حين يخسر الكُردي فرصته الذهبية
علي سيريني
الحوار المتمدن-العدد: 5254
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
حين انتهت الإنتخابات التركية التي جرت في حزيران 2015، لم يقدر حزب العدالة والتنمية الفوز بتشكيل الحكومة بمفرده، لأنه حصل على 258 مقعدا برلمانيا فقط. بينما حصل حزب الشعوب الديموقراطي على 80 مقعدا. نحن الكُرد فرحنا بهذه النتيجة وقلنا: آه يا برد النسيم على قلبي، حانت الفرصة التاريخية، وسيدخل حزب الشعوب في التحالف مع حزب العدالة والتنمية، لأنه الطرف الوحيد الذي يريد حل #القضية الكُردية#، وإعطاء حقوق الشعب الكُردي في تركيا. لكن الرفيق صلاح الدين دمرطاش، الذي أثرت فيه جرعة النصر الإنتخابي أكثر من اللازم، بدد حلمنا، وأمسى ينفش ريشه مثل الطاوس منتشيا بفوزه المؤقت على وقع فرقعات التصفيق للنظامين الإيراني والسوري له، ومعهما حزب حسن نصر اللبناني والميليشيات الشيعية العراقية. دمرطاش أعلنها مدوية (خصوصا على شاشة تلفزيون منار)، أن حزبه لن يتحالف مع حزب أردوغان، لكنه مستعد أن يتحالف مع الجهات الأخرى، دون شروط مسبقة! الجهات الأخرى كانت تتشكل من طرفين لا أكثر، أحدهما حزب الحركة القومية بزعامة دولت باخجلي العنصري، الذي لا يرى في الكُرد إلا عجماوات لا تستحق الحياة، أو في أفضل الأحوال أتراك من الدرجة العاشرة. لكن الجواب جاء سريعا، حيث صفع باخجلي على خد دمرطاش صفعة مستحقة، إذ رفض عرضه وتأفف الرجل من أن ينزل حزبه إلى الحضيض، ليشكل الحكومة مع الإرهابيين والإنفصاليين. تلقى دمرطاش الصفعة، وتلقيناها نحن الكًرد كإهانة، رغما عنا، لسببين: الأول إحباطنا الشديد وكرهنا لهذا التنازل الهابط لدمرطاش أن يتوسل بعدو الشعب الكُردي الأول، الذي لا يرى فيهم سوى مخلوقات منبوذة؛ والثاني، الرد القاسي والأحقر لباخجلي الذي خدش العنفوان القومي الكُردي. أما الطرف الثاني وهو الطرف الأتاتوركي، برئاسة علوي تركي وهو كليجكدار أوغلو، فحدث ولا حرج عن موقف الأتاتوركية من الشعب الكُردي في العالم. ففلسفة الأتاتوركية هي أنه لا يوجد كُردي على وجه الأرض، وما هو موجود ليس سوى جنس جبلي للعرق التركي! على أي حال، ما كان بودنا أن نتودد لمن يريد إهانة هويتنا، لكن دمرطاش نكاية بأردوغان جلبها علينا مع أنه لم يقدر أن يؤذي أردوغان كما كان يتوقع، فأهمل الأتاتوركييون عرضه الباهت، بل مرّ مرور الذباب. فدمّر هذا الشاب الذي يفتقد إلى الخبرة السياسية، الفرصة المؤاتية للشعب الكُردي، وطاش بحلمهم الطويل، فكان إسما على مسمى: دمرطاش.
عادت الإنتخابات ويا ليتها لم تعد!
فاز حزب العدالة والتنمية بالإغلبية التي حررته من منون هذا وذاك. أما حزب الشعوب الديموقراطي فحصل على 59 مقعدا، كانت نسبة المقاعد الكُردية فيها 13 مقعدا فقط. أما الباقي فذهب إلى يساريين ترك، وعلوييون أتراك، ومن ثم بعض المقاعد للأرمن والسريان والعرب (أليس حزب الشعوب؟). إيه، هكذا تكون الحصة إذن!
لم يمض وقت طويل حتى توترت العلاقة بين أنقرة وموسكو بدرجتها القصوى. بدأت دبكات الفرح (الشعوبية الديموقراطية!) والحزب العمالية مبكرا، ظنا أن روسيا ستقصف هذه المرة أنقرة واسطمبول بالصواريخ والطائرات، وتحوّل بالتالي الساحة التركية إلى ساحة سورية أخرى. فاشتد الحر في الخنادق المحفورة بمدن وقصبات الكُرد، وارتفعت فرقعات النيران، فغدت ألسن المحازبين ل (بي كى كى) وحزب الشعوب تهلل وتبشر مسبقاً بمصير هتلري لأردوغان! وفي الأثناء دخل حزب العمال في جبهة مع أحزاب يسارية تركية، ذات الخمسة أشخاص، والتي لا نشاط لها سوى على الفيسبوك وجدران سكك القطار والتواليتات العامة، حيث تنتشر شعاراتهم!
لكن أردوغان لم ينتحر ولم يُدحر، حتى مع إنقلاب العسكر عليه، بل أصبح أكثر قوة وفتوة وعنفوانا، يخضع له الشعب والعسكر معا، ويجلس أمامه زعماء المعارضة بخشوع وتواضع (باخجلي وكليجكدار أوغلو)، لم نجد بينهم دمرطاش لأن حزبه لم يتلق الدعوة لحضور هكذا قمة بين زعماء السياسة في تركيا! وعليه سيكتفي الرجل من الفخر في أرشيفه السياسي مستقبلا، من ضمن ما يفتخر به، تصفيق النظامين الإيراني والسوري (وقليلا الروسي)، مع بعض الجهات الأخرى كأحزاب يسارية أوروبية وتلفزيونات محلية مثل تلفزيون المنار.
كي لا نسترسل كثيرا في ذكر انتكاسة هؤلاء، فلا شئ مفرح فيها خصوصا إذا كنت كُرديا، حيث أنت محدود، وحدودك تنحصر بين القهر والإحباط طردا وعكسا.
ولكن ها هي تركيا وقعت إتفاقية تأريخية مع روسيا، يقول الباحثون في هذا الشأن، أنها ستغير خريطة التحالفات الإقليمية والعالمية. أما حزب الشعوب، فصار صفر القيمة، يكتفي قريبا بمداخلات برلمانية في البرلمان على مضض واستحياء! وحزب العمال الذي يطبل ويهلل منذ سنين طويلة ضد الدولة القومية، باعتبارها عنصرية ومتخلفة، ويطرح الفيدراليات الشرق أوسطية والديموقراطية للشعوب، فلم، أو لن يبقى له من شعاره سوى أن يشكل فيدراليته في جبال قنديل الموحشة حيث تتواجد الدببة والضباع والذئاب. ولا يضير سادة الحزب شئ من هذا وذاك، فهم علوييون لهم أجندات طائفية، ليس النضال القومي الكُردي الذي يستخدمونه كواجهة، سوى مطية رخيصة لأجنداتهم تجري بأوامر ملالي قم وطهران، وفق ما يقوله عثمان، شقيق عبدالله أوجلان وأحد قادة الحزب الكبار في السابق. أما رفيقنا الشاب دمرطاش فقد يكون من أوائل من يتعلمون الدرس لخمسين عاما أخرى (أطال الله بعمره الميمون).
ما أراه أنا وسط الحسرة والألم، أن مستقبلا من نوع آخر ينتظر هؤلاء الذين يتوزعون على تصانيف مختلفة. فمنهم من هو مقامر، ومنهم من هو مراهق وهناك من ضرب عريضا في الإرتزاق لصالح عدو الشعب الكُردي، نظرا لإشتراك الهوية الدينية بين المرتزق والعدو، فكانت الضحية القومية الكُردية التي طرّزت لها طاقية من أحذق أنواع الإستهبال الذي يمارسه عادة المخادعون ضد الأغبياء! والمستقبل الذي أشرت إليه أنفا، هو أن يتحولوا إلى حاملي الأباريق في قم وطهران لملالي الشيعة (حمل الأباريق مثل كُردي يطلق على المتفانين في إخلاص الخدمة لأسيادهم!).
كيف لا، وأنت الذي يئن شعبك منذ عقود طويلة تحت نير الظلم، ثم تفوّت أجمل فرصة أتتك على صحن من الذهب؟! تصور لو كان دمرطاش يدخل في الحكومة مع حزب العدالة والتنمية، ماذا كان يحدث؟ لكان الكُرد لأول مرة يشاركون السلطة في دولة هي واحدة من أهم بلدان المنطقة والعالم. والأهم من ذلك أن العدد الأكبر من الكُرد، والجزء الأكبر من كُردستان واقعان في تركيا. ولكان للكُرد عدة وزراء، فضلا عن نائب رئيس الوزراء ومناصب أخرى ذات أهمية، ولارتاح الشعب الكُردي، ولما كان يحدث ما حدث من سقوط ضحايا وتخريب مدن وعمران وإقتصاد ودمار عام، دفعه الشعب الكُردي دون غيره. ولأصبح الكُرد في تركيا مصدر عون لأخوانهم في العراق وفي سوريا وفي إيران، ولانتعشت مناطقهم أيما انتعاش. وكان السلام ليعم ويستمر، والقضية الكُردية في تركيا تتقدم فراسخ وليس أشواطا فقط!
حين تفوت هكذا فرصة تاريخية فلا يليق بك سوى أن تكون حاملا للأباريق، تقوم على خدمة المعممين في قم وطهران وسائر مدن إيران حيث فتاويهم تتحول إلى حبال مشانق لشباب الكُرد على الدوام، ويصمت إزاء الحدث الجلل جميع أجهزة إعلام حزب العمال، بينما الإعلام الرسمي للنظام الإيراني يسخر من الكُرد ويصورهم كقبائل، لا هوية قومية لها ولا حضارة ولا وطن!*
* حين زار مسعود بارزاني (رئيس إقليم كُردستان) تركيا بلباسه الكُردي، استقبله رئيس الجمهورية أردوغان في قصر جانكايا ورفع العلم الكُردي هناك تقديرا له، مع أن هذا الأمر كان يعد في عهد الحكومات السابقة كفرا بواحا.
في معرض الزيارة، كتبت صحيفة كيهان الإيرانية اتسهزاءا واستهتارا بالشعب الكُردي، تعابير أقل ما يمكن قوله فيها، أنها مجردة من أي أخلاق، حيث وصفت مسعود بارزاني كرئيس قبيلة بارزان ووصفته برجل الشلوار!! أما القنصلية الإيرانية في السليمانية، فما ترددت في نشر تقرير رسمي لها على صفحتها الرسمية يتضمن أقذر الإهانات بحق الشعب الكُردي. حيث يقول التقرير، ليست هناك هوية كُردية ولا لغة كُردية. فما هو موجود ليس سوى تركيب لغة ركيكة من العربية والتركية والفارسية. وهنيئا لعملاء إيران![1]