؤرة الفوضى والعزيمة والإرادة فأستقوت عليها القوى الإرهابية، وتعاظمت هجماتهم عليها في أكثر من موقعة وأهمها (كوباني، تل حميس، الهول، الشدادي، الحسكة ومؤخراً منبج واليوم الرقة وما يحيط بها).
وليس هذا فقط بل أن الحصار الاقتصادي من قبل الأخوة في الحزب الحاكم ب باشوري كردستان وإغلاقهم معبر سيمالكا آخر منفذ لروج آفا زاد الطين بلة، وأصعب طريقة للحصول على الاحتياجات اليومية للشعب، لكن هذا أتاح للشعب خيار الاعتماد على نفسه وتحقيق الاكتفاء الذاتي عبر الجمعيات التعاونية التي افتتحوها ولسنا هنا بصدد الحديث عن هذه التعاونيات.
ابناء روج آفا الذين تولوا قيادتها أسلموا بأن التنظيم هو السبيل الأكثر أماناً لتشق روج آفا طريقها من بين دائرة الحرب الدائرة في سوريا، لتسلم من شرارة الخراب والهدم والفناء التي منيت بها مناطق أخرى من سوريا. لتعلن وبكل جرأة إدارتها الذاتية، ومجلسها التأسيسي للاتحاد الفيدرالي الديمقراطي، فيما بعد لتطوير شكل النظام القائم، لذا كان التنظيم لشعب روج آفا بمثابة حبلِ الخلاص من الهلاك على رغم الهجمات التي طالتها.
موازاةً بما جرى ويجري في سوريا التي عاشت قبل الثورة دفء الأمان تحولت بفعل مجموعة اتفاقيات ومصالح أعظم دول العالم إلى أسخن ساحةٍ تحتدمُ فيها المعارك.[1]