فؤاد قاسم الأمير
نت قد كتبت في الموضوع أعلاه في كتابي: “حكومة إقليم كردستان وقانون النفط والغاز”، الصادر في كانون الثاني 2008، وكذلك في مقدمة كتابي: “الجديد في القضية النفطية العراقية”، الصادر في شباط 2012. ولقد حدثت في هذه الأثناء تطورات عديدة بهذا الشأن رأيت من المهم أن يطلع عليها القارئ العراقي، والأهم أن يطلع عليها القارئ الكردي العراقي، إذ بالرغم من الأهمية البالغة للموضوع بالنسبة للعراقيين عامة، فإن الأمر يعني الفرد الكردي العراقي بالذات، سواء فيما يتعلق بالثروة الهايدروكربونية الموجودة في كردستان العراق، أم في سياسة وعلاقة حكومة الإقليم بالحكومة الاتحادية، ومستقبل الإقليم وثروته بسائر الشعب العراقي، وآمال الجميع في الاستفادة الأكبر من ثروة العراق الهايدروكربونية للعراقيين عامة.
إن ما جلب نظري مؤخراً هو “تهديد” الشركات النفطية العاملة في كردستان في أوائل تشرين الأول 2012، من أنها ستوقف تصدير النفط بسبب “تأخر” الدفوعات من بغداد –حسب تقديرها-، إثر البدء بتنفيذ الاتفاقية التي تمت ما بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم، والتي صادق عليها مجلس الوزراء في 18/9/2012 لإعادة استئناف تصدير النفط المنتج من الإقليم، وذلك من خلال “الضغط” على وزير الموارد الطبيعية للإقليم الدكتور أشتي هاورامي، لإيقاف كميات النفط التي بُدء بتصديرها في أواسط شهر آب 2012 من خلال أجهزة التصدير الاتحادية وخط التصدير الاتحادي الذي يربط كركوك بميناء جيهان التركي، بكميات تصل إلى (140) ألف برميل يومياً نهاية أيلول، و(200) ألف برميل يومياً لما تبقى من العام 2012.
لقد صدر مقال في 4/10/2012 في النشرة النفطية الإلكترونية ذات الثقة والموضوعية الجيدة، “تقرير نفط العراق Iraqi Oil Report”(1)، يتحدث عن هذا الموضوع. وبعد أن ذكر أن معدلات نفط الإقليم الواصلة إلى خط التصدير كانت قد بلغت حوالي (155) ألف برميل/اليوم، وبحد أعلى قدره (170) ألف برميل/اليوم، تطرق إلى موقف الشركات من موضوع الاتفاقية ونقل عن أحد مسؤولي الشركات العاملة في الإقليم قوله من أن: “جميع الشركات قد ملّت هذا الوضع ككل… وأنهم سيناقشون مع هاورامي مسألة وضع الدفوعات وإنهاء التصدير”. علماً أن دفعة السلفة البالغة (650) مليار دينار (أي حوالي 542 مليون دولار) كان قد صُدّق عليها في مجلس الوزراء وتأخر في حينه وصولها لكردستان بحوالي الأسبوع لأسباب فنية. أما مبلغ السلفة الثانية البالغ (350) مليار دينار (أي حوالي 292 مليون دولار)، فهناك تحفظ من قبل ديوان الرقابة المالية لعدم توفر مبالغها في عام 2012، ويحتمل تأجيلها إلى عام 2013، وأخذ مجلس الوزراء بهذا التحفظ.
إن ما ذكره المقال أعلاه عن مسؤولي الشركات العاملة في كردستان يثير الحيرة والاستغراب، حيث نقل المقال عنهم أيضاً قولهم: “كيف نستطيع أن نشرح الأمر إلى مالكي أسهم شركاتنا من أننا نصدر ولا نعرف متى يدفع لنا”، كذلك: “نحن نفضل أن نحصل من المبيعات الداخلية –أي داخل الإقليم- من أن لا نحصل على شيء من التصدير”!!. إذ في هذا الحديث مغالطة، فما يدفع سلفة هو 50% من الوارد في بيع النفط لتغطية التكاليف، أي ان الدفع يتم إليهم فعلا وليس الامر “عدم الحصول على شيء من التصدير”. كما وأنهم يعترفون ببيع النفط داخلياً ويفضلون هذا الحل، وكأن العائد من البيع الداخلي يزيد عن نصف أسعار التصدير الرسمية والتي تتم من خلال التصدير المركزي!!.
ما أثار استغرابي أكثر هي الرسالة التي أرسلها في 23/7/2012 الدكتور أشتي إلى الشركات الثلاث، وهي الشركات التي سيُصدّر نفطها، أي DNO النرويجية (حقل طاوقة)، وإلى جنيل إنيرجي التركية (حقل طق طق)، وإلى مجموعة KAR العراقية (قبة خرمالة، حقل كركوك). يقول في تلك الرسالة أنه يكتب لهم للبحث في إعادة تصدير النفط المنتج من قبلهم، مع الأخذ بنظر الاعتبار أن دفوعات كبيرة لم يستلموها نتيجة صادراتهم السابقة بسبب الوضع مع بغداد. وهو يسأل عن مدى موافقتهم للتصدير لفترة تصل إلى شهر أو شهرين، وذلك في محاولة حسن نية منه وخلق جو إيجابي للنقاش مع بغداد لإطلاق دفوعات تصدير عام 2011، وهو ينتظر ردودهم!!. أجابت الشركات الثلاث في 26/7/2012 في رسائل منفصلة وبنفس المعنى تقريباً، وهي عدم استعدادهم إلى إعادة التصدير للمرة الثالثة دون ضمان استلام دفوعات كاملة، (ما يقصدوه هو ليس استلام الكلفة فقط وإنما أيضاً نفط الربح، إذ أن عقودهم عقود مشاركة)، ويتركون الأمر –على مضض- لوزارة الإقليم لاتخاذ القرار. وأضاف المدير التنفيذي لمجموعة كار أن جميع حساباته مدققة من قبل “الأجهزة المعنية في العراق”، (وأعتقد أن ما يقصده هو أنها مدققة من ديوان الرقابة المالية!!)، ورغم ذلك لم يستلم الدفوعات المستحقة له!!. علماً أنه من المفروض أن عقد هذه المجموعة (لتطوير قبة خرمالة)، هو عقد خدمة وليس عقد مشاركة بالإنتاج.
وبالرغم من أنني سأرجع لهذا الموضوع ثانية، وبتوضيح أكثر، وذلك في الفصل الثاني من هذه الملاحظات، ولكنني وجدت أن مواقف الشركات تبين أن البديل عن التصدير الرسمي لنفطهم، هو طريقة عمل وبيع للمنتج يأتيهم بعوائد أكثر، وأنهم يريدون كسر احتكار الحكومة الاتحادية للتصدير، والذهاب إلى ما يسمونه “البيع الداخلي”، أو الدفع باتجاه خطوة خطرة أخرى وهي “التصدير المستقل”، لهذا ارتأيت أن أطلع أكثر على آراء وأفكار وعمل هذه الشركات من خلال الرجوع إلى التقارير السنوية والنصف السنوية والدورية لهذه الشركات لمعرفة أدق للسبب الذي تعارض فيه الشركات التصدير الرسمي واسترداد “نصف الاستثمارات” على الأقل (أي الحصول على نفط الكلفة)، بدلاً مما افترضته التوقف عن الإنتاج، إذ أن مصافي الإقليم الفعلية الصحيحة لا تستوعب إلاّ جزءاً قليلاً من الإنتاج، وكما سنوضحه لاحقاً.
ونجد في الفصل الأول من هذه الملاحظات، (والذي كنت قد أكملته ونشرته في 25/3/2013)، كيفية عمل هذه الشركات وذلك من خلال ما جاء في التقارير التي تم إعدادها بالكامل من قبلهم، وهي موجودة على الإنترنت لمن يرغب بالاطلاع عليها، أو التوسع بالاطلاع على غيرها. لقد اخترت عدداً من الشركات، ولم أدخل إلى تقارير جميع الشركات، فالأمر يحتاج إلى وقت وتفرغ كاملين، وأتمنى أن أرى غيري يكمل العمل بصورة أفضل، ويصحح لي في حال ذكرت أمراً غير دقيق، وهي حالات نادرة في اعتقادي.
أما الفصل الثاني من هذه الدراسة، والموسوم: “ملاحظات حول السياسة النفطية للإقليم”، فهو يتحدث عن علاقة حكومة الإقليم، (وبالأخص عن علاقة الذين بيدهم الملف النفطي في الإقليم)، مع الحكومة الاتحادية ووزارة النفط وفيما يتعلق بالأمور النفطية، متجاوزين بذلك الدستور والقوانين السائدة. وبضمن ذلك نقرأ عن حصة الإقليم من الموازنة الاتحادية العامة، ومدى مساهمته في هذه الموازنة، وأسباب رفض حكومة الإقليم للموازنة الاتحادية العامة لسنة 2013، وذلك تحت تأثير وضغوط الشركات النفطية الأجنبية العاملة في الإقليم. وكذلك الحديث عن مدى شفافية المعلومات النفطية المنشورة أو التي سلمتها حكومة الإقليم إلى الحكومة الاتحادية. إضافة لذلك، فإن هذا الفصل يتحدث عن ضغوط الشركات النفطية الأجنبية والحكومة التركية على الإقليم لسلك الطريق غير الدستوري في “التصدير المستقل”، وفيما يسمى: “البيع الداخلي للنفط” وتهريبه، بدلاً من اعتماد التصدير الرسمي الدستوري، مما أثر في مجمل العلاقات بين الإقليم والمركز. وحاولت أن أضع بعض الحلول لإنهاء الموضوع وتحسين العلاقات بين أطراف المجتمع العراقي، وذلك في ضوء مصلحة العراق والعراقيين، وفي مقدمتهم مصلحة الكرد.
وأنهي هذه المقدمة بشكري وتقديري إلى صديق عمري (ماجد علاوي)، الذي أعتبره القارئ الأول لما أكتب، وذلك لمناقشته وتصحيحه ما أكتب وقبل أن ينشر، وكذلك لدعمه المادي والمعنوي (من خلال دار الغد للدراسات والنشر)، ومنذ أن بدأت الكتابة في صحيفة الغد التي صدر عددها الأول في العراق في 22/1/2004، والتي رأس تحريرها صديقي العزيز ورفيق عملي السياسي والديمقراطي وأستاذي المفكر اللامع (إبراهيم علاوي)، حيث سلمني عهدة تحرير الصحيفة في 24/4/2005، بعد أن غادرها لأسباب صحية قاهرة، ولإكمال شهادة الدكتوراه الثانية التي كان يعمل عليها.
كذلك أشكر صديقي، ومنذ أواسط خمسينيات القرن الماضي في جمعية الطلبة العراقيين في بريطانيا، الكاتب والأديب (قحطان الملاك)، صاحب دار الملاك للفنون والآداب والنشر، والمؤلف لعدد كبير من الكتب، وذلك لقيامه بنشر وتوزيع ومناقشة ما أكتبه في مكتبته العامرة والتي رفدتني بالكتب النادرة، والتي ما زلنا نجتمع فيها منذ أواخر القرن الماضي وحتى الآن صباح كل سبت. كذلك أشكر صديقي (“أبا ذر” عقيل الخزاعي)، صاحب الشخصية “الصافية والنقية”، والذي ساعدني وبلا كلل في نشر كتاباتي وكتبي، رغم ظروفه الصحية الصعبة جداً، وذلك بدافع حبه العميق لوطنه وشعبه، فهو مثال للوطني الغيور. وفي الختام أشكر صديقي الجديد الشاب (ظافر)، الذي نضد جميع ما كتبت بيديه خلال السنوات الست الماضية، وعمل على تنسيقها وتنميقها وإعدادها للطبع، وصمم أغلفتها جميعاً لتخرج كتباً بشكلها اللائق التي هي عليه، وكان يعمل بهمة عالية وروح وطنية رفيعة.[1]