تقرير/ شيار كرزيلي
روناهي/ الشهباء تقع مقاطعة عفرين شمال غرب سوريا، على الحدود السورية التركية، يحدها من الغرب سهل العمق في لواء اسكندرون، ومن الشمال خط سكة القطار المار من ميدان أكبس حتى كلس، ومن الشرق سهول مقاطعة الشهباء وإعزاز ومن الجنوب منطقة جبل سمعان، ومنطقة عفرين منطقة جبلية الذي هو جزء من سلسلة جبال طوروس بمعدل الارتفاع 700-1269 متر وأعلى قمة فيها(giri Mezin) ويبلغ عرضها من الشرق وإلى الغرب 55كم ومن الشمال إلى الجنوب 75كم. يتشكل مقاطعة عفرين من ثمان نواحي وهو مركز المدينة. شيراوا، شرا، وبلبل، وراجوا، شية، ماباتا، وجندريسة. يبلغ تعداد السكان الاصليين حتى عام 2012 قبل إيوائه للنازحين من المدن السورية بحدود 523,258 نسمة حسب آخر إحصاءات النظام وغالبيتهم من الكرد.
التراث العفريني
تعرف مقاطعة عفرين بتراثها المميز والذي حافظ عليه أهلها إلى يومنا هذا، وتوارثوه عبر الأجيال، من أجدادهم الكرد عبر التاريخ، وأثرت فيه بعض العوامل وهو موقع عفرين الجغرافي الواقع على طريق الحرير الذي مرت فيه قوافل تجارية، وتأثرت ببعضها البعض، كما مرت فيه عدة حضارات مثل الإغريق والرومان بالإضافة للكرد السكان الأصليين لعفرين، وهذه الأسباب أعطتها الميزة التراثية الفريدة، والتراث هو مجموعة من الفنون والثقافة والعمران التي تم الحفاظ عليها من قبل الأهالي عبر الأجيال بعاداتها وتقاليدها وتفاصيل حياتهم اليومية.
ويعتبر جبل ليلون (شيراوا) من أهم المناطق التي حافظت على تراثها دون أن يطرأ عليها تغير ملحوظ، بالمقارنة مع المناطق الأخرى في المقاطعة ويعود سبب ذلك إلى بعدها عن مركز المقاطعة الذي سيطر عليها طابع الحداثة والتطور، ففي شيراوا تتداخل المواقع الأثرية والبيوت التراثية لتعطي صورة جميلة وكأن المشاهد يعيش في غابر الأزمان، فالعديد من المنازل التراثية القديمة تحافظ على شكلها وهي مسكونة إلى يومنا هذا وبعضها تعرض للدمار بسبب هجرتها وعدم ترميمها.
المواطن عبد المجيد يوسف “أبو بهزاد” الابن الوحيد للعائلة من أحفاد محمد آغا سكان قرية آقيبة تحدث عن قريته بالقول: “تاريخ إعمار قرية آقيبة وهي إحدى قرى شيراوا ترجع إلى عام 1712م. من قبل الجد الأكبر محمد آغا وبنى أول منزل بالقرية في العام نفسه، وكان له أربعة أولاد ومعظمهم كانوا يعيشون في بيت والدهم محمد آغا وكل ولد كان له غرفة، ومن ثم بنى الأولاد منازل خاصة بهم وكذلك الاحفاد، لتتكون القرية التي تضم الآن العديد من المنازل التراثية التي لا زالت قائمة ومسكونة من قبل أهالي القرية ومنها منزل الإمام ومنزل عثمان صهر الإمام وتاريخها أكثر من 200عام”، أما أخت عبد المجيد يوسف “زلوخ” التي توفي زوجها فكانت في صباها تصنع السجاد الصوفي وهي لا زالت تحتفظ ببعض من سجادها، وكان سجادها جميلاً جداً ومزداناً بالنقوش وقامت بتعريفنا بأسماء النقوش باللغة الكردية.
بناء تراثي بأسلوب معماري متفرد
أما قرية “جتا زارت” التي تتميز بطابع البناء القديم فقد زرنا العديد من المنازل القديمة فيها ومنها منزل محمد ابراهيم الذي يمتاز بأسلوب عمارته فمنزله يتألف من ثلاث غرف موصولة ببعضها البعض عن طريق الأقواس المقنطرة بشكل فني فريد ونادر، وفيه نوافذ قريبة من الأرض بارتفاع لا تزيد عن نصف متر يدخل عبرها الضوء بشكل جميل، وقال محمد أبراهيم: “المنزل بناه أهم المعماريين في ذلك الوقت واسمه محمد عزت من قرية باصوفان وعمر المنزل يقدر بحوالي ثمانين عاماً”، أما عن منزل يوسف حمادة أو الحاج يوسف فأكد مصطفى محمد وهو من أحفاد الحاج يوسف حمادة من سكان قرية جتا زارات إن عمر منزل يوسف حوالي مئتي عام.
وأضاف مصطفى: “إن المنزل لازال مسكوناً وأنهم حافظوا عليه وعلى العديد من المقتنيات التي ورثوها عن أجدادهم والتي أصبح من الندرة مشاهدتها في هذه الأيام مثل (مطحنة القمح ومطحنة القهوة، وسلال مصنوعة من القش كانت تحافظ على الأكل، والمهباش ومصيدة “فخ” للحيوانات الضارية، و”طار” القمح والشعير والبيت يتشكل من أربع غرف متداخلة تفصلها القناطر والأعمدة، وتنفصل إحدى الغرف عن الأخريات بباب خاص وفيها موقد للنار”.
أما منزل جمعة علي حموتي الذي تحدث عنه أحد أحفاده قائلاً: “تاريخ المنزل يعود عام 1344 للهجرة ويوجد في المنزل خان كان يتسع لأكثر من اربعمئة رأس من الغنم والماشية وفي الخان سرداب يربط الخان بالمنزل ويتميز المنزل بمطبخه وحمامه الذي يسقط الضوء من الأعلى عبر قبة المطبخ إلى الداخل بشكل هندسي في غاية الجمال”.
وحين خروجنا من قرية جتا زارت ذهبنا إلى قرية غريبكي فزرنا بيت عماد حاج مصطفى وهو رئيس كومين القرية وتفاجئنا بوجود مقتنيات تراثية يرجع تاريخها إلى أكثرمن مئة عام وهي مقتنيات نحاسية عائدة للحاجة صبيحة والدة عماد والتي تعرف بصناعتها للسجاد فكانت تصنع السجاد الصوفي التراثي ولازالت تحتفظ بذلك السجاد والتي تتميز بألوانها الجميلة وأشكالها الهندسية الفريدة يعود عمر بعضها لأكثر من خمسة وستين عاماً ولم تستطع الحديث معنا بسبب كبر سنها فقامت زوجة ولدها بالحديث عنها قائلةً: “الحاجة صبيحة محمد ديب، أم زوجي كانت معروفة في صباها بصناعاتها اليدوية وبالأخص السجاد اليدوي المصنوع من الصوف فكانت تقوم بغزل الصوف وصباغته، ثم تقوم بصنع السجاد والستائر وصناعة الألبسة الصوفية وتطريز المخدات التي تسمى بالعامية القنويجة”.
وأضافت: “أما عن المقتنيات التي بقيت الحاجة محافظة عليها والتي بدورها ورثتها عن والدتها ووالدة زوجها لمحبتها وتعلقها بالتراث مثل خضاضة اللبن، وجرة المياه المصنوعة من الفخار، والأواني والمعالق النحاسية، وفانوس وأباريق الوضوء والموضئ الذي كان لغسل الأيدي عند الأكل والوضوء به في الغرفة، وطاحونة القمح اليدوية “الرحى” أما عن تاريخ البيت فيرجع إلى عام 1341هجري وبناها أحد المعماريين من أصول أرمنية، جاء إلى عفرين بعد تعرض الأرمن إلى المجازر من قبل الأتراك وكان يعرف باسم جوجو”.
الموسيقى والغناء الفلكلوري والتراثي العفريني
هنالك الكثير من الأغاني التراثية العفرينية التي لازالت تغنى في المجالس الفنية والمناسبات مثل أغنية (دلال) درويشي عبدي ويعود تاريخها لأكثر من ثلاثمئة سنة، وأغنية ممي آلان وغيرها الكثير من الأغاني، وهذه الأغاني كانت تغنى ليوم كامل أحياناً، تسرد من خلالها قصص ملاحم الأبطال الكرد وقصص الحب والعشق، التي ترجمها المغنون إلى أغانٍ كانت تغنى في مجالس وبيوت القرى العفرينية عند اجتماعهم في مجالسهم وكانت تعزف مع تلك الاغاني آلة الطنبور والناي والبلور وأحياناً المزمار مع الطبل.
أما الفنان محمد أبراهيم وهو فنان شعبي يغني الأغاني التراثية القديمة ويبلغ من العمر أكثر من مئة عام من سكان قرية “جتا زارات” فأضاف عن الأعراس وطابعها: “حين تقام الأعراس في قرى شيراوا كان أهالي العريس يقومون بدعوتنا إلى العرس، لكي نقوم بالغناء فيه، فكنا نرقص في “رأس” الدبكة وحين يأتي “الزمار” قريباً منّا كنا نطلب منهم عزف الأغنية التي نريد غنائها، أما الاغاني فكانت أغنية دلال دوريشي عبدي، وأغنية جمبلي، وأغنية سودالي عيشا أيبي، وغبرها الكثير.
أما عن فنانين الذي عاصرتهم فقد كنت أغني مع الفنان محمد درويش وهو ومن القرية وغنينا معاً في عدة أعراس ومجالس، وبشكل عام هناك فنانين غنوا للتراث العفريني والكردي بشكل عام أمثال: عمر جملو من غزاوية ومحمد خليل الملقب ب ” مامد” وولده حسن من باسوطة والفنان رشيد معم جوجاني ومحمد علي كوري وجميل هورو وعلي تجو وغيرهم. ومن أهم عازفي الأغاني التراثية على آلة الطنبور “آديك” آدو حسن، وكان نجاراً ويقوم بصنع آلات الطنبور بنفسه وهو من مواليد عام 1907 قرية باسوطة والعازف شيخو كور أوغلو وعلي كابي وأوسي خلو وعلي موسي وغيرهم الكثيرين”.
أما عن عازفي المزمار والناي؛ فحدثنا عازف المزمار المعروف رشيد إسماعيل شعنك قائلاً: “كانت هنالك عدة عوائل ممن يعزفون على المزمار ويقرون على الطبل، وهم عائلة محمد جابر وأولاد حيدو وإسماعيل شعنك وحنان ناصر واليوم هنالك حجي ناصر ولازالت عائلتنا تقوم بالعزف على المزمار والناي، وكانت هنالك عدة مقامات تعزف في الأعراس ومنها مقام مريم وزينب وبيتو جان”.
أما عن أهم خياطي الملابس التراثية العفرينية فأوضح شعنك أن أهم الخياطين الذين يخيطون اللباس الكردي هم الخياط شوكت عليكو من قرية ديكي ومحمد بهجت.
أما على صعيد الرقص الشعبي؛ فحدثنا فنان الرقص الشعبي مراد حسين تتر من فرقة جياي كرمينج ليعرفنا على الرقصات التراثية في عفرين قائلاً: “هنالك ما يقارب أربعة عشر رقصة ما زالت ترقص في عفرين ومن أهمها رقصة مولانا وجفتاتيلي وياغلى كنار وهوشري وحمو وقربتكي وخاتونكي وهذه الرقصات تم توارثها عن الأجداد منذ مئات السنين”. [1]