لماذا يُعتبر تحرك امريكا ضد داعش انتقائية ؟
عماد علي
الحوار المتمدن-العدد: 4550 - #21-08-2014# - 19:28
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
خذلت امريكا الكورد في ثورة ايلول عندما اشرف هواري بومدين على اتفاقية صدام _شاه ايران بمباركة كيسنجر، و بها نكست ثورة كبيرة حقة بمؤآمرة دولية و باعتبار لمصالح عالمية، و لم ينبس اي احد ببنت شفة حول تلك المواقف المخزية من دولة تعتبر نفسها انسانية مطالبة بحقوق الامم في حينه، رغم التضحيات الجسام من قبل الشعب الكوردي المظلوم المطالب بحقوقه فقط، لا بل باركوا هذه الاتفاقية و استبشرت الحكام و الدول العربية قبل الاخرين خيرا في العراق و كله على حساب شعب غُدر به منذ انبثاق دولة العراق من قبل الاستعمار البريطاني دون الاخذ برايه، و هو يقاتل و يناضل منذ وجوده على هذه الارض و يطالب بحقوقه و لم يعتد يوما على شبر ارض او حق لاخر، فلم ينصفه احد، هذا من جهة. اما و بعد انتفاضة اذار 1991 و بقرار الامم المتحدة رقم 688 و فرض تطبيق المنطقة الآمنة للحفاظ على البقية الباقية من الكورد بعد الانفال و القصف الكيمياوي و قتل و ابادة اكثر من مئتي الف مواطن مدني كوردي دون اي ذنب، ومن ثم الموقف المشرٌف من الشعب المسالم ازاء القوة الصدامية المنهارة من جيشه اثناء الانتفاضة، و مساعدتهم على العودة الى عوائلهم سالمين معافين رغم الحصار و الايام العجاف طوال سنين حكم الدكتاتورية العاتية، دليل على الروح الانسانية التي نبتت في كيان المواطن الكوردي رغم الاعتداءات المتكررة من جميع الحكومات التي انقسمت الكورد و كوردستان على بلدانهم . اما اثناء عملية اسقاط اعتى دكتاتور على ارض العراق، كان الكورد و كوردستان في طليعة من ضحوا و ساعدوا امريكا في هذا وكان هذا طبيعيا و ليس بمنة على احد، و لكن حتى اقرب المتحالفين معها لم يحرك ساكنا لا بل لم يسمح باستخدام اراضيه و القاعدة الجوية الموجودة فيها لتحرير العراق .
اليوم و بعد ان برز تنظيم داعش و انفلق و اصبح قوة و فرض نفسه على الارض، و من يكون وراءه او داعمه او مؤسسه هذا كلام اخر، و حقق اهداف له و لغيره بشكل مباشر و غير مباشر، و ربما اُستخدم لاهداف كبرى و هو تنظيم ارهابي دموي وحشي، و لكن لا توجد العاطفة في المصالح السياسية كما يعلم الجميع، لذا سُمح لتحركات داعش ضمن الاهداف الاقليمية لدول الاقليم و القوى الكبرى . و تحرك و تمادى على مساحات و غيٌر الواقع، و رغم سلبياته، الا انه جمع الارهابيين في منطقة و هم يبادون يوميا بالجملة، علاوة على تحقيق اهداف سياسية اخرى منوط بها و ساعد على تحقيق نوايا العديد من الاطراف ومنها تغيير المالكي و انهاء تفرده و سياساته الخاطئة، وربما لمن يدعمه اهداف يمكن ان تتغير بها المنطقة و الحكومات الجائرة لو اراد الممولون و الداعمون ذلك . فالكورد لم يكونو في اي وقت معضلة امام الاهداف الانسانية بل كانوا هم ضحية الدكتاتورية و الخارقين لابسط الحقوق الانسانية، و بعدما برهنوا انهم قادرون على ادارة كيانهم بالشكل المعلوم و منتطبيقهم الديموقراطية الهشة، نظرا لعدم وجود المستلزمات الضرورية المادية المعنوية و من الظروف الموضوعية و الذاتية لها،الا انهم ليسوا بمعرقل لنشر الفكر الانسانية، و ليسوا بمعضلة امام تجسيد النظام الديموقراطي ان ارادها اي في المنطقة لا بل تجربتهم تدفع الاخرين لنسخها، بل اي اختلال في كيانهم يعتبر ضربة قوية للديموقراطية و للمنطقة باكملها، لانهم اعطوا نموذجا حيا و جميلا في هذا لعصر رغم الامكانيات القليلة و كثرة المعضلات الداخلية والخارجية،و هم يعيشون في منطقة معقدة و فيها من انواع الانظمة المختلفة في الشكل و المضمون، و اثبتوا الاخوة و الاحترام للاخر و نسبة من العدالة الممكنة بين جميع المكونات العرقية والدينية و المذهبية الموجودة في كوردستان، و رغم الامكانيات القليلة و الحصار المفروض من قبل المالكي على المواطن الكوردي لعدم ايفاءه الحقوق المادية لهم من الميزانية العراقية و قطعه لرواتب الموظفين، وهذا ظلم و تعدي صارخ يجب محاكمته عليه ان ثبت بالوثائق و الدلائل و القرائن بانه معتدي على هذه الحقوق البدائية للكورد .
رغم كل ذلك انه فتح ارضه واجواءه للنازحين من جميع المكونات و الفئات، و الشعب الكوردي اثبت كرمه مرة اخرى للجميع . و عليه يمكن ان يحسب لكل هذه المسائل، علاوة على المصالح الكبيرة الاخرى للقوى الكبرى في المنطقة و هذا من حقهم لانهم بعقليتهم يحققون مصالح ابناءهم و اجيالهم و يصارعون من اجل مستقبلهم في كافة بقاع العالم، و هذا ليس بعيب بل من اول المهمات لكل سلطة مخلصة لشعبها و على كل دولة ان تبحث عن مصالحها بذاتها قبل الاخرين . اي هذه الامور كلها تدعنا ان لا نستغرب في تدخل امريكا لمحاربة داعش لحماية الدبلوماسيين و المسؤلين والمستشارين و العسكريين الامريكيين في كوردستان، و لو كان بامكان داعش ان يتدخل في بغداد لربما كنا نشاهد امريكا تتدخل ايضا لانها كانت الخط الاحمر لتمادي داعش و للمصالح ذاتها الموجودة في اربيل، اي المهام المتوكل لها داعش لا يمكن التطاول عليها و يُراد منه التطبيق دون نقص او زيادة وفق خططهم سواء كان بشكل مباشر او غير مباشر و سواء كان داعش على علم به او وفق تعاملهم معه و من خلال الموكلين . فليس تدخل امريكا للحفاظ على الكيان الكوردي هو من اجل سواد عيون الكورد اكثر من المصالح الاخرى اولا و من اجل اتقاء تجربة كوردستان من الزوال و المحافظة عليها و يمكن اتخاذها نموذجا لكل من اراد الخير لابناءه و كيانه ومكونه، و يعتبر درس لمن لم يفهم بعد او موقف يجب ان يؤخذ بنظر الاعتبار عند جميع المعنيين و خصوصا المركز العراقي و هو دعم معنوي سياسي اكثر منه عسكري، لان طوال نضال البيشمركة، كان ايمانه بقضيته و اعتماده على المعنوية اكبر من اتقانه لفنون القتال او امتلاكه للاسلحة، و بعد الضربات الامريكية لداعش شاهدنا كيف هزموا داعش بسويعات قليلة في كثير من مواقعهم بريا .
وعليه، لو كان حكم المالكي طبيعيا معتمدا على الانسانية و العصرية و لو لم يضع نفسه في هذا المحور او ذاك و لم تكن نظرته الضيقة و الاقصاء و التهميش الذي اتبعه و الخلافات التي برزت طوال الدورتين من حكمه، لكان تدخل امريكا في الدفاع عنه من خطر داعش اسرع، لا بل لم يكن بالامكان ان يجتاح داعش كل هذه المساحات في زمن قباسي و ينهار جيش جرار باسلحة امريكية متطورة . و عليه يجب ان يتعض الجميع و يعتبروا من الاحداث بشكل جيد . و ان اعتبر تدخل امريكا في وضع حد لداعش انتقائية من عيون من يفكرون بخلفية ضيقة و ليس بتقيم واقع كوردستان و مسيرتها السياسية طوال العقدين الماضيين و مدى سيطرة روح الانسانية على شعبه و نظرتهم للاخر و تقدمهم في مجالات عدة يفرضه و يتطلبه العصر الجديد . و من هذه النظرة الى المواضيع لا يمكن ان يُعتبر تدخل امريكا انتقائيا، لا بل كان من المفروض ان يكون تدخلها اسرع و اقوى.[1]