#عمر كالو#
يعيش الشعب الكوردي بنسبة 100% في منطقة كوباني الكوردية التابعة لمحافظة حلب في سوريا ضمن مركز المدينة وحوالي 400 قرية كوردية في ريفها، ولا يوجد ضمن حدودها الجغرافية أية قومية أخرى ما عدا في بعض قرى وبلدات التماس المجاورة لها مثل الشيوخ وصرّين.
واشتهر اسمها على المستوى العالمي بعد شن تنظيم داعش هجوم كبير عليها في #15-09-2014# ومعركتها الدولية التي دامت حوالي أربعة أشهر داخل المدينة، وبعد انتصار قوات الحماية الشعبية YPG وYPJ بمساندة التحالف الدولي وقوات البيشمركة فيها يوم #26-01-2015# كوباني دخلت التاريخ وأصبحت أول وأشهر مدينة تقاوم تنظيم داعش وتنتصر عليه، ومنها بدأت سلسلة هزائمه حتى سقوطه وزوال خلافته المزعومة في الباغوز آخر معاقله بتاريخ #23-03-2019# وأصبح اسم كوباني رمزاً لانتصار الشعب الكوردي وشجاعة المرأة الكوردية المتمثلة في وحدات حماية المرأة YPJ ضد أعتى تنظيم إرهابي في العالم.
بعد سقوط النظام البعثي في سوريا وهروب رئيسه بشار الأسد إلى روسيا يوم 8 كانون الأول 2024، وفي غمرة احتفالات الشعب السوري وانشغال العالم بسقوط النظام الدكتاتوري ونهاية حقبة طويلة من الظلم والاستبداد منذ استيلاء حافظ الأسد ومن بعده ابنه بشّار على الحكم في سوريا، سرعان ما بدأت الحكومة التركية بتجديد تهديداتها القديمة بشن هجومٍ عسكري مع الفصائل السورية التابعة لها على منطقة كوباني، وبها عكّرت صفو الشعب الكوردي وحرمانه من الاحتفال بسقوط الدكتاتورية البعثية التي اضطهدت الشعب الكوردي ضعفي بقية المكونات الأخرى قومياً مرّة ووطنياً مرّة أخرى منذ استيلائها على الحكم في 8 آذار 1963.
تركيا بدأت من جديد تطالب بإبعاد قوات سوريا الديمقراطية التي عمودها الفقري وحدات حماية الشعب YPG و YPJ والتي تعتبرها تركيا امتداداً لنهج حزب العمال الكوردستاني لمسافة حوالي 35 كيلو متراً عن حدودها، وتسليم إدارة منطقة كوباني التي تديرها حالياً أبناء الشعب الكوردي باسم الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا إلى الفصائل السورية التابعة لها، علماً بأنّ تلك الفصائل تتمتع بسمعة سيئة بسبب أفعالها وجرائمها مثل السرقة، السلب والنهب، فرض الأتاوات والضرائب، جرائم الاغتصاب والاختطاف والقتل بحق المدنيين الكورد مثلما تفعل في منطقة عفرين الكوردية، ولا توجد لهم حاضنة في المناطق الكوردية وغير مقبولين إلى درجة النفور والكره ومصنّفة على قوائم الإرهاب الدولية.
والجديد هذه المرّة تطالب تركيا أيضاً بإنشاء قاعدة عسكرية حول ضريح سليمان شاه جد الأتراك بعد نقله من قرية آشمه غرب كوباني إلى مكانه القديم بالقرب من جسر قره قوزاق على الضفة الشرقية لنهر الفرات ضمن الحدود الإدارية لمنطقة كوباني بحوالي 35 كيلو متراً جنوب غربي مركز المدينة، وبذلك تريد تركيا عزل منطقة كوباني عن المناطق الأخرى للإدارة الذاتية وعن طريق تلك القاعدة العسكرية التي تريد إنشائها حول مكان الضريح وبمساحة أكبر وأوسع، ومن خلالها ستستطيع الضغط على قوات سوريا الديمقراطية ومراقبة تحركاتها وربّما استهداف كوادرها التي لم تطلق حتى الآن رصاصةً واحدة باتجاه تركيا منذ تأسيسها.
إن مطالبة تركيا بالسيطرة على كوباني وإنشاء قاعدة عسكرية حول ضريح سليمان شاه تأتي ضمن سياق تدخلاتها العسكرية في شمال شرق سوريا بحجة حماية أمنها القومي، مثل العمليات السابقة كعملية درع الفرات عام 2016 والتي من خلالها سيطرت على منطقتي جرابلس والباب وقطعت بها التواصل الجغرافي الكوردستاني بين منطقة كوباني والقرى الكوردية شمال منطقة الباب حتى منطقة عفرين، وعملية غصن الزيتون عام 2018 والتي سيطرت من خلالها على منطقة عفرين وبعدها عملت على تغيير ديموغرافيتها وإضعاف هويتها الكوردية عن طريق جلب المستوطنين العرب من المناطق السورية الأخرى وتوطينهم هناك، وعملية نبع السلام عام 2019 والتي سيطرت من خلالها على منطقتي سري كانييه (رأس العين) وگرى سپى (تل أبيض) وقطعت بها التواصل الجغرافي بين منطقتي كوباني والجزيرة، وأبعدت القوات الكوردية عن الحدود التركية وشمال كوردستان بمسافة حوالي 35 كم.
ولكن في الحقيقة مخاوف تركيا الحقيقية ليست أمنها القومي، لأنّ الكورد في سوريا لا يشكلون خطراً على حدودها في الوقت الذي يعيش حوالي 20 مليون كوردي في كوردستان تركيا، بل هدفها الرئيسي والحقيقي هو تقسيم المناطق الكوردية في سوريا وفصلها عن بعضها جغرافياً لمنع إمكانية قيام واستمرار أي كيان سياسي وإداري كوردي متماسك ومستقل للشعب الكوردي في كوردستان سوريا، وترى أن ذلك قد يشجع أنصار حركة العمال الكوردستاني والشعب الكوردي في كوردستان تركيا على المطالبة بكيانٍ كوردي مماثل وخاص بهم هناك أيضاً، أي أنّ هدف تركيا هو القضاء على الإدارة الذاتية القائمة منذ 2012 وأن لا يحصل الشعب الكوردي على أيّة حقوقٍ قومية في سوريا الجديدة.
في المقابل، أبدى القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم كوباني استعدادهم للإنسحاب العسكري من منطقة كوباني وإعتبارها منطقة معزولة الأسلحة وأن تبقى تحت إشراف وحماية التحالف الدولي، وأن تبقى الإدارة المدنية كما هي بيد أبنائها دون الوجود العسكري، ومن جانب آخر حذرت قوات سوريا الديمقراطية في بيان رسمي من أي هجوم تركي على منطقة كوباني، ودعت المجتمع الدولي والولايات المتحدة الأميركية للضغط على تركيا لثنيها عن تنفيذ أية عملية عسكرية في المنطقة، وكما أعلنت النفير العام للمقاومة في حال شنت تركيا مع فصائلها أي هجوم ضدها.
ولأنّ كان هناك اتفاق أميركي تركي وآخر روسي تركي بعد هجوم تركيا وفصائلها السورية على منطقتي سري كانييه (رأس العين) وگرى سپى (تل أبيض) في 9 تشرين الأول 2019 بعد إنسحاب قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأميركية من قواعدها في منطقة كوباني، بأن لا تتوسع تركيا وفصائلها السورية في السيطرة على منطقة كوباني ومناطق كوردية أخرى مقابل تسيير دوريات تركية روسية مشتركة في منطقة كوباني للمراقبة، ومباشرةّ بعد سقوط نظام الأسد عادت تركيا إلى التهديد والوعيد بشن هجومٍ عسكري مع فصائلها على منطقة كوباني، ولكن لم تحصل على الضوء الأخضر من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، وعلى العكس بدأ الأخير بإنشاء قاعدة عسكرية وسط مدينة كوباني ووصلت أول قافلة شاحنات تحمل غرفاً مسبقة الصنع، دروع إسمنتية، صهاريج وقود ومعدات أخرى يوم 2 كانون الثاني 2025 إلى داخل مدينة كوباني، وربّما يعود التحالف الدولي والقوات الأميركية إلى كل قواعدها السابقة التي أخلتها في تشرين الأول 2019 مثل الإذاعة، مشتنور، مطار كوباني العسكري وشركة لافارج الفرنسية للإسمنت.
عودة التحالف الدولي والقوات الأميركية إلى منطقة كوباني بعد أكثر من خمسة أعوام من انسحابها وتعزيز وجودها من جديد، خلقت جوّاً من الارتياح والإحساس بنوع من الأمان لدى الشعب الكوردي في عموم مناطق كوردستان سوريا وقللت من احتمالات قيام الحرب والتهجير والدمار من جديد، وأعطت رسالة قوية لتركيا والسلطة الجديدة في سوريا مفادها أنّه غير مسموح التصعيد والعمل العسكري ضمن حدود منطقة كوباني والمناطق التي تخضع للإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية في شمال شرق سوريا، وأنّ مصير ومستقبل تلك المنطقة سيقرر وفق التفاهمات والاتفاقات اللاحقة حول شكل السلطة وتأسيس دولة سوريا الجديدة.
تداولْ اسم كوباني والتهديد التركي إلى جانب سقوط نظام الأسد، بلا شك يعطي دفعة قوية للقضية الكوردية في هذه المرحلة الساخنة، وسيكون لمكانة اسمها تأثيراً في الحوارات والمفاوضات المستقبلية مثلما كانت في الماضي قد عرّفت العالم بالشعب الكوردي في سوريا إبان مقاومتها لتنظيم داعش عام 2014 وانتصارها في الحرب ضد الإرهاب، وإذا استمر التحالف الدولي في حماية منطقة كوباني من أي اعتداء حتى وبعد استلام دونالد ترمب الرئاسة في الولايات المتحدة الأميركية ونجح في اقناع تركيا والتفاهم معها بالحلّ السلمي، قد تكون كوباني مفتاحاً لحل القضية الكوردية والاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الكوردي في سوريا الجديدة وعاملاً لاستقرار حدود تركيا الجنوبية.
أمّا إذا تركيا فضّلت خيار الحرب، ستكون معركة كوباني بالنسبة لها ما يشبه الدخول إلى مثلث برمودا، ربّما لا يكون هناك تكافئاً عسكرياً من حيث العدّة والعتاد، لكن تركيا قد تخسر كثيراً أمام الرأي العالمي وربّما على المستوى الداخلي السوري والتركي أيضاً، لأنّ كوباني لن تكون لقمة سائغة وسهلة المنال، لأنّها بمثابة قضية الوجود والفناء للشعب الكوردي في سوريا، بغض النظر عن نتائج الحرب، بعدها لن يكون هناك لا أمان ولا استقرار على طرفي الحدود حتى لو تحولت كلّها إلى دمارٍ وأنقاض.[1]